الأتراك ناقمون على ساركوزي
تشهد العلاقات التركية ـ الأوروبية، وبالتحديد العلاقات التركية ـ الفرنسية، أزمة عميقة تشي بمزيد من التصاعد في الأشهر المقبلة، ولا سيما مع تولي فرنسا رئاسة الإتحاد الاوروبي في النصف الثاني من العام المقبل.
وإذا كانت أنقرة قد غابت عن حفل توقيع «اتفاقية لشبونة» لأنها لم تدع إليه، خلافاً لحفل توقيع الدستور الجديد في روما في 2004 الذي كانت من الموقعين عليه والمشاركين في إعداده، فإن منشأ الأزمة الحالية كان أهم بكثير من التوقيع نفسه، إذ يتعلق الأمر بتغيير طبيعة المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وعدم الإشارة في البيان الختامي لاجتماع رؤسائه في لشبونة، إلى أن هدفها هو «العضوية» أو «الانضمام».
وهذه سابقة خطيرة جدا في العلاقة التركية الأوروبية، فللمرة الأولى منذ بروتوكول انقرة في العام 1963 لا ترد عبارة «العضوية» في بيان للاتحاد الأوروبي.
ومع أن المسألة تتعلق بالإتحاد الأوروبي ككل، صب الأتراك جام غضبهم على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يعارض منذ أن كان مرشحاً للرئاسة، انضمام تركيا إلى أوروبا، بل يسعى حتى الى نسف الإنجازات المحققة حتى الآن.
وإذا كان شطب كلمة «انضمام» أو «عضوية» من البيان الختامي لرؤساء الاتحاد الأوروبي، اعتبر انتصارا لساركوزي وسياساته، فإن الأكثر سلبية هو مجاراة الدول الأوروبية المؤيدة أساساً لانضمام تركيا مثل بريطانيا واسبانيا وايطاليا والسويد، الموقف الفرنسي.
تدرجت ردة الفعل التركية من اعتبار ذلك خطوة «غير حسنة» وتخضع للتقييم و«ضرورة التروّي» إلى أقسى العبارات المتعلقة حتى بشخص ساركوزي.
علي باباجان وزير خارجية تركيا دعا الى التعقل وعدم التصرف بانفعال لأن «الطريق طويل». لكن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان سرعان ما شنّ هجوما هو الأعنف على ساركوزي، متهما إياه بـ«الازدواجية» قائلاً «في لقاءاتنا الثنائية يتحدث الينا السيد ساركوزي شيئا، وعندما ندير ظهرنا يتحدث بلسان آخر. هذا أمر غير لائق في السياسة»، معتبراً أنه إذا كانت فرنسا تظن أنها ستأخذ الجميع معها فهي مخطئة بل فرنسا هي التي ستخسر.
وردّ اردوغان على السفير الفرنسي في انقرة برنار ايميه، الذي دعا الى الحوار، بالقول: «شيء جميل، لكننا لا نرى تجسيدا لذلك. إن موقفكم هذا لن يكسبكم شيئا». وامتنع ايميه عن تلاوة بيان أعدّه، وفيه ردّ على انتقادات اردوغان لساركوزي.
وانتقلت الأزمة التركية مع اوروبا لتكون مع فرنسا تحديدا. والملفت كان انضمام رجال الأعمال والصناعة الأتراك إلى منتقدي السياسة الفرنسية. وقال رئيس اتحاد الغرف والبورصات رفعت هسارجي اوغلو بأنه لا يمكن قبول مواقف ساركوزي، فيما رأت جمعية الصناعيين ورجال العمال ان مواقف ساركوزي غير مفهومة بتاتاً.
ويتساءل الكاتب محمد علي بيراند عما اذا كان حزب العدالة والتنمية يفضّل بقاء تركيا «الدولة المرشحة باستمرار» للعضوية، ورأى أنه «منذ وصول عبد الله غول إلى الرئاسة ومشروعنا الأوروبي يفقد سرعته، ونسي اردوغان الأمر. وباباجان يبشّر بإصلاحات تدهش الجميع بينما لا تطير ذبابة في أنقرة في هذا المجال»، متسائلاً «ظننا أن هذا الحزب يسلك طريقاً مختلفاً عن الحكومات السابقة وهو قام بما لم يقم به احد من قبل. لكن بعد هذا التباطؤ الملفت، هل كان يخدعنا؟».
ومهما يكن فإن العلاقات التركية ـ الأوروبية تلقت في قمة لشبونة ضربة قوية وغير متوقعة. وإذا كانت الحكومة التركية تتحمل جزءا من المسؤولية فإن القرار الأوروبي لا يجد اي تبرير له، والخشية هي ان يكون جزءا من سيناريو اوروبي يقدم لتركيا صفقة نهائية بأن تكون شريكا مميزا لا عضوا كامل العضوية.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد