استشفاف الغيب فك السحر والمربوط جلب الرزق وكتابة الحجاب
فك السحر والمربوط , جلب الغائب , كشف الأسرار , استشفاف الغيب , واستطلاع المستقبل وما سيحدث فيه من أخبار ومفاجآت، قراءة الكف وفنجان القهوة وما يتركه جفاف البن من أشكال وخطوط يستطيع الإنسان ـ باعتقاده ـ أن يحدد مصيره وتطلعاته من خلال هذه الأشكال والخطوط . كل هذه الخرافات والخزعبلات و(الزعبرات) ما تزال تسيطر على مجتمعنا أو الأغلبية منه .
ويبدو أن نشر القنوات الفضائية المتخصصة في تقديم مثل هذا النوع من البرامج قد أصبح شائعاً وبدأت تظهر اليوم في محطاتنا وفضائنا التلفزيوني برامج عديدة تروج للسحر والشعوذة مستخدمة في ذلك مجموعة من الأشخاص ممن يملكون فن الحديث والتخاطب والتلاعب بعواطف ومشاعر الناس البسطاء الذين لا يعتمدون على عقلهم في تسيير شؤونهم وأفعالهم بقدر اعتمادهم على عاطفتهم حيث يصدقون كل ما يقال لهم من أساليب الكذب والخداع والتضليل .
استضافة
تعمد بعض المحطات التي تقدم مثل هذا النوع من البرامج إلى استضافة مجموعة من الدجاليين والمشعوذين على الهواء مباشرةً الذين لا يتوانون عن خداع الناس بشتى الوسائل تارةً من خلال قراءة الفنجان عن بعد وتارةً أخرى عبر استخدام الأسماء أو الأرقام وصولاً إلى ما يسمى بكتابة الحجاب لفك السحر أو جلب الرزق أو فتح الطريق للزواج أو إعادة الحب للزوجين .
وعلى إحدى هذه المحطات يقوم شاب غريب المظهر يلبس في عنقه سلسلة ذهبية ويصفف شعره بطريقة غريبة بتقديم هذا النوع من البرامج حيث يستضيف امرأة عجوز تبدو أشبه بالساحرات، يقول مقدم البرنامج لإحدى المتصلات ركزي مع أم وائل واستمعي إليها جيداً , تضع أم وائل دورق من الماء على يمينها , تقول المتصلة الله يخليكي يا أم وائل شوفيلي حل أنا عندي صداع مستمر وعايزة أعرف إذا كان حد عمللي عمل أو حاسدني . تجيب أم وائل خير بإذن الله وإنشاء الله , تضع كفها فوق الدورق وتتمتم بشفتيها وتقرأ كلاماً كتب على سطح الماء ـ كما تدعي ـ ثم تبدأ بوضع العلاج العجيب : حتجيبي نعناع أخضر وتدقيه وتلفيه بشاشة وتربطيه على رأسك وتقرأي بسم الله الرحمن الرحيم ( مرة ) آية الكرسي ( مرة ) سورة الضحى ( مرة ) اسكن أيها الصداع اسكن أيها الألم 7 مرات بعدها سيذهب الصداع وتكتبي هذا في ورقة وتشليها معاكي وسوف تتزوجين بعد شهرين بإذن الله وإنشاء الله ألف ألف مبروك جوازك وألف ألف مبروك شفائك من الصداع .
وفي مشهد آخر تجيب هذه المشعوذة عن سؤال لمتصلة أخرى تريد أن تجلب الرزق لأخيها تكرر المشعوذه مشهد الماء والقراءة ثم تتمتم وتقول بإذن الله وإن شاء الله إنتي معمولك عمل أنتي وأخوكي بإذن الله وربنا على الظالم والمفتري يمهل ولا يهمل هاتي من عند العطار عين ديك ونخاع خروف وحبة البركة وبذر البقلة وتحطيهم على البخور إللي عندك وعين الديك هذه توضع بعدد حروف إسمك وعدد حروف اسم أمك وتبخريها وتقولي يارب أبعد شياطين الانس والجن من هذا المكان بحق لا إله إلا الله محمد رسول الله وتقولي ذلك 7 مرات بإيمان صادق عرفتِ علي بإيمان صادق .
هذا نموذجان مما تقدمه إحدى المحطات الفضائية حيث تعيدنا إلى عصور خلت من الجهل والظلام والتخلف مستخدمين الدين ستاراً لهم لإقناع المتصلين وإعطاء تصرفاتهم الشرعية الدينية من خلال التمتمة ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية واستغلال الشخصيات المرضية القابلة للإيحاء وتوجيهها بشكل بخدم المحطة وشركات الاتصالات لتحقيق الربح المادي دون الاكتراث بالآثار الاجتماعية المترتبة على هذه النصائح الشيطانية , وبذلك نرى مشعوذاً آخر وعلى محطة أخرى يسمي للمتصل أن هناك فتاة اسمها كذا تكيد له وهي من أحد أقاربه , ويقول لإحدى المتصلات أن زوجك مشغول الآن بزواج من فتاة جديدة وهي خارج بلاده . ومن هنا نرى أنهم يعتمدون على تقارب وتشابه الطبائع البشرية والإنسانية , فجميع النساء يعانين من نساء حسودات وغيورات على اختلاف درجة وعيهن وثقافتهن ويأتي المنجم ليقول لإحداهن أن هناك من يكرهك ويحسدك ويضمر الشر لكِ من النساء المتواجدات حولك وتأتي المتصلة بدورها لتستمع لنصائح هؤلاء الدجالين وتعمل بها لعدم قدرتها على تحليل الوقائع وجهلها وقلة معرفتها بالهدف الذي يكمن وراءه بث هذه البرامج وبأن رأس مال هذه المحطات هو من اتصالات المغفلين أمثالها .
الوتر الحساس
المتتبع لهذه المحطات وهذا النوع من البرامج التي تقدمها يجد أن النسبة الأكبر من المتصلين والمكالمات الهاتفية التي تنهال على هذه البرامج هي من النساء , ونجد الكثيرات وللأسف يكتبن تعليقات يردن من خلالها إيميل هذا المشعوذ أو غيره أو رقم تلفونه أو حتى عنوانه وتعمد المحطة التي تستخدم هؤلاء الدجالين بالضرب على الوتر الحساس لكثير من الناس الضعفاء والجهلاء الذين يعجزون عن حل مشاكلهم بطرق علمية ويعتبرون أن الاتصال بهؤلاء الدجاليين هو الملاذ الآمن والأمل الأخير وضالتهم المنشودة للتخلص من كافة الضغوطات النفسية والمشاكل التي يتعرضون لها . ويزداد هذا الجانب عند المرأة لكثرة ما تعانيه من ظلم وقهر واستخفاف وقلة وعي وثقافة في مجتمعاتنا العربية والتي تتفاوت درجة نظرتها للمرأة بين منطقة وأخرى .فالمرأة في المجتمعات المنغلقة والتي لا يسمح لها بالخروج وتتعرض للكثير من الضغوطات في ظل عدم قدرتها على التعبير والفضفضة تضطر أكثر من غيرها من النساء اللواتي يتواجدن في مجتمعات أكثر انفتاحاً للجوء إلى هؤلاء المنجمين الدجالين والذين يستغلون ضعفها واستسلامها وابتزازها مادياً ومعنوياً .
الشعوذة والاكتئاب
يلجأ الكثير ممن يعانون من مشاكل جمة وضغوطات نفسية كثيرة إلى أدعياء علم الغيب والمنجمين والمشعوذين لعلهم يجدون حلاً لهذه المشاكل والضغوطات التي يواجهونها وهذا ما يحذر منه أطباء علم النفس والأعصاب فاللجوء إلى هؤلاء يزيد الطين بله ويعرض الكثيرون لمشاكل هم بغنى عنها وبناءً على هذا نراهم ينصحون دائماً بالابتعاد عن الممارسات الشائعة غير الطبية مثل ( السحر والشعوذة ) في التعامل مع الأمراض والحالات النفسية سواء أكانت عضوية أو نفسية .
الدكتور إياد عدوان أخصائي بالأمراض النفسية والعصبية قال أدعو كل شخصٍ لديه معاناة نفسية أن يراجع الطبيب المختص فالاكتئاب هو حالة مرضية ناتجة عن حدوث مبالغة في ارتكاس الأسى العادي لدى الناس حيث تسود مشاعر الإحباط واليأس ويتراجع العمل بالنسبة لهم وتنشب الخلافات الأسرية والعائلية وتكثر حوادث المرور وترتفع نسبة الطلاق وتناول الكحول والمخدرات ويتحول الإنسان من فعّال منتج إلى إنسان محبط وعاجز عن التعامل مع المحيط والمشاكل وأمور الحياة التي يواجهها . ومن المعروف أن الجسد والنفس وحدة متكاملة لا يمكن فصلها عن بعض إلا للدراسة والتدريس ومن المعروف أيضاً أن الحالة العضوية تؤدي إلى مشاكل نفسية والحالة النفسية تؤدي إلى حالات عضوية وتشمل ( حالات الشقيقة والصداع التوتري الدائم متلازمة القولون المتهيج والقرحة المعدية وحتى الربو والاكزيما وحالياً يقال أن الحالة النفسية السيئة والشدة ( الكرب ) المستمرة تؤدي إلى زيادة احتمال حدوث السرطانات والاحتشاءات القلبية الدماغية .وهناك كثير من المرضى لا يلتزمون بالأدوية الموصوفة لهم ويلجأ الكثير منهم إلى إيقاف الدواء لاعتقادهم بأن هذه الأدوية يمكن أن تكون مخدرة ومهدئة وقد تؤدي بالنهاية إلى الإدمان وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة العلمية لذا يجب الاستمرار بالعلاج دون الخوف من التعود والإدمان على هذه الأدوية وبعدها يمكن للمريض أن يقطع العلاج تدريجياً ليعود إلى حياته العادية السابقة .
تقاليد صارمة
تساهم المجتمعات المنغلقة والتي تسودها مجموعة من العادات والتقاليد الصارمة في انطوائية وعزلة الكثير من أفرادها بسبب صعوبة التعبير عن ذواتهم وأفكارهم ومشاعرهم ووووو ألخ .وفي العيادات النفسية ينصح الأطباء الأفراد الذين يعانون من العزلة والانطوائية بالخروج إلى الحياة ومزاولة أي نشاط اجتماعي أو رياضي أو ثقافي ....... إلخ فالدكتور عمر حيدر اختصاصي طب نفسي ينصح المصابين بمحاولة مواجهة هذه الضغوط وإخراج الطاقة بوسيلة مشروعة مثل ممارسة الرياضة لأنها تزيد من حركة الأمعاء وتقلل كمية الدهون من الجسم وترفع كفاءة الجهاز المناعي كما أن الحركة تزيد من مورفينات الجسم الداخلية وتؤثر إيجابياً على إفراز الهرمونات وحتى لا نبالغ في فوائد الحركة سواء عن طريق الرياضة أو الرقص فأن المطلوب أن يمارسها المريض تحت إشراف طبي .
وأضاف : إذا كانت الدعوة الجديدة للتخلص من الاكتئاب بالرقص والإندماج في الزحام مع الآخرين فأن هذا العلاج يجب أن لا يتم على حساب المزاج النفسي للإنسان . فالمريضة بالاكتئاب النفسي لا يمكن أن نجبرها على الرقص وسط الآخرين حتى تشفى بل أن هذا الطلب قد يعقد مشكلتها فترى أن العلاج يدفعها لارتكاب محرمات ومعاصي لا تريد ارتكابها . فشخصية الإنسان هي خليط من جميع الأنماط ولكن يغلب عليها اتجاه معين ولذلك عندما يدعو البعض لإخراج الطاقة عن طريق الحركة سواء بالرقص أو الرياضة فأنهم يفترضون أن المريض ينتمي إلى نوع الشخصية الانطوائية التي تحتاج إلى مشاركة آخرين والتغلب على الخجل والانعزال . ولكن ماذا نفعل مع شخصية ذات نمط انفصامي هل ننصحها بالذهاب إلى حفلات الرقص ؟ في الواقع نحن بذلك نكون قد وجهناها إلى الطريق الخطأ فإذا كان كسر رتابة ونمطية الحياة اليومية يؤثر بشكل سلبي على الشخصية الانعزالية فإنه قد يساعد الشخصية الهستيرية على الانضباط وفي كل الأحوال فإن النظريات والأبحاث الآتية من الغرب تتعامل مع نماذج بشرية مختلفة عن النموذج العربي فشخصية الإنسان تتكون من عاملين رئيسيين عامل وراثي تتحكم فيه الجينات الوراثية التي تنتقل من الأب والأم وعامل مكتسب من البيئة التي تعيش فيها الشخصية . وفي أوروبا عندما ينصحون الشباب بالذهاب إلى الديسكو فأنهم يطلبون أشياء عادية وتحدث بالفعل لأنها متاحة للجميع , والمجتمع لا يرى عيباً في ذهاب الفتاة إلى صالة الديسكو أما عندنا فإن الشرع والتقاليد يرفضان ذلك تماماً . وبالتالي فإن الطبيب لن يصفَ علاجاً لمريض يصعب أن يجده متاحاً وإلا فإنه سيتحول إلى مخادع وليس طبيب .
أهل الدين
يرى علماء الدين أن مبدأ قراءة الفنجان والأبراج وجميع وسائل الشعوذة على الفضائيات وغيرها هو بعد عن الأخذ بالمصادر الأصلية للشريعة الإسلامية وهو لا يحترم العقل , والمعروف أن الإسلام أقر باحترام العقل والعلم , ومشاهدة مثل هذه القنوات والبرامج فيها عبث بالعقل واهدار للوقت وهذا الوقت سوف يحاسب الإنسان عليه أمام ربه في ما ضيعه وهذا يخالف التوجيه الإسلامي .
ويعتبر علماء الدين أن العقول البشرية قد تعرضت لعمليات وأد واغتيال خطيرة عبر حقب طويلة عبر خناجر الوهم والخرافة وألغام الدجل والشعوذة وهي أعتى طعنة تسدد في خاصرة الإنسان العقلية وقواه الفكرية والمعنوية فبعثة الرسول هي تحرير للإنسان من الجهل والباطل والشعوذة وذهول أهل التوحيد يزداد حينما تجد هذه الأوهام رواجاً لدى كثير من العامة مما ينساقون وراء الشائعات ويستسلمون للأباطيل والأحلام مما يؤكد أهمية حماية الجانب الديني والإيماني فالإيمان بالعقيدة والقرآن والسنة هو سلاح المسلم الوحيد الفعّال الذي يجابه به الشرور والآثام والإفساد في الأرض وليس في اللجوء إلى التنجيم والشعوذة التي انتشرت على الفضائيات وأصبحت منتشرة ومتداولة بين الناس .
رأي
ليس غريباً أن تقوم المحطات الخاصة بتقديم هذا نوع من البرامج لاستفزاز شريحة كبيرة مما تقدمه من برامج سطحية وتافه بغرض الربح المادي وخصوصاً إذا علمنا أنه يكمن وراء هذه المحطات أناس لا يحملون أي مشروع فكري أو ثقافي أو معرفي وكما قال أحدهم : " أما طلاب الطب الفاشلون وأصحاب المكياج الفاشلون فقد أوجدوا لهم محطات فضائية حولوها إلى عيادة طبية فضائية وأصحاب الأمراض النفسية عملوا على إيجاد محطات لقراءة الكف والوجه والقدم وممارسة الشعوذة والسحر . "
ولكن الغريب والمستغرب أن يقوم الإعلام الرسمي بتخصيص ساعات من بثه لقراءة الأبراج والفلك واستطلاع المستقبل ويقوم بالوقت نفسه بمحاربة هذا النوع من النمطية في التفكير .
فوسائل الإعلام هي المسؤولة الوحيدة لمعالجة هذه الآفة الخطيرة والتي تؤثر سلباً على أفراد مجتمعنا , فالترويج للسحر والشعوذة لا يقل خطراً عن الترويج للقوادة والدعارة والفساد والجريمة والسرقة والرشوة والمخدرات . ويحضرني هنا تمثيلية تابعتها منذ فترةٍ تطرقت لهذا الموضوع وعالجته بكثير من الإقناع وبينت مدى أهمية الفن ووسائل الإعلام في الحد من انتشار هذه الظاهرة التي تستند على الأكاذيب والدجل بالإضافة إلى الضغط واليأس الشديدين الذ يعاني منهما الإنسان العربي ومفادها :
أن مشعوذة أو بصارة قد قامت بضرب المندل لشخص ما وذكرت له ثلاثة أشياء ستحدث معه في المستقبل الأول : أنه سيربح مبلغاً من المال والثاني : سوف يتحسن مركزه في عمله أما الأمر الثالث : فقد حذرته من قيادة السيارة لأنه سيتعرض لحادثٍ . وبعد فترة من الزمن ربح مبلغاً من المال وتحسن مركزه في عمله , عندها أصيب بحالة نفسية سيئة أبعدته عن قيادة السيارة خوفاً من وقوع الحادث التي تنبأت به البصارة بحدوثه , وبقي هكذا إلى أن أصيب ابنه بحادث , عندها ركب سيارته وقادها بطريقة لا شعورية لإنقاذ ابنه , وفي المستشفى تنبه إلى أنه قاد سيارته ولم يتعرض إلى أي حادث أو أي أذى . وعندما رجع إلى بيته وجد البصارة نفسها تقول لشخص أمامها سوف تربح مبلغ من المال وسوف يتحسن مركزك في عملك ولكن إياك وقيادة السيارة , عندها اكتشف أن هذا الكلام تتاجر به البصارة وتبيعه لكل من تراه وتنجم له ولكن وبدافع الصدفة , والصدفة فقط فقد حدثت هذه الأشياء معه .
فريال أبو فخر
بورصات وأسواق
إضافة تعليق جديد