مساعٍ مصريةوتركيةبين الرياض ودمشق وساركوزي وبرودي يتصلان بالأسد
هل سيكون التأجيل النيابي التاسع مفتوحا على تأجيل عاشر لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، أم يسقط «الوحي» على أهل الحل والربط، فيصبح بمقدور اللبنانيين الفوز بـ«عيد الرئاسة» قبل عيد رأس السنة؟
يأتي طرح هذا السؤال، ليس في ضوء الوقائع المستهلكة في أروقة مجلس النواب في ساحة النجمة على مدى حوالى أربع ساعات، بل في ضوء الاتصالات الدولية والاقليمية التي تكثفت في الساعات الأخيرة وبلغت ذروتها في النداء الصادر عن الاجتماع الدولي الذي عقد في باريس من أجل لبنان، أمس، على هامش المؤتمر الدولي للدول المانحة للفلسـطينيين، وتميز بلهجة هادئـة وموضوعية، عكسـت في مضمونها نتائج الاتصال الطويل والايجابي الذي جرى بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والسـوري بشـار الأسـد، قبيـل منتصف ليـل أمـس الأول، وهـو الثـالث بينـهما خـلال أقـل من شـهر تقـريبا.
وشارك في اجتماع باريس، الذي جاء استكمالا لاجتماع اسطنبول، وزراء خارجية «الترويكا الأوروبية» (فرنسا وايطاليا واسبانيا) والولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية ومصر والامارات والأردن ومؤسسات الاتحاد الأوروبي والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
وكرر المشاركون نداءهم «لاجراء انتخابات رئاسية لبنانية من دون شروط وبدون مزيد من التأخير»، ودعوا مجلس النواب الى «الاجتماع فورا لأداء واجبه الدستوري».
وبينما كانت تراهن بعض القوى الداخلية اللبنانية على بيان شديد اللهجة ضد سوريا يمكن أن يستجلب قرارا دوليا في مجلس الأمن ضدها، جاء البيان وقبله الكلام الصادر عن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليسا رايس بعد اجتماعها مطولا في الإليزيه بالرئيس ساركوزي، ليصب في المنحى الايجابي الذي كانت توقعته أوساط متابعة للاجتماع في بيروت ودمشق وباريس.
ولوحظ أن البيان ترافق مع استمرار وتيرة الاتصالات الفرنسية السورية المفتوحة وبمستويات مختلفة، من أجل تذليل العقبات التي تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى الآن.
كما ترافق ذلك مع تحرك تقوم به مصر وبعض الدول الاقليمية وخاصة تركيا على صعيد تطبيع العلاقات السورية السعودية من دون أن تتضح صورة موقف قيادتي البلدين من المساعي الجارية، وذلك قبيل ثلاثة اشهر من موعد القمة العربية المقرر أن تعقد في دمشق في آذار المقبل.
وجاء في البيان الختامي الآتي:
«اجتمع ممثلو مصر وفرنسا وايطاليا والأردن والسعودية واسبانيا والامارات وبريطانيا والولايات المتحدة ورئاسة الاتحاد الأوروبي (البرتغال) والامين العام للمجلس الأوروبي في باريس برعاية الامين العام للامم المتحدة (بان كي مون)، وأعلنوا ما يلي:
ـ اجتمعنا لإعادة تأكيد دعمنا القوي، وغير القابل للتفاوض، للبنان وشعبه.
ـ نتقاسم قلقا عميقا حيال الأزمة السياسية المطولة في لبنان. نكرر نداءنا لإجراء انتخابات رئاسية لبنانية من دون شروط، ومن دون مزيد من التأخير. وفي هذا الإطار، نحث على أن يسمح للبرلمان (اللبناني) الاجتماع فورا لأداء واجبه الدستوري. نصر على أن تذعن القوى الخارجية لقرارات مجلس الأمن (الدولي)، الذي يلزم جميع الدول الاحترام الكامل لدستور لبنان ومؤسساته الديموقراطية.
ـ ندين بشدة سلسلة الاغتيالات السياسية ومحاولات الاغتيال في لبنان منذ تشرين الأول ,2004 ضمنها اغتيال (مدير العمليات في الجيش اللبناني) اللواء الركن فرنسوا الحاج في 12 كانون الأول. هذه الأعمال الإرهابية تشكل هجوما مباشرا على رموز سيادة لبنان ومؤسساته، وهي غير مقبولة وبغيضة أخلاقيا. من الواجب إحضار منفذي هذه الجرائم أمام العدالة. وفي ذلك الإطار، ندعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة لإنشاء المحكمة الدولية بالسرعة الزمنية اللازمة لمحاسبة كل المسؤولين عن حملة الجرائم هذه، حيثما كانوا .
ـ في هذا الوقت الصعب للبنان، ندعم الحكومة اللبنانية الشرعية والمنتخبة ديموقراطيا والقوات المسلحة اللبنانية في جهودها للحفاظ على سيادة لبنان واستقراره.
ـ نكرر دعوتنا لاحترام سيادة لبنان بشكل كامل، وسلامة أراضيه، ووحدته السياسية تحت سلطة حكومة لبنان الوحيدة والحصرية. نعيد التأكيد على دعوتنا للتطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بلبنان 1701 ,1680 ,1559».
رايس تدعو لوضع القضايا الأخرى جانبا
وخصصت الوزيرة رايس جزءا كبيرا من اجتماعها بالرئيس ساركوزي للوضع اللبناني وقالت للصحافيين «انه جرى التشاور في الوضع في الشرق الأوسط وخاصة الوضع في لبنان والرغبة في أن يتمكن اللبنانيون من اجراء انتخابات رئاسية بعد أن جرى التوافق على مرشح اجماع وقد شددنا في هذه المشاورات على أن تحصل الانتخابات دون أي تأخير».
وتابعت رايس «كما تعلمون فان فرنسا والولايات المتحدة نشيطتان في الملف اللبناني ويجب دعم الشعب اللبناني وممثليه المنتخبين بطريقة ديموقراطية ولا يجب أن تتوقف الجهود التي يبذلونها من أجل انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود».
وأضافت رايس «يبدو أن هناك اجماعا على مرشح ولا يوجد حقا أي سبب يشير الى أنه لا يمكن السماح لهم بالتقدم الى الأمام في انتخاب رئيس جديد. يجب وضع القضايا الأخرى جانبا حتى يستطيعوا الحصول على رئيس للجمهورية».
وأكدت أنه لا يجوز أن تحصل انتخابات في جو من التهديد وان الاغتيال الأخير الذي استهدف اللواء الركن فرنسوا الحاج (مدير العمليات في الجيش اللبناني) هدف الى تخويف اللبنانيين». وشددت رايس على أنه لا يجوز استعمال هذه الطريقة وعلى جيران لبنان اتخاذ مواقف بناءة بمن فيهم سوريا.
وردا على سؤال في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حول ما إذا كانت سوريا، مثل إيران، تتدخل في شؤون لبنان الداخلية، قالت رايس «نحن قلقون لماذا لا يمكن للبنان أن ينتخب الرئيس. إذا كان هناك حقيقة مرشح توافقي، كما يبدو، يجب على اللبنانيين أن يتمكنوا من الذهاب إلى البرلمان وانتخاب المرشح. ويجب أن تعمل أي دولة تملك نفوذا على التوصل إلى هذا الهدف، وليس محاولة التفاوض على المرحلة المقبلة».
وحول ما إذا كانت تعتقد أن هناك أسبابا لتدخل سوريا، قالت رايس «لقد اعتقدت سوريا لمدة طويلة ان لها حقا استثنائيا بالتدخل في الشؤون اللبنانية. لقد ابلغتها قرارات مجلس الامن بوضوح انها لا تملك هذا الامر، وأن لبنان يحتاج الى ان يكون دولة ذات سيادة. انها ليست قضية حول ما اذا كان يجب ان يكون للبنان علاقات جيدة ام لا مع جيرانه. بالتأكيد يجب ان يكون له علاقات جيدة مع جيرانه، لكن يجب على جيرانه ان يعاملوه كدولة ذات سيادة».
الى ذلك، اعلنت وكالة «سانا» للأنباء ان الرئيس بشار الاسد تلقى، أمس، اتصالا هاتفيا من رئيس الحكومة الايطالية رومانو برودي «بحثا خلاله الوضع في لبنان وآخر التطورات السياسية فيه».
على الصعيد المحلي، أظهرت متابعة وقائع مجلس النواب على مدى نحو اربع ساعات، أمس، أن قرار انتخاب رئيس الجمهورية كان قاب قوسين أو أدنى من الجميع، خاصة بعد أن تم تجاوز العقبة الدستورية، وفق صيغة لقيت ترحيبا من المعارضة والموالاة باستثناء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وبعض قوى الأكثرية غير الوازنة.
ووفق الرواية التي قدمها الرئيس بري أمام أكثر من أربعين نائبا من نواب المعارضة وقبل ذلك أمام رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، فان رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري، نقض مضمون الاتفاق الخطي الذي جرى بينهما بحضور وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير قبل أقل من اسبوعين وتمحور حول ثلاث نقاط تم تثبيتها لاحقا بين باريس ودمشق ونشرتها «السفير» في عددها، أمس (انتخاب ميشال سليمان وتشكيل حكومة وحدة وطنية على اساس النسبية النيابية واعتماد القضاء دائرة انتخابية).
وبينما نجحت الاتصالات في تجاوز العقدة الدستورية، في ضوء «الفتوى» التي أجازها بعض خبراء الدستور باعتماد التفسير الدستوري القائل بإعفاء المرشحين من الفئة الأولى إلى رئاسة الجمهورية من المهل المنصوص عنها دستوراً بسبب سقوط المهل وحصول الفراغ الدستوري، ما يعني أنه بإمكان مرشحي الفئة الاولى الترشح من دون تعديل الدستور، فان المفاجأة تمثلت في عودة الأمور في الملف السياسي، الى ما دون نقطة الصفر، عندما أبلغ النائب الحريري الرئيس بري بحضور النائب وليد جنبلاط رفضه أية صيغة حكومية تعطي المعارضة الثلث المعطل أو الضامن، متنصلا بالتالي من الاتفاق الذي أخرجه بري من جيبه وسأله «ألم تلتزم معي بحضور كوشنير بذلك»، وكان رد الحريري أنا لم ألتزم معك أبدا بذلك.
وهكذا انتهى لقاء ساحة النجمة بين بري والحريري الى عكس النتيجة المتوخاة منه، مما جعل الأمور تعود الى ما كانت عليه قبل سنة تقريبا، عندما استقال الوزراء الستة من الحكومة وتدخل الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وراجت نظرية الوزير الملك وغيرها...
وقالت أوساط مقربة من الرئيس بري أن الاجتماع الثنائي الذي عقد بين رئيس المجلس وبين جنبلاط «كانت أجواؤه ممتازة جدا ومهّد الى حد كبير للقاء بري ـ الحريري بحضور جنبلاط»، واشارت الى أن جنبلاط كان متجاوبا مع طروحات رئيس المجلس سواء في الشق الدستوري أو السياسي، لكنه شدد على توفير المخارج اللائقة للجميع بشكل لا يبدو معها أن هناك فريقا منتصرا على فريق آخر. وشدد في الوقت نفسه على حفظ مكانة رئاسة الحكومة وشخص الرئيس فؤاد السنيورة في أية تسوية.
وكان توافد نواب المعارضة وضخ مناخ اعلامي حول احتمال التئام الجلسة النيابية في بعض وسائل الاعلام الموالية، قد أحدث ريبة في الرابية حول صفقة يتم تمريرها من تحت أقدام العماد ميشال عون، وهو الأمر الذي استدعى اتصالا مطولا بين النائب علي حسن خليل والعماد ميشال عون تبلغ خلاله الأخير قرار المعارضة بالالتزام بمرجعية عون التفاوضية في الملف السياسي، وأن يأخذ الرئيس بري الملف الدستوري على عاتقه.
وبادر عون الى ارسال وفد من تكتل التغيير والاصلاح برئاسة النائب ابراهيم كنعان الى مجلس النواب حيث أبلغهم بري أن الحريري انقلب على الاتفاق الذي رعاه الفرنسيون وقال اذا حصل تفاهم سياسي لن يمر الا من ضمن التفاهم القائم مع المعارضة حول مرجعية عون التفاوضية ووفق الورقة التي تم التوافق على مجمل بنودها السياسية.
وقالت اوساط مقربة من رئيس المجلس انه اذا لم يتراجع النائب الحريري عن موقفه، واذا لم يحصل اللقاء مع عون فان الجلسة العاشرة التي تقرر موعدها يوم السبت المقبل، مرشحة للتأجيل أيضا.
وقال العماد عون في مقابلات تلفزيونية انه «حتى إشعار آخر أنا المفاوض باسم المعارضة، وإذا كانوا لا يريدون مفاوضتي فهذا شأنهم، ولكن بالنتيجة الكلمة الفصل موجودة معي وبنود التفاوض متفق عليها وموجودة في جيبي... وخارج إطار هذه الورقة لا يمكن لأحد أن يبت أي شيء، وستبت الأمور من هنا وفقًا لأصول معينة». وقال «إذًا إذا لم يكن هناك من تفاوض هنا فلا انتخابات في مجلس النواب» وأكد أنه «اذا لم نستطع التفاهم الان فلنأخذ فرصة طويلة لبعد شهر آذار».
من جهتها، نفت أوساط الموالاة نفيا مطلقا ان يكون الحريري قد تراجع عن اتفاق مفترض مع بري، «وذلك لسبب بسيط، وهو ان أي اتفاق من هذا النوع لم يتم التوصل اليه أصلا». واشارت الى ان الحريري «رفض أساسا مبدأ الخوض في النقاش على تركيبة الحكومة الجديدة في ظل الفراغ القائم، لانه يعتبر ان رئيس الجمهورية هو حصرا المرجع الصالح الذي تُناقش معه مثل هذه المسائل، وبالتالي لم يحصل أي التزام مسبق من قبل قوى الموالاة بنظرية 17+13 والبحث لم يصل الى الارقام والحصص وما شابه لان أصل التفاوض منذ الآن بشأن هذا الطرح مرفوض كليا، والخوض فيه سيشكل تعديا على صلاحيات الرئيس.
يذكر أن أوساط رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط تحدثت عن دور يقوم به جنبلاط بين بري والحريري وبالتنسيق مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من أجل توفير مخرج مناسب للجميع، لكنها تكتمت على مضمونه وان كان قد تردد أن جنبلاط يفضل صيغة لا تعطي المعارضة الثلث الضامن (فقط عشرة وزراء ولا يكون بمقدور الأكثرية أن تأخذ أكثر من 13 وزيرا، ما يعني رفع حصة رئيس الجمهورية، فيما تردد أن البعض حاول اعادة الاعتبار الى اقتراح مصري سابق باعتماد صيغة عشرة وزراء للمعارضة وعشرة وزراء للأكثرية وعشرة وزراء لرئيس الجمهورية.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد