انتخابات تركيا.. “أنا علوي”!
أثار فيديو تحدّث فيه كليجدار أوغلو عن شخصيته كإنسان، ردود فعل واسعة في الشارعين الإعلامي والسياسي وشبكات التواصل الاجتماعي، ولدى عامة الشعب، بعد أن حقق عدداً قياسياً من المشاهدات، بلغ 85 مليوناً.
في الوقت الذي كان كثيرون يتوقّعون أن يُوْلي الرئيس إردوغان وفريقاه السياسي والإعلامي “علوية” منافسه كمال كليجدار أوغلو أهمية خاصة في حملته الانتخابية، فوجئ الجميع بالفيديو القصير، الذي بثّه كليجدار أوغلو عبر حسابه في شبكات التواصل الاجتماعي، بعنوان “أنا علوي”. ويبدو أنه جاء من منطق “أحسن خطة دفاعية هي الهجوم”، وهو ما فعله كليجدار أوغلو عندما خصّص فيديو آخر للكُرد، وقال عنهم “إنهم جزء من هذا الوطن، ولا يحق لأحد أن يقول عنهم إنهم إرهابيون”. وأثار الفيديو، الذي تحدّث فيه كليجدار أوغلو عن شخصيته كإنسان، وقال فيه إنه “علويّ المذهب ويؤمن بالله ومحمد وعلي”، ردود فعل واسعة في الشارعين الإعلامي والسياسي وشبكات التواصل الاجتماعي، ولدى عامة الشعب، بعد أن حقق عدداً قياسياً من المشاهدات، بلغ 85 مليوناً، وهو ما يعني أن كثيرين من الذين شاهدوا الفيديو عادوا وشاهدوه مرة أو مرتين، لأن عدد سكان تركيا 84 مليون نسمة.
ومع أن حلفاء كليجدار أوغلو في تحالف الأمة، وهم زعماء الحزب الجيد وحزب الديمقراطية والتقدم والمستقبل والديمقراطي والسعادة، أعلنوا فوراً تأييدهم مرشحهم المشترك للرئاسة، وعَدّوا تصريحاته “جزءاً من الشجاعة والصراحة، اللتين يتمتع بهما، في مجمل خطاباته وأقواله عندما يتحدث إلى الشعب التركي”، فلقد حاول الرئيس إردوغان والبعض من وزرائه وإعلامه الموالي التصدي للتأثير الإيجابي لاعترافات كليجدار أوغلو، الذي أثبتت الاستطلاعات أن شعبيته زادت نحو 4% بعد بثّ الفيديو.
وعلى الرغم من أن البعض حاول اتهام كليجدار أوغلو بـ”زرع بذور العداء الطائفي واستفزاز فئة ضد فئة أخرى”، فإن دعم حلفاء كليجدار أوغلو جاء لمنع أي ردود فعل سلبية من الأوساط السنية، انطلاقاً من أن زعماء الأحزاب الخمسة، الذين سيصبحون نواب رئيس الجمهورية، ومعهم رئيسا بلديتَي إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور ياواش، اللذان سيصبحان أيضاً نائبَين لرئيس الجمهورية، هم جميعاً من السنّة.
وهو ما تعوّد عليه الأتراك منذ قيام الدولة العثمانية (حكمها 36 سلطاناً)، ومن قبلها الدولة السلجوقية، بحيث كان كلّ ملوكها وسلاطينها من السنّة، مع التذكير بأن البعض يقول إن مؤسِّس دولة السلاجقة، الأمير سلجوق، هو يهودي من يهود القوقاز، والدليل أن أسماء أولاده هي داوود وإسرائيل وموسى ويونس وميكائيل.
كما أن رؤساء الجمهورية التركية، منذ إعلانها في عام 1923، وعددهم حتى الآن 12 رئيساً، هم من السنّة، حال الأغلبية الساحقة من القيادات السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية في الدولة التركية. ولا تعترف هذه الدولة، بمن فيها الرئيس إردوغان، بالعلوية كمذهب ديني، بل هي جماعة ثقافية، والدليل أن إردوغان كلّف وزارة الثقافة الاهتمام بمشاكل العلويين، على الرغم من حديثه بين الحين والحين عن حقوقهم في العبادة وغيرها، من دون أن يتذكّر أن عدد العلويين في تركيا يتراوح بين 12 و15 مليوناً، والبعض يقول عشرين مليوناً، وتعرّضوا، في معظم فترات التاريخ، لاضطهاد مبرمج، وفي بعض الأحيان دموي. وبدأ هذا الاضطهاد بالمجازر التي تعرّض لها العلويون على يد السلطان سليم، الذي غزا إيران عام 1514. وقيل إنه قتل عشرات الآلاف من العلويين، وهو في طريقه إلى إيران، وعند العودة منها، ونفى مَن تبقّى منهم إلى أجزاء متفرقة من أراضي الدولة العثمانية، بما في ذلك البوسنة وليبيا، وهرب آخرون إلى الجبال العالية في منطقة إسكندرون، شماليّ اللاذقية.
استمرّت عمليات الاضطهاد ضد العلويين، رسمياً ونفسياً، حتى بعد قيام الجمهورية التركية، وقضى عشرات الآلاف من العلويين ضحايا لحرب ضارية في منطقة تونجلي، بعد أن هاجم الجيش المنطقة بحجّة تمرُّد أهلها من العلويين والكرد ضد الدولة في الفترة 1935-1937.
كما تعرّض العلويون، في فترات متعدّدة، لسياسات الاستقصاء، مع انعكاسات ذلك على الشعور المتطرف ضدهم، قومياً ودينياً، وهو ما أدّى إلى مهاجمة مراكزهم ودُور عبادتهم، وحتى فعّاليّاتهم الثقافية، في مرعشلي ومالاطيا وإسطنبول وأضنة وسيواس ومدن أخرى. ولقي المئات منهم مصرعهم خلال هذه الأحداث الدموية، في الوقت الذي كانت المؤسسة الدينية التركية لا تعترف بالعلويين كمذهب أو طائفة، وترى أنهم “مجموعة مرتدة لا يمكن الاعتراف بها”، وهو ما شجّع الأوساط الشعبية من القوميين والإسلاميين على استهدافهم بين الحين والحين، ودفع ذلك العلويين إلى التمسُّك، أكثر من الآخرين، بالنظام العلماني، الذي يستهدفه إردوغان منذ استلامه السلطة نهاية عام 2002، لكن، بصورة خاصة، بعد ما يُسمى “الربيع العربي”، عندما أعلن إردوغان نفسه زعيماً للإسلاميين السنّة في العالم، فهاجم إيران لأنها تدعم الرئيس الأسد “من منطلقات طائفية”، واتَّهمها بـ”العمل من أجل التمدُّد في المنطقة، قومياً وطائفياً”. وهو ما ركّزت عليه وسائل الإعلام الموالية له، وتبنّت كل أنواع الدعم التركي للمجموعات المسلّحة التي تقاتل “ضد بشار الأسد ونظامه العلوي”، وهذا ما أومأ إليه إردوغان عام 2013، عندما قال “إن كليجدار أوغلو، الذي يعترض على تدخّلنا في سوريا ويدعم الأسد، إنّما يفعل ذلك لأنه علوي مثله”.
في جميع الحالات، وأيّاً تكُن تكتيكات إردوغان المحتملة ضد خطوة كليجدار أوغلو، التي حققت له تفوقاً نفسيّاً في الشارع الشعبي، فبات واضحاً أن تركيا مقبلة على مرحلة تاريخية عبر فوز كليجدار أوغلو في الانتخابات، وهو ما تتوقّعه أغلبية استطلاعات الرأي المستقلة، بفارق خمس نقاط، في الجولة الأولى. ويدفع هذا الاحتمال كثيرين إلى وضع حسابات جديدة من أجل تركيا في “عهد الرئيس العلوي ونوابه السنّة السبعة”، وخصوصاً أن هذا “العلوي” سبق له أن اقترح تشكيل تكتُّل إقليمي جديد باسم منظمة السلم والتعاون الشرق الأوسطي، والذي سيضمّ في البداية كلاً من تركيا وسوريا والعراق وإيران. وسيكون هذا “الرباعي”، إنْ تأسس، مثيراً جداً في حال انتخاب العلوي كليجدار أوغلو رئيساً لتركيا، وأغلبية سكانها من السنة، كما هي الحال في سوريا، في مقابل أغلبية للشيعة في العراق وإيران.
ويكتسب هذا الموضوع أهمية تاريخية بالنسبة إلى العالم الإسلامي، وهو ما يصادف المصالحة بين السعودية، التي ترى نفسها “حامية حمى السنّة”، قبل أن يدخل الرئيس إردوغان على الخطّ بعد ما يسمى “الربيع العربي”، وضد آل سعود، الأعداء التاريخيين للأتراك ورثة الدولة العثمانية، وبين “إيران الشيعية”، التي تدعم حركات المقاومة الشيعية في المنطقة، كما تدعم كل من يقف إلى جانبها، كما هي الحال في سوريا، التي يُعَدّ أكثر من 70% من سكانها من السنّة، وصمدوا معاً، بدعم من الحلفاء والأصدقاء، ضدّ أكبر عدوان كوني همجي تعرّضت له سوريا في تاريخها، ليكون الكيان الصهيوني هو الرابح الوحيد من هذا العدوان.
ويبقى الرهان الأخير على ما سيقوله، أو ما سيفعله الرئيس إردوغان، ليس فقط من أجل منع فوز كليجدار أوغلو، بل أيضاً من أجل تغيير الخريطة السياسية والاجتماعية في المنطقة، والتي لطالما راهنت عليها دائماً الدول والقوى الإمبريالية والاستعمارية وحلفاؤها في المنطقة وعبر استعداء البعض من دولها ضد الدول الأخرى، وراح الملايين من شعوبها ضحية لهذا التآمر. وفي جميع الحالات، الكل يعرف أن إردوغان لا ولن يتقبّل الهزيمة هكذا بسهولة، وأنه سيستنفر كل إمكاناته وإمكانات الدولة، في كامل أجهزتها ومؤسساتها ومرافقها، من أجل منع كليجدار أوغلو من الانتصار، وهو الاحتمال الذي يُخيف الكثيرين، الذين وضعوا ويضعون من أجله عدداً من السيناريوهات المزعجة، في جميع الحالات!
الميادين- حسني محلي
إضافة تعليق جديد