عبد الله فريكة في «سيرة الحب»
البارحة عصراً التقيت بصديقي عبد الله فريكة, قال لي دون أن يرمي السلام: ليكن في علمك إذا لم تتدارك الوضع فإنني سأموت من الجوع في هذا الرمضان!
قلت بحمية: ما عاش الجوع يا أبا عادل, ولكن كيف أتدارك هذا الوضع المأساوي؟
قال: الشغلة بالعقل, بإمكانك أن تدعو الأصدقاء إلى إقامة سهرة رمضانية يومية ملأى بالمزح والضحك والتنكيت, وبما أن السهرة ستنعقد بطبيعة الحال فإن بإمكان الشخص الذي سنسهر عنده أن يتذكر جده حاتم الطائي, ويجهز لنا عشاء إفطار يلعب عليه الخيّال, ضمن شرطين صغيرين.
قلت: ما هما؟
قال: الأول هو أن أكون أنا معفى من الدور لأنني - كما تعلم - لست قد هذا الحمل! والثاني هو أن تمنع أصحاب البطون الكبيرة الذين يأكلون (الحلفا والغلفا) من الحضور, وعلى الأخص صاحبك (نبيه) الذي تحدثت عنه في (سيرة الحب) وإذا أصررت على دعوته ستسمح لي أن أربطه على بعد أمتار من السفرة وأطعمه على كيفي!
قلت: موافق, ولكنني أريد مزيدا من الإيضاحات.
قال: بما أن شعار السهرة هو الضحك, فإن على الحاضرين جميعهم الالتزام بإغلاق الموبايل طوال السهرة, وأن يتخلى الأشخاص الذين لا يجيدون التحدث والتنكيت عن أدوارهم لغيرهم, فنحن مواطنون نظاميون وندفع مايستحق علينا من ضرائب وفواتير أولا بأول, لذلك ليس من حق أحد أن يحكي لنا قصة تعبانة مضطربة غير معروف رأسها من أساسها.
قال متغابياً: وبماذا يفيدنا الضحك يا أبا عادل؟
قال: أنت تعرف أن علاقتي بقراءة الكتب ضعيفة, ولكن جاري الأستاذ عبود الذي يحكي بالنحوي حكى لي من مدة قصة فهمت منها أن الجاحظ ومجموعة من أصدقائه كمنوا لرجل بخيل -حاشاك- وأمضوا ثلاث أربع سنوات وهم يترصدونه من مكان إلى آخر, ويحاولون أن يجعلوا وجهه يحمر خجلاً, ويدبوا النخوة العروبية في رأسه عسى ولعل أن يعزمهم على زاده, ولكن البخيل كانت تنطبق عليه أغنية طروب (جوق بحبك جوق - وأنت خبر يوق) وأخيراً جاء الفرج, إذ دعاهم ذلك البخيل على العشاء!
ولكنه ارتكب خطأ ليس من عادة البخلاء أن يرتكبوا مثله, فالمفروض به أن يدعوهم على نحو مفاجئ, لأن الإنسان عند الدعوة المفاجئة ربما يكون غير جائع تماما, فيأكل لقمتين أو ثلاثا ويرجع إلى الوراء حامداً الله على نعمه, وبما أنهم عرفوا بالدعوة قبل يوم كامل فقد صاموا مع أن الوقت لم يكن رمضان, وبعضهم أخذ جرعة مبحبحة من (ملح الإنكليز) الذي يوصف عادة من أجل غسيل المعدة, ثم ذهبوا إليه, فجاء الطعام فأكلوه, وأكلوا ما بعده, وحسناً فعل البخيل صاحب الدعوة إذ كان يبتعد من طريقهم حذراً, فلو مر بجوارهم لأكلوه.
الحكمة من هذه القصة -كما قال لي جاري عبود- هو ما قاله الجاحظ فيما بعد تعقيباً على الحكاية وهو: والله ما ساعدنا على هضم ذلك الطعام كله إلا الضحك.
قلت: حتى الآن لم أفهم إلام ترمي من وراء هذه الحكاية.
قال: هذا مع أن عهدي بك ذكي ولماح, فيما أننا سنأكل في رمضان ما لا يحسب الحاسب خصوصاً إذا كنا مدعوين وثمن الأكل ليس طالعاً من جيبنا, فإن الضحك سيكون ضروريا لنا لئلا نفطس أو نختنق من الغلبة, وبالطبع سأكون أنا المصدر الرئيسي للضحك, هذا إذا وافق الشباب على بدء سهرات السمر, وإذا لم يوافقوا فهذا يعني أنني سأضطر إلى تناول نفس الطعام الذي ستتناوله أسرتي وسوف أجوع حتماً!
قلت مماحكاً: غريبة منك يا عبد الله, وهل سيبقى أولادك من دون طعام نهائياً؟
قال: بل سيأكلون, ولكنني خير من يعرف مما يتألف الطعام, برغليات وباذنجانيات وأخباز وأبصال وأعداس لا تسمن ولا تغني من جوع, وأنا شخصياً كلما جلست إلى سفرتي أتذكر حكاية الضيف الذي نزل عند رجل ثلاثة أيام فكان يقدم له نسخة طبق الأصل عن طعام أسرتي, فحاول الضيف بعث النخوة فيه قائلا بطريقة الشعر:
الله يرحم أباكا - كان يذبح دياكا
فرد عليه صاحب البيت معارضاً:أبصل وأعدس - وارفع ذهنك من هداكا!
خطيب بدلة
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد