اغتيال وعد الديمقراطية في الباكستان
لم تنجُ رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو هذه المرة من الموت، فالاعتداء الانتحاري الذي استهدفها، أمس، على هامش تجمع انتخابي في مدينة روالبندي، كان محكماً بازدواجيته.
طلقات نارية أصابتها في الصدر والعنق، أُلحقت بعملية انتحارية باتت مشهداً مألوفاً في باكستان، لكنه هذه المرة كان كالزلزال الذي يضع البلاد في مهب العاصفة. ولم يُعرف أي جزء من الاعتداء أرداها «شهيدة» كما فضّل حزب الشعب الباكستاني أن يصف زعيمته، التي يعني اسمها بالعربية «لا نظير لها».
هذا الاغتيال الذي يأتي قبل 13 يوماً من الانتخابات العامة، والتي كانت تأمل بوتو أن تحقق فيها فوزاً عظيماً، «سيلقي بظلاله على المشهد السياسي» في هذا البلد النووي، وقد يلجأ الرئيس برويز مشرف إلى تأجيلها أو حتى «إعادة فرض حالة الطوارئ»، حسبما قالت المحللة في «مؤسسة كونترول ريسك» جنيفر هاربينسون، «في حال لم يتمكن من التعامل مع أنصار بوتو».
إلا أن المحللة في مؤسسة «هادسون» الأميركية منيزة حسين كانت أكثر «تشاؤماً»، حيث اعتبرت هذا الاغتيال بمثابة «الضربة القاضية لأي أمل بتحوّل باكستان إلى الديموقراطية»، مضيفةً أن «ثمة جهتين» من المحتمل اتهامهما: «المقاتلين الإسلاميين الراديكاليين في طالبان والقاعدة، والمؤسسة العسكرية التي لديها كل شيء لتخسره إذا تم ترميم الديموقراطية» في البلاد.
وأوضحت حسين أن «كل الدلائل تشير إلى مسؤولية الأجهزة الأمنية، إما بشكل غير مباشر بسبب إهمالها، أو مباشر عبر تواطؤ ممكن، إذا أخذنا بالاعتبار سلسلة الأحداث المشبوهة التي أدت إلى مقتل بوتو».
بالنسبة للمحللة في معهد «اميركان انتربرايز» دانيال بليتكا كان «من الواضح أن تنظيم القاعدة متورط في هذا الاغتيال... لان لديه برنامجا لزعزعة استقرار باكستان». لكنها قالت إن مشرف «يبدو مستفيداً على المدى القريب، ولكنه في خطر داهم على المدى البعيد».
قد «تأمل» الحكومة الباكستانية أن توجه أصابع الاتهام إلى «المتطرفين والقاعدة»، حسبما قالت المحللة الباكستانية عايشة إجاز خان ولكنها لم تستبعد أن تكون الأسماء التي أوردتها بوتو في اللائحة التي وجهتها إلى مشرف، عقب محاولة اغتيالها السابقة في كراتشي من دائرة الاتهام، وخصوصاً «أنها تضمنت أسماء خصوم انتخابيين لبوتو».
وعن إخفاق الأجهزة الأمنية في حماية بوتو، ذهبت خان إلى أبعد من ذلك، معربةً عن «استغرابها» لتعرض حملات المعارضة «فقط» لاعتداءات «إرهابية»، محذّرة من أن اغتيال بوتو قد يزيد من قوة المتطرفين في «بلاد لم يعد يثق شعبها برئيسه وحيث أثبتت الأجهزة الأمنية فشلها»، معتبرةً أن الوقت الراهن «هو الوقت الذي يتعين فيه على المجتمع الدولي أن يقتنع بأن مشرف عاجز عن السيطرة على الإرهاب المتنامي».
وبدوره ربط المحلل في مركز «كارنيغي» فريدرك غراري بين توقيت اغتيال بوتو والانتخابات العامة، قائلاً إن «كل من لم يرد لبوتو الفوز في تلك الانتخابات، هو مستفيد من الاغتيال»، باستثناء رئيس الوزراء السابق نواز شريف، «لأنه كان يحتاج إليها، ليكونا كتلة تمثل ثلثي البرلمان لتعديل قانون يمنعهما من ترؤس الحكومة للمرة الثالثة».
كانت بوتو، سواء برأي من أيدها أو عارضها، شخصية «استثنائية»، بعدما تمكنت في الخامسة والثلاثين من عمرها من ترؤس الحكومة الباكستانية، بين العامين 1988 و,1990 لتصبح بذلك أول امرأة تقود حكومة بلد إسلامي، لتعيد الكرة في ما بعد، بين العامين 1993 و.1996 وفي كلتا التجربتين أقيلت من منصبها بتهمة «الفساد» و»سوء الإدارة».
في العام ,1999 وهو العام الذي استولى فيه مشرف على الحكم، فضّلت بوتو، التي لطالما جاهرت بنيتها إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، الهرب إلى لندن ومنها إلى دبي لتفادي المصير الذي لحق بزوجها آصف علي زرداري، الذي سجن بتهمة الفساد بين 1996 و.2004
في منفاها واظبت الزعيمة البراغماتية على التنديد بـ(دكتاتورية» مشرف، متعهدة، في ما لو أعيدت إلى الحكم، بـ(ترميم الديموقراطية» في بلادها.
وهي تصريحات سرعان ما انخفضت حدتها، كلما كثر الحديث عن اتفاق تسعى لإبرامه مع مشرف لتقاسم السلطة معه، ولمنحها عفواً عن التهم الموجهة ضدها. وهو اتفاق منحته واشــنطن مباركتها، وكلّف بوتو، التي عادت بموجبه إلى بلادها في 18 تشــرين الأول، الكثير من شــعبيتها، التي ما لبثــت أن ترممت، بعض الشيء، بعد تعرّضها لمحاولة اغتيال «فاشلة»، في كراتشي.
ورغم تلقيها الكثير من التهديدات بالقتل، على حد قولها، من «متطرفين» لطالما تعهدت بمحاربتهم، ولو «عبر السماح لواشنطن بقصف مواقعهم داخل البلاد»، اتهمت بوتو، في عملية كراتشي «أفراداً داخل الحكومة يستغلون مواقعهم وسلطاتهم»، وحددت اسماء أربعة منهم في رسالة وجهتها إلى مشرف، بينهم: رئيس وزراء إقليم البنجاب تشودري برويز إيلاهي، ورئيس الاستخبارات السابق حميد غول، ومدير مكتب الاستخبارات اجاز شاه.
جنان جمعاوي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد