أزمة الكتاب العربي
في الوقت الذي تشير فيه الدراسات والتقارير الدولية والعربية الى تحسن معدلات السكان العرب الذين يستخدمون شبكة الانترنت العالمية يواجه الكتاب العربي أزمات حقيقية في مستويات النشر والقراءة والترجمة على حد سواء.
وكل الدلائل تشير أنه رغم الارتفاع الكبير في عدد سكان الوطن العربي، إلا أن بلداً مثل هولندا أو البرتغال لا يتعدى سكانها بضعة ملايين، يطبع في كل منها كتب أكاديمية وأدبية وعلمية أكثر مما يطبع في الدول العربية مجتمعة، وبذلك يعتبر الوطن العربي من اقل الاقاليم المنتجة للكتب بصنوفها المختلفة مقارنة بعدد السكان الذي يزيد عن ثلاثمئة مليون نسمة، وتكون الصورة أكثر سوداوية عند الإشارة الى مجموع الكتب المترجمة الى لغات عديدة على مدار العام مقارنة ببعض الدول الأوروبية، ودول أمريكا اللاتينية أيضاً، ومرد عدم تطور طباعة الكتب والنشر والترجمة في الدول العربية عدم إيلاء الحكومات أهمية خاصة لدور الكتاب في نشر الوعي بين أفراد المجتمع والقدرة على رفع الأداء في المستوى الاجتماعي والاقتصادي وبناء الحضارة الإنسانية، لأن دور الدول في الأقاليم النامية ينحصر في بناء الجيش والابقاء على السيطرة المطلقة على مقاليد السلطة لجهة نهب مزيد من خيرات البلاد والعباد، وفي الاتجاه الآخر تراجع أداء دور النشر في الدول العربية منذ مطلع التسعينيات من القرن العشرين، بسبب انخفاض الطلب على الكتاب من قبل أفراد المجتمع، حيث بات الاعتماد الكبير على شبكة الانترنت ومحركات البحث للحصول على أية معلومة في الأدب والسياسة والاقتصاد والعلوم، وذلك على الرغم من صدقية الكتاب الذي يصدر عن دار نشر أو مراكز بحث علمية وفق أصول وأدبيات معينة تؤخذ بعين الاعتبار، في حين تشير الحقائق الى وجود قرصنة كبير ة في المواقع الالكترونية دون الرجوع الى صاحب الدراسة أو الكتاب أو المقالة، كما انه مع تزايد انتشار الفضائيات وتطور أدائها بفعل انسياب مزيد من الأموال إليها، ازداد اهتمام المواطن العربي بالشاشة الصغيرة، وباتت مصدره الملهم في الثقافة والسياسة والاقتصاد والعلوم والرياضة واصبحت الشاشة الصغيرة بمنزلة مصدر المصادر للمواطنين العرب في الشرائح الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، الأمر الذي ادى الى تراجع دور المكتبات وريادة التجمعات والأندية الثقافية التي كانت سائدة في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم في دول عربية عديدة وبات الشح في اقتناء الكتب سيد الموقف بيد ان ذلك لم يمنع من ظهور مثقفين كبار وعلماء في مجالات الكيمياء وغيرها، واستطاعوا الحصول على جوائز دولية قيمة ولها مكانة استثنائية مثل جائزة نوبل للآداب والعلوم.
اذا يمكن التأكيد بأن أزمات مستعصية واجهت الكتاب العربي في ظل ثورة المعلومات والبث الفضائي وانسيابهما بشكل سريع وقد تركزت تلك الازمات في النشر بفعل غياب برامج الدول والموازنات الخاصة للثقافة ونشرها من خلال المساعدة في نشر الكتاب وتوزيعه بأقل الاسعار حتى يصل الى كل مواطن عربي للافادة منه، وقد رافق ذلك تردٍ واضح في عملية الترجمة والتواصل مع دول العالم لإيصال صورة العرب الحقيقية في بناء الحضارة الانسانية، ولتعزيز هذه الفكرة لابد من وقفة جادة من قبل الدول العربية لدعم مراكز البحث من أجل عمل حقيقي لنشر الثقافة عبر تشجيع طباعة الكتاب ونشره حيث لايزال خير جليس في الانام، ومدخلاً مهماً في المساهمة في صناعة الحضارة البشرية.
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد