قراءة في خريطة الانتخابات التركية
لم تحسم الجولة الأولى من الانتخابات التركية منصب رئاسة الجمهورية، وأصبح من المؤكد الذهاب إلى جولة إعادة للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا تحديد يوم 28 مايو/ أيار الجاري لإجراء جولة الإعادة بين المرشحين الأبرز، الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومنافسه الرئيسي كمال كليجدار أوغلو.
وحملت الجولة الأولى من الانتخابات التركية مفاجآت كثيرة تتعلق باتجاهات التصويت، خاصة في الولايات التي تعرضت للزلزال المدمر في فبرير/شباط الماضي، والولايات ذات الأغلبية الكردية بالإضافة إلى المدن الكبرى، التي كانت في فترات كثيرة من المؤيدين لرجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية”.
انتخبوا “الجمهور” ولم يصوتوا لأردوغان
وحصل أردوغان على غالبية الأصوات في 51 ولاية من أصل 81، لكن ذلك لم يضمن له الحصول على النسبة المطلوبة 50%+1 من الأصوات، لاختلاف الكثافة السكانية بين الولايات، بينما حصد كليجدار أوغلو أصوات الأغلبية في 30 ولاية أخرى، أبرزها كانت العاصمة أنقرة وإسطنبول الأكبر وزنا انتخابيا.
والمفارقة في اتجاهات التصويت في هاتين المنطقتين أنها على الرغم من عد تصويتها لأردوغان في انتخابات الرئاسة، صوتت لصالح تحالفه في البرلمان.
ووفقًا للنتائج غير النهائية لسباق الرئاسة، تقدّم أردوغان، ويليه كليجدار أوغلو في المرتبة الثانية، وثالثا أوغان بنسبة 5.17%، ثم المرشح المنسحب محرم إينجه بنسبة 0.44%.
ومن المتوقع أن تشهد الجولة الثانية للانتخابات صراعا محتدما، ورغم وجود فارق 5% بين أردوغان وكليجدار أوغلو، إلا أن عدم حسم الجولة الأولى من الانتخابات يجعل من الضروري قراءة ما أسفرت عنه نتائج الجولة الأولى خاصة في الكتل التصويتية الكبيرة في البلاد والتي كان لها تأثير كبير في اتجاهاتا التصويت.
أين ذهبت أصوات ضحايا الزلزال
في 6 فبراير الماضي، استيقظ العالم على الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق سورية و11 ولاية تركية ونتج عنه ترك الكثير من سكانها مدنهم ونزحوا إما إلى ولايات أخرى أو لجأوا إلى الإقامة في مخيمات إيواء.
ورغم أن هذه الولايات في الأساس هي من المناطق المؤيدة لحزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية، وصوتت في انتخابات 2018 لصالحه بنسبة 65%، وأغلب رؤساء البلديات من الحزب الحاكم، إلا أن المعارضة كانت تسعى إلى قلب هذه النتيجة والحصول على أصوات الناخبين فيها، معتمدين على ما ادّعوه أنه تقاعس حكومي في التعامل مع تداعيات الكارثة.
إلا أن غالبية سكان هذه الولايات لم تغير موقفها بسبب كارثة الزلزال، وحقق أردوغان وتحالفه انتصارا كبيرا في جميع المدن المتضررة من الزلزال، باستثناء هاتاي، خاصة وأن نسبة المشاركة في منطقة الزلزال بلغت نحو 80%.
ووفقا للنتائج المعلنة للتصويت حصل أردوغان في مدينة أديامان على 66% من الأصوات، بينما حصل منافسه على نحو 31%، وحصل تحالف الجمهور على أربعة مقاعد برلمانية من المدينة ذاتها، بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على مقعد واحد فقط.
وكذلك حصل أردوغان على نحو 71% من الأصوات في كهرمان مرعش، في وقت لم يتجاوز منافسة نسبة 22%، وفي هذه المدينة حصل تحالف الجمهور على أكثر من 70%، بينما حصل تحالف الأمة على نحو 23% فقط.
أما الاستثناء الوحيد كان في هاتاي، ولم يحقق فيه كليجدار أوغلو فوزاا بنسبة كبيرة حيث حصل على 48.07% من الأصوات، بينما حصل أردوغان على 48.03%. وأيضا نجح تحالف الجمهور من تحقيق انتصار بحصوله على نسبة 48% من الأصوات بينما حصل تحالف الأمة على 36%.
وبذلك يكون قد خاب أمل المعارضة في الملف الأكبر الذي لعبت عليه أثناء الدعاية الانتخابية والتي كانت تسعى إلى توجيه الناخبين إلى التصويت ضد أردوغان وتحالفه بدعوى عدم التعامل باحترافية مع كارثة الزلزال.
لمن ذهب الصوت الكردي
يبلغ تعداد الأكراد في تركيا نحو 15 مليون نسمة، يمثلون نحو 20% من سكان البلاد، و10% من الكتلة الانتخابية، وحصل أردوغان في انتخابات 2014 و2018 على 40% من أصوات المحافظات الكردية.
ويتركز الصوت الكردي في الولايات ذات الغالبية الكردية جنوبي وشرقي البلاد مثل ديار بكر ووان وماردين وباتمان وشرناخ، بالإضافة إلى وجود ملايين الأصوات الكردية في كبريات المدن التركية مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير.
وكانت هناك توقعات بأن يلعب الأكراد دورًا في إسقاط أردوغان في الانتخابات وتحسين فرص كلجيدار أوغلو، ولكن هذا لم يحدث في الجولة الأولى، ويرجع مراقبون السبب في ذلك إلى الانقسام التقليدي بين الأكراد بين حزب الشعب وحزب العدالة والتنمية الحاكم.
وفي نهاية أبريل/نيسان الماضي، أعلن حزب الشعب الديمقراطي المناصر لقضايا الأكراد دعمه لزعيم المعارضة الكردي العلوي. ومع ذلك، يُعتقد أن نسبة المشاركة في الجولة الأولى في المحافظات ذات الأغلبية الكردية كانت نحو 80%، وهو أقل بكثير من نسبة المشاركة العامة التي وصلت إلى نحو 89%.
ومع ذلك، فإن الحصول على دعم أكبر من الناخبين الأكراد يمكن أن يكون ضد كلجيدار أوغلو، حيث نجح أردوغان في ربط المعارضة بحزب العمال الكردستاني المسلح، الذي شن تمردا مسلحا ضد الدولة التركية لعقود.
من حسم مقاعد البرلمان؟
بحسب المعلن من لجنة الانتخابات التركية، سيطرت التحالفات الحزبية الرئيسية الثلاثة: “الجمهور” و”الأمة” و”العمل والحرية” على البرلمان.
ورغم حسم تحالف الجمهور للأغلبية على البرلمان بواقع 322 مقعداً، إلا أن حزب العدالة والتنمية كان أكبر الخاسرين، حيث سجل أكبر انخفاض له منذ الوصول إلى ذروته عام 2015، عندما كان يقترب من الفوز بنسبة 50%، وحصل في الانتخابات الأخيرة على نسبة 35.58% فقط من الأصوات، حيث حصل حزب العدالة والتنمية على 267 مقعدا، وخسر 28 نائبا برلمانيا، مقابل 169 لحزب الشعب الجمهوري.
وكذلك حصل حزب “اليسار الأخضر” 61 مقعدًا، مقابل 50 معقدًا لحزب “الحركة القومية”، و44 لحزب “الجيد”، وتمكن حزب “الرفاه من جديد” من دخول البرلمان بـ5 مقاعد، وكذلك حزب “العمال التركي” بـ4 مقاعد.
ويعتبر مراقبون أن فوز تحالف أردوغان بالأغلبية في البرلمان سيكون له انعكاس كبير على الانتخابات 28 مايو المقبل، وستكون غالبا لصالح أردوغان ليكون هناك تناسق وتناغم بين الرئاسة والبرلمان.
وكالات
إضافة تعليق جديد