«محارم» محمد ملص يستشف خوف الطفولة
انتهى السينمائي السوري محمد ملص من تصوير فيلمه الروائي القصير «محارم»، ليدخل هذا العمل عمليات المونتاج، والمكساج... على أن يكون جاهزاً للعرض في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
الفيلم يأتي ضمن مشروع تشرف عليه وتموله قناة «الجزيرة للأطفال»، وهي، بالمناسبة، قناة لا علاقة لها - كما يقول ملص -بمحطة «الجزيرة» المعروفة، وشقيقاتها: الرياضية، والوثائقية، والانكليزية... سوى بالاسم. ويتمثل هذا المشروع الطموح في تكليف سبعة مخرجين عرب إنجاز سبعة أفلام بموازنة محددة، ومتساوية بمعزل عن السيناريو وبلد المخرج، وتتناول عالم الطفولة في بلدان المخرجين المشاركين. والمخرجون هم، فضلاً عن ملص: برهان علوية من لبنان، وأحمد الراشدي من الجزائر، وأسيدور مسلّم من فلسطين، ونوري بو زيد من تونس، ومحمد بن إسماعيل من المغرب، وأسامة فوزي من مصر.
ويروي محمد ملص تفاصيل هذه التجربة، فيقول: «الحكاية الجذابة في هذا المشروع، هي أنني في اللقاء مع إدارة الأفلام والبرمجة في قناة «الجزيرة أطفال»، وخلال عرضها للاقتراح شعرت أن السينما هي المشروع الأكبر المخبأ خلفه، فالجهات التي تقف خلف الفكرة قد تفكر، حقاً، بالدخول إلى عالم الإنتاج السينمائي ضمن توجه محدد، اعني تسليط الضوء على عالم الطفولة والصبا».
ويضيف ملص ان «جوهر المشروع يقوم على تحقيق سبعة أفلام روائية قصيرة تصور بكاميرا ديجيتال، ومن ثم تحول إلى سينما 35 ملم، ينفذها سبعة مخرجين عرب، حيث يتحدث كل منهم، في مشروعه، عن عالم الطفولة في بلده.
وعن قصة «محارم» يقول ملص ان «مشروعه يتحدث عن الخوف، وأثره في انكسار الحب». ويستدرك قائلاً: «ليست هذه كلمات كبيرة فحسب. لكن انطلاقاً من وعيي بمجتمعي، ومعرفتي بتفاصيله في المرحلة المعاصرة، شكل الخوف ملمحاً رئيساً، إذ يستقر في قلوب الناس، وهو ذو بعد غامض، وواسع، ومتعدد الجوانب، وهو ليس خوفاً اقتصادياً فحسب، ولا سياسياً أو اجتماعياً، وإنما هو خوف مقيم، هاجع في أعماق الناس. فالخوف وانكسار الحب والصداقة التي تنشأ بين صبي وفتاة في الحادية عشرة، هي قوام فيلمي الجديد».
وعلى خلفية هذا الخط الدرامي، فإن ملص يستثمر حكاية فيلمه لينبه إلى قضية الجولان المحتل، وما افرزه هذا الاحتلال من تداعيات نفسية على أولئك الذين نزحوا من قراهم واستقروا في دمشق. ويقول: «الجولان لا يختفي في هذا الفيلم، فالصبي - بطل الفيلم ينتمي الى أسرة كانت قد نزحت من الجولان إثر احتلاله حين كان الأب صبياً صغيراً، ولذلك دور في تأسيس الخوف والبحث عن جذوره وأنا أرى هؤلاء النازحين الذين يسكنون دمشق، كأنهم معلقون في الهواء بلا جذور».
ويتحدث الفيلم أيضاً عن رسام «يعتبر مشاغباً، ويستحق العقاب على شغبه، وشغبه هو الرسم».
ويشيد ملص بإدارة «الجزيرة للأطفال» التي تعتبر جزءاً مما يسمى بـ «المدينة التعليمية» في قطر. ويعرب عن تفاؤله في أن هذا المشروع قد يعتبر نوعاً من الاهتمام القطري بالسينما، وسعي هذه الدولة إلى المساهمة في النهوض بالوضع السينمائي العربي المتردي، ولعل تجربة التعامل مع المخرجين السبعة هي تجربة أولى للمستقبل.
وعن موقفه المتشدد من التلفزيون، يقول: «أنا لا أحارب التلفزيون، ولكنني أرفض العمل فيه. هناك، في رأيي، مخرجون دراميون حققوا درجة عالية من التميز، واستطاعوا أن يحركوا المستنقع الدرامي الآسن، وأقصد، مثلاً، المخرج التونسي شوقي الماجري، وكذلك حاتم علي، وباسل الخطيب... لذلك أنا لا أحارب العمل في التلفزيون لكنني ما زلت أجد نفسي متمسكاً بالسينما التي تكاد أن تفلت من يد الجميع في سورية. يكفي أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة...».
ويتابع ملص في السياق ذاته: «ليست المشكلة في معاداة السينمائي للتلفزيون، ولكن المشكلة في أن الدراما التلفزيونية بدأت تصنع شروط عمل، ووضعاً خاصاً بالتقنيين والفنيين والممثلين... وهذا يؤثر سلباً في السينما، وفي شروط إنتاجها. لم يعد في وسع المخرج السينمائي، مثلاً، أن يفرض رأيه، على ممثل درامي من الدرجة العاشرة حقق شهرة وهمية من خلال التلفزيون».
ولا يرفض ملص العمل في التلفزيون، ولكن ضمن الشروط الإنتاجية التي يحددها، «فأنا لدي مشاريع مسلسلات درامية مستمدة من أعمال روائية مهمة، غير أن تنفيذ ذلك يحتاج إلى منتج شجاع ومحترم، وشريف، ويصعب العثور على منتج يتمتع بهذه الصفات».
ويختتم ملص كلامه قائلاً: «من السذاجة أن نخاصم أداة هي المهيمنة على عقول ووقت الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج، في وقت نجد أن السينما ذات حضور هامشي، فالتلفزيون بات وسيلة لدعم الإنتاج السينمائي وعرضه، ولكن هذا غير متحقق اليوم، فالفضائيات تقتصر في عرضها على الفيلم المصري، وثمة أفلام مهمة من بلدان عربية أخرى لا تحظى بالاهتمام ذاته».
إبراهيم حاج عبدي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد