من الذي يفشّل عمرو موسى في لبنان؟
الجمل: توظيف الأطراف الخارجية وفقاً لنظرية الطرف الثالث في إدارة الصراعات هو توظيف يستهدف بشكل مباشر لبنان والقوى الوطنية اللبنانية وسوريا، ولما كانت الجامعة العربية باعتبارها الكيان الذي يجسد القوام العربي المؤسسي الواحد تحاول القيام بدور وظيفي في حل الأزمة اللبنانية، فهل أصبحت الجامعة العربية عبر الأزمة اللبنانية هدفاً غير مباشر لاستهداف الأطراف الثالثة المتورطة في إدارة الأزمة اللبنانية؟
* دور الجامعة العربية في لبنان: نهاية البداية أم بداية النهاية:
لعدة شهور ظل الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى منخرطاً في جهود الوساطة المكثفة لحل الأزمة اللبنانية على خطوط دمشق – الرياض – بيروت. لكن التوازي المتعاكس الغريب في الأداء السلوكي لأطراف الأزمة اللبنانية أدى إلى نشوء المزيد من الأورام الخبيثة في الأزمة اللبنانية، فالجامعة العربية تركز على الوساطة عن طريق التفاهم بما يؤدي إلى جمع الشمل وتوحيد المواقف بما يتيح:
• توصل الأطراف اللبنانية إلى صيغة الإجماع الوطني.
• الحصول على تأييد دمشق والرياض باعتبارهما العاصمتين الأكثر دوراً في دعم استقرار وأمن وسلام لبنان.
ولكن تبدو سخرية القدر وهي تمد لسانها لأمين عام الجامعة العربية، ففي الوقت الذي يبذل فيه الجهود من أجل التوفيق بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار اللبنانيتين، فإن زعماء قوى 14 آذار يبذلون قصارى جهدهم للتواصل مع الأطراف الخارجية وتحريضها من أجل ممارسة الضغوط على دمشق والرياض على النحو الذي أدى إلى إرباكهما وبالتالي عرقلة جهود الأمين العام لجامعة الدول العربية.
كان واضحاً أن قوى 14 آذار لا تستقر على موقف معين، وكلما تم التوصل إلى تفاهم فإن هذه القوى سرعان ما تبدل جلدها مرتدية قميصاً جديداً يختلف عن ذلك الذي كان بالأمس، وقد انكشف دور الأطراف الثلاثة في يوم 8 تشرين الثاني 2007م، وتحديداً في اليوم الذي أعقب انعقاد مؤتمر سلام أنابوليس وذلك عندما حدث التطور الذي اعتبره المراقبون "الاختراق الوحيد" الذي تم إنجازه طوال فترة الأزمة الرئاسية اللبنانية. ولكن بعد هذا الاختراق تواصلت زيارات زعماء قوى 14 آذار لواشنطن مما ترتب عليه إنجاز قوى 14 آذار وواشنطن للمناورة وعملية الالتفاف، وأخيراً محاولة النكوص عن الاتفاق والتفاهم حول ملف الرئاسة اللبنانية، وقد برزت نتائج تحركات واشنطن وقوى 14 آذار في تملص فرنسا وانسحابها المفاجئ من اتفاقها وتفاهماتها مع دمشق حول الملف اللبناني.
* عمرو موسى تحت دائرة هجوم اللوبي الإسرائيلي – قوى 14 آذار:
يقول اليهودي الأمريكي ديفيد شينكر محلل شؤون سوريا ولبنان بمكتب وزير الدفاع الأمريكي، بأنه برغم الاعتراضات المتزايدة فقد استمر الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في الضغط على اللبنانيين من أجل اختيار العماد ميشيل سليمان لرئاسة الجمهورية. وبعد انتهاء مؤتمر أنابوليس عاد الرئيس بوش إلى هواية توجيه الانتقادات ضد دمشق وطهران واتهامهما بالتدخل وعرقلة اختيار الرئيس اللبناني من أجل تقويض الديمقراطية اللبنانية. تقول المعلومات الواردة في جريدة الرأي الكويتية بأن الزعيم اللبناني سليمان فرنجية وصف عمرو موسى بأنه يتحرك في ملف الأزمة اللبنانية كما لو كان وزير الخارجية المصري وليس أميناً عاماً للجامعة العربية. هذا، وعلى خلفية زعم عمرو موسى وإطلاعه للجامعة العربية بأن سوريا وإيران هما المسؤولتان عن المعضلة الجارية حالياً في ملف الرئاسة اللبنانية، فإن عمرو موسى يكون قد أدخل نفسه تماماً ضمن دائرة استهداف اللوبي الإسرائيلي، ولتوضيح ذلك نشير إلى النقاط الآتية:
• إن الخلاف اللبناني – اللبناني يجب أن يتم عبر الحوار والتفاهم اللبناني – اللبناني.
• إن الأطراف الثالثة التي ظلت تتدخل وتستخدم الأيادي الخفية في إدارة الأزمة اللبنانية ظلت تركز على:
* في الجانب المعلن اتهام سوريا وإيران بأنهما المسؤولتان عن الأزمة اللبنانية.
* في الجانب غير المعلن والذي أصبح "شبه" معلن، ظلت تدفع قوى 14 آذار باتجاه المزيد من تبديل المواقف وعرقلة التفاهمات وتبني المزيد من المواقف الأكثر تشدداً.
• إن دخول عمرو موسى إلى ساحة الملف اللبناني يجب أن يركز على الوساطة العادلة والانتباه إلى الدور التآمري الذي يقوم به محور واشنطن – باريس.
• لم يفلح عمرو موسى إلى الآن في النفاذ إلى عمق الأزمة اللبنانية بما يمكنه من اكتشاف "أبعاد وطبيعة وتداعيات نظرية المؤامرة" الكامنة والتي تسيطر على البيئة الجيو-سياسية الخاصة بالأزمة اللبنانية، وعلى وجه الخصوص الرغبة الإسرائيلية – الأمريكية – الفرنسية في إجبار المقاومة الوطنية اللبنانية على نزع سلاحها بما يؤدي إلى تجريد لبنان واللبنانيين من قدرات المقاومة على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية "القادمة".
عموماً، لقد وضع عمرو موسى نفسه ظاهرياً في دائرة انتقادات القوى الوطنية اللبنانية بسبب إدراكه السطحي لطبيعة الملف اللبناني، وفي الوقت نفسه (على المستوى غير الظاهري) فقد وضع عمرو موسى نفسه في دائرة استهداف اللوبي الإسرائيلي لأن القيمة الرمزية لمضمون توجهات عمرو موسى لم تأت بالمصادفة. بكلمات أخرى، فإن عدم تحلي الأمين العام للجامعة العربية بفضيلة الصبر ومتابعة التطورات وتفادي اللجوء إلى الإملاءات الوحيدة الاتجاه قد أدت به إلى تبني موقف يتشابه (إن لم يتطابق) مع مواقف زعماء قوى 14 آذار المقبولة أمريكياً – إسرائيلياً والمرفوضة لبنانياً – عربياً. وهذا الموقف على وجه الخصوص سوف يؤدي إلى التقليل من مبدأ "الحياد المؤسسي" الذي يجب أن تلتزم به الجامعة العربية وأمينها العام، فالقضاء على هذا المبدأ سيحول الجامعة العربية إلى مجرد فصيل في الساحة اللبنانية، كما سيحول أمينها العام إلى "أمين سر" لهذا الفصيل، وبلا شك أيضاً ستؤدي إلى إفقاد الجامعة وأمينها العام صفة الحياد المؤسسي التي هي من أهم وأبرز الأهداف الدبلوماسية التي يسعى محور واشنطن – باريس – تل أبيب لإنجازها، وبعدها لن يستطيع لا عمرو موسى ولا الجامعة العربية الحديث عن دبلوماسية قومية عربية تهدف إلى القيام بالترتيبات الدبلوماسية الوقائية لحل المشاكل والخلافات وحماية الأمن القومي العربي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد