المركز التقني العلمي للإعاقة ينصب على المعوقين بعشرات الملايين
تعلمنا في موروثنا الاجتماعي والثقافي والديني أن نحسن للمحتاجين ونرعى المعوقين, وقد شهدت السنوات الأخيرة العديد من القرارات والأعمال والتسهيلات الخاصة بالمعوقين, كما شهدت افتتاح الكثير من الجمعيات والمراكز التي ترعى شؤونهم ولكن للأسف هناك من هذه المراكز من سار عكس التيار واستغل هذه الشريحة أبشع استغلال تحت اسم المساعدة والإحسان ( من أجل غدٍ مشرقٍ).بهذا الشعار الطنان والجميل بدأ المركز التقني العلمي للإعاقة بجذب المعوقين وذويهم إليه من كل المحافظات ومن ثم بدأ ينسج خيوطه لصيد وسرقة هذه الشريحة التي هي بالأساس فقيرة ومظلومة.
كتاب من وزارة الشؤون بتاريخ 25/3/2007 إلى وزارة الداخلية تطلب الإغلاق
كتاب من وزارة الشؤون بتاريخ 25/3/2007 إلى محافظ دمشق تطلب فيه الإغلاق
كتاب وزارة الشؤون رقم خ /3/ 5745 بتاريخ 2/4/2006 توضح فيه أن المركز المذكور لم يستوف الشروط الواردة في قانون المعوقين رقم 34 لعام 2004
والقصة كما رواها لنا بعض الضحايا والجوار ممن شاهد المأساة في عيون الناس وكما أكدها لنا بعض موظفي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل: إن هذا المركز ( المركز التقني العلمي للإعاقة) افتتح منذ عامين في أول كورنيش الميدان, منطقة المنصور, وأعلن في البداية عن عمله في تطوير الأطراف الاصطناعية والبدائل التعويضية وأجهزة الشلل وإعادة تأهيل المعوقين, تدفق أصحاب هذه الحاجات لحل مشكلاتهم الصحية وبدأت تدفع الأموال من أجل شراء الأطراف والأجهزة الصناعية بمبالغ كبيرة وتقدم الجمعية للأهالي والمعوقين ايصالات بهذه المبالغ مع وعود بالانتظار ريثما تصل الأجهزة والأطراف الاصطناعية من تركيا.
ولكن مدير الجمعية المدعو ( هشام السح) ومن معه من كادر للنصب لم يكتفوا بهذا الجزء من الاستغلال, بل أعلنت هذه الجمعية أن هناك أرضاً في منطقة دمر قدمها أحد المحسنين إلى المركز كنوع من المساعدة وهم بدورهم يريدون أن يبنوا مساكن فيها للمعوقين وبأسعار رمزية شريطة أن يدفع المعوق مبلغاً قدره 250 ألف ليرة سورية دفعة أولى للتسجيل ثم يدفع أقساطاً شهرية بقيمة 2000 ل.س كل بداية شهر على رقم حساب خاص بالجمعية في أحد البنوك وأن مجمل سعر الشقة 800 ألف ليرة سورية والتسليم في عام 2008 الشهر الأخير من هذا العام. من الواضح أن العرض مغر جداً والقصة محكمة جيداً بخاصة أن رئيس المركز كان يعقد اجتماعات مع أهالي المعوقين المشتركين ويشرح لهم خطة البناء ويسألهم عن نوع البلاط والدهان وألوان الأبواب التي يفضلونها ثم قدم لهم رقم العقار وأوهمهم أن الشقق ستنتهي خلال أيام لمن يرغب في أن يأتي بمشترك جديد, وهكذا حتى حصد مئات المشتركين من المعوقين.
والمعوقون الذين ظنوا أن الحياة فتحت لهم أبوابها, لم تدم فرحتهم كثيراً, إذ سرعان ما سحب الأمل من قلوبهم, وهم الشريحة التي تحتاج أن نعزز لها الأمل والثقة بالناس والحياة لكنكم ستشعرون بالدهشة والأسى, كما شعرنا نحن عندما سمعنا بتفاصيل هذه المشكلة فقد أغلقت الجمعية أبوابها منذ شهرين وأكثر بعد أن سحبت ملايين الليرات من المعوقين, واختفى الكادر الطبي والإداري الذي يعمل فيها.
القصة ليست قصة هزار وحدها, هذه الفتاة المعوقة التي كان رقمها بين المشتركين ,116 وهذا يعني أن هناك 115 معوقاً دفعوا أيضاً 250000 ل.س رسم اشترك بالجمعية السكنية, أي ما يعادل 29000000 ل.س وبعدها الله أعلم من أعداد قد يصل إلى 400 مشترك حسب ما قاله لنا بعض الجوار القريبين من مبنى الجمعية أي ما يعادل 70 أو 80 مليون ليرة سورية. سمعت والدة هزار بهذا العرض وأرادت أن تضمن مستقبل ابنتها المعوقة وخصوصاً بعد موتها فأسرعت واستدانت مبلغ 200 ألف ليرة سورية وجمعتهم مع الإعانة التي حصلت عليها هزار كمكرمة من السيدة أسماء الأسد وقيمتها 50 ألف ليرة سورية وتوجهت إلى المركز للاشتراك بالجمعية.
رئيس الجمعية (هشام السح) طمأن الأم وقدم لها الايصالات اللازمة وأوهمها أن مستقبل البناء سيكون جيداً, وأن ما يقوم به هو خدمة إنسانية لهؤلاء المعوقين وطلب منها أن تسجل هزار في الكشف الطبي الدوري وهو بقيمة 300 ل.س فقط وبالفعل تمت هذه الأمور بسرعة وعادت الأم مع ابنتها إلى محافظة اللاذقية تنتظر الأمل الذي لم يتحقق.
شكاوى عديدة تحكي نفس القصة جاءت إلى جريدة الثورة بعد أن أغلقت الأبواب في وجههم, وحكايات كثيرة سمعناها من أصحاب المحال الذين بجوار مبنى الجمعية, هناك أشخاص ومرضى ومعوقون من محافظات بعيدة (الحسكة والقامشلي) دفعوا أموالاً ومبالغ تفوق ال 400 ألف سعراً لأطراف صناعية وآخرون دفعوا مبالغ من أجل الجمعية السكنية وآخرون دفعوا للمعاينات الطبية والعلاج الفيزيائي... وكل ذلك بدأ مع بداية عام 2007 ولكن مع نهاية الشهر الرابع من عام 2008 اختفى أعضاء المركز والكادر بأكمله واختفت معهم جميع هذه الأموال, وبعد أن ذاب الثلج وبانت الخيبة والمصيبة لهؤلاء المعوقين الذين حصدوا مزيداً من الفقر والديون والسفر والترقب والوقوف أمام أبواب المركز المغلقة توجه هؤلاء إلى وزارة الشؤون الاجتماعية للبحث عن حقوقهم الضائعة, بعض الموظفين قالوا لهم: إن صاحب هذا المركز نصاب وقد أغلقنا الجمعية ثلاث مرات قبل الآن, لكن يعود ويفتحها, وفي دائرة المعوقين في الوزارة قالوا لهم: اكتبوا شكوى ونحن نجمع هذه الشكاوى لدينا ثم نرسلها إلى وزارة الداخلية للحكم فيها.
وهناك من نصح بوضع محام شاطر,وإلا فلن يحصلوا على أموالهم أبداً.
الأسلوب الذي اتبعته هذه المجموعة في الاحتيال لم يعطِ مجالاً للشك فهي تبدو قديمة, وفيها مدير مركز, وسكرتيرة, وموظفون وأقسام مختلفة وقدمت دفاتر خاصة بأسماء المعوقين المسجلين لديها, كما قدمت ايصالات بالمبالغ, وقدمت رقم العقار, وأْعطت اسم الأرض التي سيبنى عليها المشروع السكني والذي اتضح فيما بعد أنها بالفعل أرض مخصصة للمعوقين ولكن لبناء معهد للإعاقة, ولا يمت بأي صلة لهذه الجمعية.
ومع أننا لا نعلم لماذا رئيس المركز كشف أوراقه قبل متابعة عملية النصب والحصول على الأقساط الأخرى ولكن كان واضحاً من خلال الأوراق والثبوتيات المقدمة للمعوقين, وبعد التدقيق فيها أننا أمام أشخاص ضعاف النفوس محترفين في النصب وربما هناك أشخاص آخرون مشتركون معهم في هذه اللعبة الفاسدة.
مثلاً جميع الأوراق عليها ختم يدل على شعار للجمعية لكنه غير واضح ولا يحمل أي دليل على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أو شركة الاسكان, المعوق يضع اسمه وتوقيعه, لكن أعضاء الجمعية اكتفوا بوضع التواقيع التي قد تكون مزورة, لا توجد أختام على هذه الأوراق لا من قريب ولا من بعيد.
ومن أجل أن تحصل على مزيد من الثقة وضعت في البنود الخاصة بأهداف المشروع: أنه إذا تأخر المشترك عن تسديد ثلاثة اشتراكات شهرية في سنة مالية واحدة سيتم فصله, وكذلك إذا تأخر عن تسديد الدفعات النقدية الإلزامية المقررة.
والذي زاد الطين بلة... أن هذا المركز استطاع بطرقه الملتوية وبأساليبه غير القانونية نصب الشباك لعدد كبير من المشتركين والذين هم من المعوقين وأهاليهم, وما وجود تلك اللوحة الكبيرة (الآرمة) التي عرضها متر ونصف وطولها ثلاثة أمتار على طريق كورنيش الميدان إلا دليل على قدرته على النصب والاحتيال, فهي تحمل اسمه إضافة للاعلانات ووجود عدد من الموظفين في المركز وسكرتير ودفاتر اشتراك للمعوقين.
صاحب الصيدلية المجاورة قال: إنه تحدث مع صاحب المركز أكثر من مرة بحكم أنه كان يأتي لشراء الأدوية ومن خلال الحديث فهم منه أن لديه فرعاً آخر في حمص, وأنه منذ عامين افتتح المركز في دمشق, وباعتباره خريج تعويضات وأجهزة طبية يسافر إلى تركيا كل عدة شهور لشراء الأجهزة والكراسي الخاصة بالمعوقين ولكن بعد اغلاق الجمعية والكلام لصاحب الصيدلية بدأ الناس يترددون إلى الصيدلية للسؤال عن المركز, ونحن لا نعلم الكثير عن المركز لأننا لا نعلم أين هو ولا حتى باقي الموظفين والعاملين.
- أما سكان البناية اكدوا لنا أنه منذ شهرين وأكثر والمركز مغلق وقبل ذلك كان يفتح المركز أبوابه بشكل متقطع والدوام فيه لم يكن مستمراً.
- أما آراء الجوار والمحال وأصحاب المكتبات فالتقت واتفقت على نقطة واحدة بأن صاحب المركز (نصب على الناس وأخذ أموالهم).
- أحدهم قال: كان يوجد عدد لا بأس من الموظفين إلا أنهم اختفوا فجأة ولا نعلم عنهم شيئاً سوى السكرتير ويدعى (حمزة) ظهر عدة مرات واختفى بدوره, ومنذ إغلاق المركز حتى الآن راجع محلي (أكثر من 50) شخصاً للسؤال عن المركز بحكم قربي منه وهم من مختلف المحافظات وعرفت منهم أنهم لم يشكّوا يوماً بأعمال هذا المركز, لأنه كان يعقد اجتماعات للمشتركين في جمعية السكن بحجة مناقشتهم بكل ما يتعلق بأمور السكن لدرجة أنهم كانوا يأخذون رأيهم في شكل الأخشاب وألوانها لاستخدامها كأبواب ونوافذ, وغيرها من الأمور التي تجعلهم يشعرون بثقة أكثر.
ويضيف السيد (ل.ن) أنه علم من رجل عجوز تكبد مشقة السفر من الحسكة عدة مرات وأنه دفع 400 ألف مقابل تأمين أطراف صناعية لابنته المعوقة, وعندما طالبهم بالفواتير أعطوه موعداً في الأسبوع التالي وعاد في الموعد المحدد ولم يجد أحداً.
عن وضع هذا المركز والاجراءات التي اتخذتها في حقه وما مصير المتضرريين الذين وقعت عليهم الإساءة? أجابنا الاستاذ عماد العز - مدير الخدمات في وزارة الشؤون الاجتماعية- قائلاً: إن الوزارة لم ترخص لهذا المركز وإنما مارس أعماله مخالفاً للقوانين و الأنظمة النافذة في سورية وعندما علمنا أنه يتقاضى من المعوقين مبالغ بحجة تأمين سكن لهم, تم توجيه كتاب إلى السيد محافظ دمشق بتاريخ 25/3/2007 والذي صدر برقم 2149من أجل إغلاق المركز المذكور,لأنه يمارس المهنة من دون ترخيص ويجمع التبرعات بطريقة مخالفة للقانون ولعدم ممارسته أي أعمال خاصة بالمعوقين.
كما تم توجيه كتاب إلى السيد وزير الداخلية برقم خ/3/2161 بتاريخ 25/3/2007 نطلب فيه الاطلاع والتقصي حول هذا المركز للوقوف على أعماله المخالفة للقانون مرفقين فيه صوراً عن شكاوى لإحدى المعوقات عن المركز أنه أخذ مبلغ 2500000 ل.س لقاء الاشتراك على سكن خاص بالمعوقين.
ووجهت الوزارة أيضاً كتاباً آخر إلى السيد وزير الداخلية برقم 2153 بتاريخ 25/3/2007 من أجل إغلاق المركز ولنفس الأسباب مشيرين فيه إلى قرار الإغلاق رقم 11899 بتاريخ 20/11/2006 الذي تم من قبل المحافظة وقرار الطي رقم 12644 بتاريخ 21/12/2006 الذي تم من قبل المحافظة أيضاً.
علماً أنه بتاريخ 13/12/2006 تم الكشف من قبل المحافظة على المركز ولم يتبين وجود أي آلات صناعية, وتبين أن المركز مستخدم كمكتب فقط ولا يخضع للترخيص الإداري حالياً ولديه فقط ترخيص من وزارة الصناعة ولكن هذا الترخيص لا يعفيه من الحصول على الرخص اللازمة من الوزارات المعنية وفقاً للأنظمة الخاصة بها.
ويضيف أ. العز: كان من المفترض إغلاق المركز من قبل الجهات المعنية, ونحن بدورنا وجهنا الكتب إليها وقبلنا كل الشكاوى التي وردت إلينا حول هذا الموضوع ونحاول معرفة مدى الإساءة التي ارتكبها هذا المركز ولاسيما بعد تاريخ 25/3/,2007 حاولنا توجيه كل المراجعين بعدم التعامل معه لأنه غير مرخص وغير نظامي وأنه يقوم بأعمال غير قانونية, ولكن البعض قبل هذا التاريخ كانت علاقتهم مباشرة مع المركز ولم يلجؤوا إلينا وهنا لابد من توجه كل المتضررين إلى القضاء ورفع دعاوى . قضائية ليتمكنوا من الحصول على حقوقهم.
ميساء الجردي- براء الأحمد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد