«الوقود الحيوي» صديق للبيئة أم هو جريمة بحق الانسانية؟
يعتبر الوقود الحيوي «بيوفيول» Biofuel (الذي يسمى أحياناً «الديزل الحيوي») مصطلحاً حديث التداول في العالم المعني بصناعة الطاقة البديلة. ويقصد به انواع الزيوت القابلة للاحتراق والمستخرجة من مواد زراعية كالذرة وقصب السكر أو نشارة الاخشاب أو فضلات الحيوان أو بعض انواع الفطر وغيرها. وقد تزايد الحديث عنه بالترافق مع زيادة الابحاث العلمية والتكنولوجية التي تسعى الى الاستغناء عن النفط الذي ترتفع اسعاره العالمية بين الفترة والاخرى الى درجات قياسية، واستبداله بسوائل اخرى تفي بالغرض نفسه بأقل التكاليف الممكنة ومن دون اضرار بالبيئة والمناخ.
يتمتع «الديزل الحيوي» بميزات أهمها أنه غير ملوث نسبياً، لأن عدد ذرات الكربون في الديزل الحيوي اقل منه في الديزل الأحفوري (أي المستخرج من النفط)، كما أن المواد الملوثة الناتجة من احتراقه أقل. ثم انه لا يحتوي على الرصاص الذي يعتبر من أشد عناصر الوقود الأحفوري خطورة على البيئة. وكذلك فإنه ينحلّ تدريجاً بالماء، خلال ما لا يزيد على شهر واحد، بنسبة تصل إلى 85 في المئة، بينما يقاوم الديزل الأحفوري والمشتقات النفطية الأخرى الماء سنوات.
ومن الملاحظ ان الامم المتحدة تواجه حيال استخراج الوقود الحيوي من بعض المحاصيل الغذائية الاساسية كالذرة مثلاً معضلة معقدة ذات وجهين متناقضين. ففي الوجه الإيجابي، يساهم «بيوفيول» في ترشيد استهلاك الطاقة ومكافحة آثار تغير المناخ وانتاج مادة «الايثانول» Ethanol التي تستخدم بديلاً من بعض المحروقات الملوثة للبيئة مثل البنزين والديزل. ويكمن الوجه السلبي في امكان «أن تتحول الاراضي الزراعية الخصبة الى اراض تنتج محاصيل غذائية تحرق من اجل انتاج الوقود الحيوي»، على حد تعبير جان زيغلر المقرر الخاص لبرنامج «الحق في الغذاء» التابع للامم المتحدة. ويرى زيغلر ان هذا الوقود الزراعي يؤدي الى مفاعيل على درجة كبيرة من الخطورة كزيادة اسعار المواد الغذائية والدواجن واللحوم والمياه. ويصفه بالـ»كارثة الحقيقية بالنسبة الى الاشخاص الذين يعانون الجوع ويعوّق استيراد الدول الفقيرة حاجاتها للطعام الكافي لشعوبها»، إضافة إلى انتهاكه حق الغذاء العالمي المنصوص عليه في الشرعة الدولية لحقوق الانسان. وتنص تلك الشرعة على الآتي: «يحق لكل انسان الحصول على غذاء كاف ومستدام ومتناسب مع ثقافة كل شعب ويضمن له حياة جسدية وعقلية سليمة ويتيح للافراد والجماعات العيش بكرامة ومن دون خوف». ولذا، يعتبر زيغلر ان انتاج «الوقود الحيوي» من المواد الزراعية يُشكّل «جريمة ضد الانسانية».
وفي سياق متصل، يذكر تقرير صدر أخيراً عن «منظمة الزراعة والتغذية» (فاو) «أن انتاج الوقود الحيوي سيزيد من الجوع في العالم إذ يعاني منه حوالى 854 ملون شخص ويتسسب بوفاة ما لا يقل عن 100 الف ضحية سنوياً... إن مصادر الغذاء المتوافرة في العالم كافية لإعالة 12 بليون نسمة اي ضعف سكان الكوكب». ويرى التقرير أيضاً «ان انتاج 13 ليتراً من «الايثانول» يحتاج الى اكثر من 231 كيلوغراماً من الذرة في حين يمكن هذه الكمية ان تؤمن الطعام لطفل جائع في احدى الدول الفقيرة لمدة عام كامل الأمر الذي يؤثر بشدة في الميزان الغذائي في البلدان ذات الدخل المنخفض».
- وتعتبر الولايات المتحدة المُصنّع الاهم لمادة «الايثانول» من الذرة (37 في المئة من الإنتاج العالمي)، وثمة دول تستخرجه من مصادر اخرى اقل كلفة وصديقة للبيئة ايضاً. وتعتبر البرازيل اكبرمنتج ومصدر للـ «الايثانول» المستخرج من قصب السكر. ويشكل انتاجها منه نحو 35 في المئة من الانتاج العالمي. ويقدر بعض الخبراء انها ستتفوق على اميركا في غضون السنوات القليلة المقبلة. وتعتبر مدينة «ساوباولو« البرازيلية «عاصمة الايثانول» في العالم اذ تستأثر وحدها بحوالى 60 في المئة من انتاج البلاد. وتضم اكثر من 344 مصنعاً تضخ ملايين الليترات. وهناك محاولات جادة تجرى بين الولايات المتحدة والبرازيل (تشكلان معاً مصدر ثلثي الإنتاج العالمي من الايثانول) لتكوين منظمة لتصدير الايثانول على غرار «اوبك» في النفط، سعياً الى احتكار التصدير والتحكم في الأسواق العالمية. يشار الى ان البرازيل تصنع سيارات تعمل على الايثانول.
- وتعتبر كندا دولة رائدة في استخراج الايثانول من نشارة الاخشاب عبر تحويلها الى ما يسمى «الزيت الحيوي» في منشآتها الصناعية الكبرى، خصوصاً تلك المتمركزة في مقاطعة أونتاريو. ويوضح ميلتون كوبولس الخبير في اقتصاد الطاقة؛ في شركة «دايناموتف إينيرجي سيستمز» Dynamotive Energy Systems المنتجة لهذا الزيت، ان شركته تنتج قرابة 12 مليون غالون من»الوقود الحيوي» سنوياً مع معدل استهلاك 73 الف طن من المواد الخشبية. ويشير إلى ان الوقود الذي تصنعه الشركة ينتج ايضاً مركب اكسيد النيتر وغازات اوكسيد الكبريت الاقل تلويثاً للبيئة من أنواع الوقود التقليدية. وتتفاوض الشركة حالياً مع عدد من الزبائن الاميركيين لتعميم التجربة الكندية في قطاعات التصنيع الاميركية.
وامام موجة ما يسميه بعض الخبراء «جنون الايثانول» في الاميركيتين، ترتفع بعض الاصوات التي تطالب بتكنولوجيات حيوية جديدة يمكن ان تستخلص الوقود الحيوي من مصادر اخرى غير المحاصيل الزراعية الاساسية. وتجدر الإشارة إلى أن الابحاث العلمية تتجه الى تصنيع بقايا المخلفات الزراعية وبعض انواع الفطر وروث الحيوانات وفضلات الانسان، لاستخدامها في توليد الطاقة بالاعتماد على عمليات التخمير. وتعتبر الصين اكثر البلدان المنتجة للغاز الحيوي المستخرج من النفايات الحيوانية.
وعلى الصعيد العربي، تعتبر مبادرة «مصدر» التي أُطلقت في العام 2006 من أهم مشروعات الطاقة النظيفة في المنطقة. فقد جُمعت جهود شركات كبرى في النفط والتكنولوجيا وجامعات عالمية ووزارات في دولة الإمارات العربية المتحدة، للمساعدة في تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة المدعومة واستثماراتها. ورصدت للمشروع مئات ملايين الدولارات ومنها 250 مليوناً على الأقل للبحوث في مجالات الطاقة الشمسية.
وتركز مبادرة «مصدر» على استنباط التكنولوجيا المتقدمة والاستفادة منها في مجالات الطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة أنظمة الطاقة وإدارة قطاعات الكربون، وذلك عبر تحويلها إلى منتجات ذات عوائد اقتصادية، ووضعها في استخدامات مختلفة للمياه مثل التحلية.
وتستند المبادرة إلى أربعة محاور رئيسة متكاملة، تشمل إنشاء مركز للابتكار والإبداع يدعم تكنولوجيا الطاقة المستدامة من خلال تسريع اقتصاداتها وإثبات جدواها. كما تتضمن بناء جامعة ذات مواصفات عالمية توفر مناهج دراسية متخصصة في مجالات الطاقة المتجددة. وتشمل أيضاً إنشاء شركة متخصصة في تطوير الطاقة النظيفة، إضافة الى منطقة اقتصادية متخصصة تحتضن المؤسسات التي تستثمر في تكنولوجيا الطاقة المتجددة ومنتجاتها.
على المستوى المحلي، تتمتع المبادرة بدعم مختلف الجهات الحكومية والخاصة في أبو ظبي مثل «شركة بترول أبو ظبي الوطنية» (أدنوك) و«هيئة مياه وكهرباء» و«هيئة البيئة» وغيرها. وعلى المستوى الدولي، يتعهد معهد الأبحاث التطبيقية الشهير في ماساشوستس بإنشاء مركز بحث وتدريب على تقنيات الطاقة النظيفة والمتجددة. كما تلحظ المبادرة أيضاً التعاون مع جامعات «آر دبليو تي»، و«إتش اخين»، و«إمبريال كوليدج - لندن» و«كولومبيا» الأميركية.
المشكلة أن هذه المبادرة جمعت أيضاً كبار شركات النفط الملوثة التي قررت أخيراً ركوب موجة الحفاظ على البيئة مثل شركات «شل» و«بريتش بتروليوم» و«أوكسيدنتال بتروليوم» و«توتال» و«متسوبيشي» و«جنرال إلكتريك». وتصرف تلك الشركات مبالغ طائلة لتحسين صورتها.
وتبقى مسألة الوقود الحيوي مثار سجال واخذ ورد في اوساط خبراء الطاقة والبيئة. ويرى بعض خبراء الامم المتحدة ان الوقود الحيوي يمكن ان يكون اداة فعالة في خدمة التنمية المستدامة وتحقيق اهداف الالفية الثالثة لجهة تخفيض معدلات الفقر والجوع وتوفير مصادر الطاقة للجميع لا سيما الكهربائية التي لا تصل الى قرابة 2 مليار نسمة.
ويعتقد آخرون بأن التحدي الاكبر يبقى في اكتشاف طاقات بديلة توفق بين الأمن الغذائي وترشيد استخدام الوقود الحيوي، كما تعمل بديلاً من المحروقات التقليدية التي تلوث البيئة وتسخن الجو وتبعث الغازات السامة وتحدث الاضطرابات المناخية وتسبب الكوارث الطبيعية والبشرية.
وربما يصعب تجاهل أن الاحتباس الحراري يساهم أيضاً في ضرب «التنوع البيولوجي» من خلال الانقراض المتصاعد لأنواع الكائنات الحيّة.
من المعلوم أن 80 في المئة من التنوّع البيولوجي متوافر في بلدان الجنوب، وأنّ أكثر من 90 في المئة من المزارع في العالم هي مزارع صغيرة ومتوسطة، ولا يزال العاملون فيها يحتفظون ببذورهم المحلية ويتبادلونها. إلا أن هذه الحبوب والبذور التي تنجح في الإفلات من قبضة شركات الهندسة البيولوجية (بيوتكنولوجيا) وشركات البذور المُعدّلة جينياً، هي في نظر الشركات الاحتكارية عقبة أمام مسار الاقتصاد العالمي وأمام رغبتها في فرض بذورها التجاريّة.
علي حويلي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد