ريمون بطرس ونهر العاصي على (الجزيرة الوثائقية)
مجدداً يعود برنامج ( العدسة العربية ) الذي تبثه قناة الجزيرة الوثائقية لملاحقة إبداعات فنانين سوريين, وقد اختار في حلقته التي بثت مساء يوم الأحد الماضي التوقف عند تجربة رائدة للمخرج السوري ( ريمون بطرس) , جاعلاً من مدينته حماة ونهرها العاصي, فضاء لحركة الكاميرا ومنهل سحرها الأساس.
الحلقة التي امتدت قرابة نصف ساعة, بدت احتفاء حقيقياً بعشق ريمون لمدينته حماة , وتفاصيلها, على نحو بالغت الكاميرا بملاحقة تفاصيل المدينة فجالت في شوارعها القديمة, ولاحقت مجرى العاصي وتوقفت كثيراً عن نواعيره, ورافقت ريمون في رحلته المعتادة من باب بيته حتى منطقة (باب النهر) عند نهر العاصي..وما بين بابين سيمر ريمون على الجامع الكبير, سيرتاح في ظلال أعمدته ويستمع للآذان فيه, قبل أن ينتقل إلى الكنيسة ويستمع لتراتيلها أيضاً.
لا يخفي ريمون أن هذين البابين, باب بيته وباب النهر, كانا البابين اللذين أطل عبرهما إلى العالم: (من هذين البابين عبرت إلى الحياة), يقول ريمون, (عبرت إلى تاريخ المدينة والبلد, قضاياه وحكاياته..عبرت نحو كل ما جرى على ضفتي هذا النهر الخالد الأزلي الأبدي..).
أمام الجامع والكنيسة فكانا (معبران رئيسيان باتجاه العاصي) وهذه العناصر الأربعة (البيت, نهر العاصي, الجامع, الكنيسة..كانت عناصر عملي السينمائي).
عن مدينته حماة أنجز ريمون أربعة أفلام روائيين طويلين هما (الطحالب - الترحال), وتسجيلين اثنين (الشاهد - البقاء), قال إنها (عن حماة ونواعيرها وناسها وعن القليل من حكاياها..). فللمكان حضوره الطاغي في ذاكرة ريمون , إنه كما يقول: (ليس مساحة , إنه شيء يرتبط بذاكرة الإنسان وبأحاسيسه ومشاعره..).
تروي (العدسة العربية) رحلة إبداع ريمون منذ سبعينات القرن الماضي, على لسان صاحبها: (في أيلول 1970, ركبت الباخرة باتجاه كييف في الاتحاد السوفيتي, الإبحار نحو كييف لم يكن لساعات..لقد كان أبحاراً نحو الحلم..حلم للرد على الهزيمة-هزيمة حزيران 1967 ).
(الطحالب) فيلمه الروائي الأول عكس تأثره بالنواعير وبنهر العاصي..أما الطحالب كمفهوم أراده ريمون, فهي كما يقول : ( التي تأكل كل شيء ولا تنفع بشيء للبلد..هم أكثر فظاعة وتدميراً لحياتنا وأرواحنا , بل حتى لأسماعنا).
مواجهة الطحالب) البشرية بدت مشروع ريمون الحياتي وسؤال إبداعه , على نحو عاد ليتساءل في نهاية البرنامج: (هل سيتاح لنا, أنا وجيلي, قبل أن نموت الفرصة من جديد لنتحدث عن هؤلاء الطحالب أم لا..?!).
أما فيلمه الثاني (الترحال), فقد ولد , كما يقول صانعو العدسة العربية, من باب القلق على المصير العربي..يتذكر ريمون العاصفة الهوجاء التي قيل له: إنها ضربت في شباط 1949 قلعة حماة, ونالت من اللاجئين الفلسطينيين إثر وصولهم من حماة..الحادثة بكامل تفاصيلها ستبقى تأسر تفكيره, حتى الساعة التي يعيد تجسيدها كاملة في فيلمه (الترحال).
يدرك ريمون أن (تجليات النكبة ماثلة أمامنا), يخبر (العدسة العربية) بقناعته أن (المنتوج السينمائي , بكمه ونوعه, خلال أكثر من خمسين عاماً هو أحدى مؤشرات النكبة), ويعود ليوضح فكرته: (أتكلم عن الوظيفة الاجتماعية للثقافة, بمعنى إذا ما قارنا ما يمكن إنتاجه من الثقافة بما أنتج فعلاً لوجدنا الفوارق واسعة..).
تستسلم (العدسة العربية) بالكامل لكل ما يقوله ريمون, تلاحق هواجسه وأحلامه وحكايا عشقه أكثر مما تفعله في ملاحقة أفلامه السينمائية, كما لو أنها تعلن أن مشروع ريمون بطرس الإبداعي أكبر بكثير من أن يحصر في مشروعه السينمائي رغم تميزه.
ريمون الإنسان, العاشق للعاصي, أو المجنون به كما قال الناقد بشار إبراهيم, كان الأكثر حضوراً فيما قدمته ( العدسة العربية), ذات العدسة التي عشقت هي الأخرى نهر العاصي ونواعيره, واستسلمت للسحر على ضفافه, فكان الصوت والصوت برسم نهر العاصي.
يستحق ريمون بطرس أن يرصد بأكثر من كونه مخرجاً سينمائياً, ويستحق منتوجه السينمائي أن يرصد بأكثر من نصف ساعة...ويبقى فضيلة (العدسة العربية) إنها أحسنت في التقاط أفضل مافي ريمون بطرس, لا كل ما فيه.
يذكر أن حلقة (العدسة العربية) أعدها الزميل دلبرين موسى, وأخرجها سيمون هبر.
سونيا سفر
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد