حنا مينة يرثي سهيل إدريس
حنا مينة: إلى سدرة المنتهى رحيلك يا معلم
الذي علّم الإعجاز تحطمت به سفينة العمر على صخرة الموت فحقّ للأجيال أن تبكيه، وأن ترثيه، وأن تفتقده راحلاً على جناح غمامة بيضاء إلى سدرة المنتهى.
لقد مات المعلم، مات الدكتور سهيل إدريس صاحب رواية «الحي اللاتيني» وما تلاها من روايات، ومن عطاءات أدبية نهل منها وتتلمذ عليها جيلنا، نحن الأدباء الذين يعتصر الأسى قلوبهم على فقد هذا الرائد الكبير الكبير، مؤسس مجلة «الآداب»، وباني أعرق دار للأدب في الوطن العربي كله، ليس لأنها دار «الآداب» وحسب، بل لأنها مدرسة تخرجت منها أجيال وأجيال من الأدباء العرب، ومن هؤلاء حنا مينه، الذي تحول المسافات والأمراض بينه وبين وداع هذا المعلم شخصياً، فيكتفي، وهو على هذا البعد، أن يرشق قارورة عطر على جانح نعشه المكفّن بالجلال.
إن الرحيل في عربة الموت، على طريق الأبدية، هو قدرنا جميعاً، فلكل أجل كتاب، ولكل نجمة أفول «وكل أخ مفارقه أخوه، وكل مشعشع فإلى غروب». إلا أن المرض الذي أقعد هذا المعلم طوال أعوام، واحتمله صابراً محتسباً طوال أعوام، قد أوهن جسده، واستلب غاشماً بصره، وبرى لســانه الذي طالما برته الكلمات التي خطّها لنا، وفيها عصارة دماغــه وخلاصــة تجاربه، وفيها دعوته التي تركها لنا وصية لنا، في أن يكون للأدباء اعتــصـام بالعروة الوثقى، ووثوق بقدسية الحرف وإيمان بقدرة الكلمة لتكون لهم وحدة تدفع الغائلة عنهم، وقدرة على فرض حرية التعبير، التي دونها يعتري القلم الشريف شلل قاتل ليس في مصلحة أحد، من حكام ومحكومين، في هذا الوطن العربي الكبير. كما كانت للمعلم الراحل رغبة قلبية في أن يسود السلام والوئام والمحبة ما بين الشقيقين سوريا ولبنان. فيا أيها المعلم الراحل والزميل في أمنيتك المجتلاة من أجل وحدة العرب في كل أقطارهم، لك نقول:
لا نملك إلا ما قاله الجواهــري في رثاء الوطــني العراقي الكبــير جعــفر أو التـمّن: «طالت ولو قصــرت يدُ الأقدار/ لرمت ســواك عـظمتَ من مختار».
نعم طالت يد القدر، ولا رادّ للقدر. طالت فشالت بك إلى عليين وقصرت بنا لأننا تخلفنا في الرّكب عنك، وكنا كما قال حافظ ابراهيم لأحمد شوقي:
«قد كنت أوثر أن تقول رثائي/ يا منصف الموتى من الأحياء».
وحاشى يا معلم، أيها المنصف ونعم المجير، حاشى أن تكون قصّرتَ في إنصاف أحد، وفي أخذنا في طريق الإبداع الذي هو الأغلى والأسمى في دنيانا الفانية هذه. لك رحمة ربك ومرضاته وغفرانه. ولأسرتك المفجوعة بك جمـيل الصبر وصادق العزاء.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد