رابطة الجوار العربي بين الدبلوماسية السورية والدبلوماسية المصرية

31-03-2010

رابطة الجوار العربي بين الدبلوماسية السورية والدبلوماسية المصرية

الجمل: تطرقت قمة الجامعة العربية الأخيرة التي تمت في مدينة سرت الليبية إلى اقتراح الأمين العام للجامعة العربية, الذي طالب بتكوين ما أطلق عليه تسمية رابطة الجوار العربي: فما هي طبيعة هذه الرابطة وما هي جدواها, وإلى أي مدى يمكن النظر إلى قيام هذه الرابطة باعتبارها تمثل امتدادا حقيقيا لجهود الدبلوماسية السورية التي ظلت تسعى لجهة تعزيز الروابط مع أبرز وأهم دول الجوار العربي: إيران وتركيا؟
إشكالية التوصيف الهيكلي-الجغرافي لمفهوم الجوار العربي:
خلال حقب ما قبل الحرب العالمية الثانية كان مفهوم الجوار العربي يتميز بالانفتاقمة سرت العربيةح واللاتحديد, ولكن بعد أن انتهت هذه الحرب, بدأ واضحا أن السياق العربي قد تشكل ضمن مفهومين, هما:
• المفهوم السياسي: ويتضمن البلدان التي اختارت الانضمام لجامعة الدول العربية, بما أدى إلى تشكيل كيان إقليمي عربي تقوده الجامعة العربية.
• المفهوم الثقافي: ويتضمن البلدان التي يتم فيها استخدام اللغة والثقافة العربية بشكل محدود, أو جزئي, بما أدى إلى نشوء ظاهرة ثقافية عربية تمتد من جاكرتا الاندونيسية وحتى سواحل السنغال وغينيا المطلة على المحيط الأطلسي, مكونة ما أطلق عليه العلماء تسمية العالم العربي.
برغم التداخل والترابط الشديد بين البلدان العربية المندرجة ضمن إطار المفهوم السياسي, وبلدان العالم العربي المندرجة ضمن إطار المفهوم الثقافي, فقد فشلت العديد من المحاولات التي سعت إلى الجمع بين المفهومين ضمن كيان واحد, وإن يكن ذلك, فما هو واضح يتمثل في أن هذه المحاولات لم تكن تتميز بالجدية الفاعلة.
تشير التحديدات الأولية, إلى أن تحديد دول الجوار العربي سوف يواجه بعض الإشكاليات, وذلك لأن اعتماد مفهوم الجوار السياسي, معناه, أن كل الدول التي ترتبط بحدود سياسية مع الدول العربية, هي التي سوف تشملها هذه الرابطة, وبالتالي يمكن أن نحد دول الجوار العربي في: تركيا-إيران-إثيوبيا-إريتريا-كينيا-أوغندا-الكونغو-أفريقيا الوسطى-تشاد-النيجر-مالي-السنغال.
أما في حالة اعتماد مفهوم الجوار الثقافي, ففي هذه الحالة, علينا أن نتحدث عن أكثر من ستين دولة.
إشكالية الإدراك العربي الرسمي لرابطة الجوار العربي:
طرح أمين الجامعة العربية أمام قمة سرت العربية طلب الموافقة على إقامة رابطة الجوار العربي, وفي هذا الخصوص تباينت إدراكات الزعماء العرب إزاء هذه الرابطة, ويمكن تصنيف هذه الإدراكات ضمن الآتي:
• المؤيدين لاقتراح إقامة الرابطة, كانوا أكثر اهتماما بمدى الضرورة والحاجة الملحة وتعزيز علاقات التعاون مع دول الجوار العربي.
• المعارضين لاقتراح إقامة الرابطة: كانوا أكثر اهتماما بضرورة عدم إعطاء الفرصة لدول الجوار العربي الرئيسية مثل إيران وتركيا لجهة التأثير على طموحاتهم السياسية لفرض النفوذ على البلدان العربية.
• المحايدين إزاء اقتراح إقامة الرابطة, كان صمتهم لأحد سببين, الأول يتمثل في ضعفهم الإدراكي إزاء مدى أهمية إقامة هذه الرابطة, والثاني يتمثل في ارتباطاتهم الخارجية, والتي تمنعهم من الموافقة بالسلب أو الإيجاب, ريثما يأخذون الضوء الأخضر أو الضوء الأحمر من حلفائهم الخارجيين.
برغم أهمية اقتراح إنشاء رابطة الجوار العربي, فإن ما هو جدير بالملاحظة أنه لم يجد الخط الكافي من الحوار والنقاش داخل القمة, وقد سعت بعض الأطراف العرالوطن العربيبية إلى استغلال الفرصة لطرح خلافاتها مع بعض دول الجوار, وعلى سبيل المثال لا الحصر, سعت السعودية وبعض الدول الخليجية إلى إثارة ملف الجزر الخليجية الثلاثة (أبوموس-طنب الكبرى-وطنب الصغرى) لجهة التشكيك في مدى جدوى إقامة الرابطة, وتمهيدا إلى استخدام ملف الجزر لاحقا لعرقلة انضمام إيران للرابطة, وسعت جيبوتي ليس إلى إثارة ملف خلافاتها الحدودية إرتريا وحسب وإنما لجهة مطالبة الجامعة العربية بطرح عقوبات ضد إرتريا.
تتمثل بؤرة إشكالية الإدراك العربي الرسمي لرابطة الجوار العربي, في أسلوب بعض الدوائر الرسمية العربية, القائم على "التعامل التعبوي" الفوري مع الملفات السياسية الإقليمية والدولية, دون اللجوء إلى الدراسة والفحص والتدقيق الذي يعزز قدرة هذه الأطراف على "التعامل التحليلي" الذي يركز على معادلة توازن المصالح وتحويل علاقات الصراع إلى علاقات تعاون متبادل, وكيفية إدارة الصراع بشكل علمي مع الخصوم بما يؤدي إما إلى القضاء عليهم بالوسائل المشروعة, أو تحييدهم بما يقلل من فاعلية تأثيراتهم السلبية الضارة.
إدارة العلاقات مع دول الجوار العربي: بين خبرة الدبلوماسية السورية وخبرة الدبلوماسية المصرية:
تنطوي إدارة العلاقات مع دول الجوار, أي دول جوار, على المزيد من الترتيبات البالغة التعقيد, وذلك لأن الدول التي ترتبط بحدود جغرافية مباشرة, تختلف عن تلك التي لا ترتبط بأي حدود جغرافية, وتأسيسا على ذلك, تعتبر سوريا ومصر, الدولتان الأكثر تأثرا بعامل دول الجوار, وبكلمات أخرى يمكن الإشارة إلى الآتي:
• تأثر سوريا كثيرا وسلبا أو إيجابا بمدى موقف دول جوارها إزاء تطورات الصراع العربي-الإسرائيلي, وبكلمات أخرى, فقد أثرت العلاقات التركية-الإسرائيلية خلال الفترة الممتدة من حرب عام 1967م وحتى ما قبل عام 2002 الذي شهد صعود حزب العدالة والتنمية, بكثير من التداعيات السالبة على سوريا, وبعد عام 2002م, تحولت علاقة الصراع مع تركيا إلى علاقة تعاون سوري-تركي, وجدت القبول والتقدير بواسطة كل شرائح الرأي العام العربي.
• تتأثر مصر كثيرا, وسلبا أو إيجابا بمدى موقف دول الجوار القريبة لها بتطور الصراع العربي-الإسرائيلي بعد توقيع الرئيس أنور السادات على اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية, وقد ظلت القاهرة تتجاهل بناء الروابط مع إثيوبيا التي تغذي مياه النيل القادمة لمصر بحوالي 70%, وأوغندا وكينيا والكونغو, والتي تغذي مياه النيل بحوالي 30%, وفي نهاية الأمر دفعت مصر الثمن الفادح عندما اجتمعت منظمة دول حوض النيل في الإسكندرية, ورفضت الموافقة على ورقة الاقتراحات المصرية المتعلقة بتوزيع المياه بين دول الحوض.
وبكلمات أخرى, فقد أدت جهود الدبلوماسية السورية إلى تحويل علاقات الصراع مع تركيا إلى علاقات تعاون لم تنحصر منافعها وفوائدها لصالح سوريا وحسب, وإنما لصالح كل البلدان العربية, فالانفتاح الذي راهنت عليه دمشق إزاء أنقرا ترتب عليه انفتاح أنقرا ليس على دمشق وحسب, وإنما إزاء كل العواصم العربية الأخرى, ونفس الشيء ينطبق على إيران, فعندما كان العديد من الدول العربية تسير في ركب موجة العداء ضد إيران, والتي سعى نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى إطلاقها بالتعاون مع السعودية وبلدان الخليج "قبل أن ينقلب عليهم ويحتل الكويت, مما جعلهم ينقلبون عليه ويجلبون له القوات الأميركية والدولية" كان لدمشق موقفا واضحا متميزا إزاءه, ولم تسعى دمشق إلى معاداة إيران وإنما سعت إلى وصف هذه الحرب باعتبارها مدمرة للطرفين, إضافة إلى عدم التردد في تحميل النظام العراقي السابق قدرا من المسئولية إزاء إشعال هذه الحرب غير المجدية له والمدمرة للمنطقة, والآن, وعلى خلفية الاعتداءات الإسرائيلية ضد اللبنانيين وضد الفلسطينيين, فقد ظهرت أهمية رصيد وإرث الدبلوماسية السورية في إدارة دقة العلاقات السورية-الإيرانية بما جعلها تتوسع وتأخذ شكل العلاقات العربية-الإيرانية.
لقد كان أمين الجامعة العربية السيد عمرو موسى صائبا في مطالبته للقمة العربية بتكوين رابطة الجوار العربي, وكان وزير الخارجية المصري السيد أحمد أبو الغيط صائبا أيضا في تأييده للاقتراح, ومطالبته بإجراء المزيد من الدراسات والحوارات المستفيضة حول الموضوع وعلى ما يبدو, فإن وزير الخارجية المصري السابق عمرو موسى, ووزير الخارجية المصري الحالي أحمد أبو الغيط قد أدركا مدى أهمية البناء على رصيد وإرث الدبلوماسية السورية إزاء دول الجوار العربي, وبرغم سلامة موقف عمرو موسى-أبو الغيط, فإن ما يمكن أن يتحسر عليه العرب يتمثل في أن الاقتراح لم يأت متأخرا وحسب, وإنما جاء تحت وطأة الصفعات القاسية المهينة التي وجهتها حكومة ائتلاف "الليكود-إسرائيل بيتنا-حزب شاس" الإسرائيلي بقيادة مثلث "نتنياهو-ليبرمان-الحاخام ييشاي" إلى المعتدلين العرب, وإفهامهم أن رهاناتهم إزاء التعامل مع إسرائيل وأميركا لم تعد تصلح إلا لـ"الكب".


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...