دروس حرب العراق في الحرب الإستراتيجية الإسرائيلية

24-07-2006

دروس حرب العراق في الحرب الإستراتيجية الإسرائيلية

بعد حوالي الأسبوعين على بدء الحرب الأخيرة في لبنان بدأت معالم الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية والأهداف الاستراتيجية الأميركية تتضح، ولو أن الصورة الأخيرة ستبقى رهن النتائج التي ستسفر عنها هذه المواجهات والتي لا تزال مرجحة للتطور والانتشار في أرجاء أخرى من الشرق الأوسط. الأهداف المعلنة من الجانب الاسرائيلي - الأميركي والتي تبنتها بشكل مباشر أو غير مباشر الدول الثماني الكبرى هي انهاء دور حزب الله العسكري وسحب لبنان كورقة مساومة من ساحة المواجهة المتصاعدة على المستويات كافة بين واشنطن وحلفائها من جهة، وايران وسورية من جهة أخرى.

يلاحظ المراقبون تغييراً من الجانب الاسرائيلي على صعيد التكتيكات العسكرية. وعزت صحيفة «ديفنس نيوز» العسكرية ذلك الى ازدياد «الثقة المفرطة» للجيش الاسرائيلي في التكنولوجيا. ونقلت المجلة الدولية عن خبراء اسرائيليين أن هذه الثقة «الزائدة عن حدها في التكنولوجيا قد أثرت على مستوى أداء الجندي الاسرائيلي... وساهم هذا الوضع الى حد كبير في ازدياد نجاحات حماس وحزب الله في هجماتهما النوعية خلف خطوط الاسرائيليين وخطفهما للجنود الثلاثة». وتكرر الاخفاق الاسرائيلي لاحقا عندما فشل نظام الدفاع الصاروخي المتطور على متن الفرقاطة «ساعر-5»، وهو من طراز «باراك» وتنتجه اسرائيل، في رصد وتدمير الصاروخ المضاد للسفن الذي أطلقه مقاتلو «حزب الله». وكانت اسرائيل أعلنت أن الصاروخ الذي أعطب الفرقاطة صيني من طراز «سي-802» تنتجه المصانع الايرانية بترخيص من بكين.

ويربط المحللون بين تغير الاستراتيجية الأميركية والاسرائيلية بسبب اعتماد الطرفين على نوعية موحدة للأسلحة وعقيدة عسكرية متشابهة الى حد بعيد. ويتوقع بعض المحللين أن تلجأ اسرائيل لاستراتيجية عسكرية مشابهة لتلك التي استخدمتها القوات الأميركية في اجتياح العراق والتي تقوم على الأمور التالية:

1- اعتماد تكتيك الهجوم البري - الجوي المتناسق والسريع.

2- كثافة نيران هائلة، خصوصاً من الجو وبواسطة أسلحة ذكية تدمر الأهداف الأساسية من أجل محاصرة الخصم ومنعه من المناورة أو الحركة.

3- اقحام القوات الخاصة منذ اللحظات الأولى للحرب في عمليات نوعية خلف خطوط الخصم.

4- تكثيف القصف الجوي الاستراتيجي طوال فترة المعارك بهدف ضرب خطوط المواصلات والاتصالات كافة، مع زيادة الضغط الشعبي داخل منطقة الخصم لإرباكه.

5- تعزيز ترابط شبكات الاتصال مع أنظمة الانذار المبكر لحرمان الخصم من عنصر المفاجأة والتعامل مع أي هدف فور رؤيته.

6- التقدم السريع عبر عدة محاور والالتفاف على مواقع الخصم بدون الاصطدام بها بشكل مباشر والاكتفاء بمحاصرتها وتدميرها الواحدة تلو الأخرى.

7- اعتماد اسلوب البحث والتدمير في التعامل مع مجموعات الخصم ومخازن أسلحته وذخيرته.

وتظهر نتائج الهجمات الاسرائيلية خلال الأيام الماضية بأنه يجري التمهيد لهجوم شبيه الى حد ما بما شاهدناه في العراق. فالقصف الجوي الاستراتيجي يستمر بتقطيع طرق المواصلات والاتصالات ويدفع بالمدنيين الى النزوح الى خارج مناطق المواجهة، مما سيسهل على اسرائيل شن هجوم جوي - بري سريع يعتمد على كثافة النيران وتكتيك البحث والتدمير في منطقة جغرافية تشمل معظم مناطق جنوب لبنان والبقاع. وكانت العمليات البرية الاسرائيلية في الفترة الأولى من العمليات، خصوصاً في بلدة مارون الراس تستهدف امتحان وسائل «حزب الله» القتالية وقدراته وتكتيكاته. فالجيش الاسرائيلي لم يخض حتى الآن هجوماً برياً كبيراً على مناطق تحت سيطرة الحزب. فما واجهه في الماضي كان عبارة عن هجمات للمقاومة على قواته عندما كانت تحتل جنوب لبنان أو تبادل للقصف المدفعي والصاروخي أو هجمات لـ «حزب الله» عبر الحدود. معارك مارون الراس أعطت القيادة العسكرية الاسرائيلية الفرصة لتقويم قدرات وأساليب «حزب الله» القتالية وهي في حال الدفاع عن أرض لبنان.

وحسب التقارير التي توافرت حتى الآن فإن مقاتلي الحزب أظهروا بسالة وبراعة كبيرتين في المعارك مع الجيش الاسرائيلي. فما استطاعت الاستراتيجية الأميركية تطبيقه في العراق لا يمكن تطبيقه كاملاً في لبنان وذلك لوجود فوارق أساسية وهي: أولاً، لا يوجد في لبنان العمق الجغرافي الموجود في العراق والذي تتخلله مناطق شاسعة خالية من السكان. ثانياً، ان «حزب الله» ليس جيشاً نظامياً وانما حركة مقاومة شعبية منظمة بطريقة شبيهة لحد ما بجيش نظامي وتملك أسلحة متطورة دخيلة على عالم حرب العصابات. ثالثاً، معنويات مقاتلي «حزب الله» تختلف عن تلك التي كانت تسود الجيش العراقي يوم الاجتياح الأميركي، وهي أعلى بكثير في صفوف المقاومة. رابعاً، لا يوجد لـ «حزب الله» أهداف عسكرية واضحة يمكن أن تدمر من الجو. فكل ما استهدفته الطائرات الاسرائيلية حتى الآن كان البنية التحتية والمنشآت المدنية والاقتصادية والاجتماعية للحزب. لذلك السبيل الوحيد لضرب أهداف «حزب الله» العسكرية هو عبر الهجوم البري.

اذاً، فالهجوم الاسرائيلي يحتاج الى فترة زمنية يصعب تحديدها ستقوم أميركا وبعض حلفائها بتوفير غطاء دولي لها. وحسب التقديرات الأولية لمصادر اسرائيلية فان الهجوم البري قد يستمر حوالي ثلاثة أسابيع لتحقيق أهدافه العسكرية. وما سماح اسرائيل وأميركا بفتح الممر البحري الانساني الى لبنان سوى خطوة لمساعدة الحكومة والشعب اللبنانيين على الصمود لفترة تسمح لاسرائيل باتمام مهمتها. كما أن هذا المجهود الانساني سيخفف من ضغوط المجتمع الدولي على واشنطن وتل أبيب. وبين آلة الحرب الاسرائيلية والضغوط الديبلوماسية الاميركية فإن واشنطن ستسعى بقوة لفرض رؤيتها لـ «شرق أوسط جديد». وفي ظل هذه الأجواء تفيد بعض المصادر الأميركية المطلعة بأن امكانات توسع الحرب لتشمل سورية وايران لا تزال قائمة بغض النظر عما يقال عن تطمينات أعطيت لدمشق. ويذكر أحد المحللين أن اسرائيل مشهورة باستراتيجية التقرب غير المباشر والتي تقوم على الايحاء باستهداف أماكن معينة في حين أن الهدف الحقيقي يكون في مكان آخر، وقد يكون في هذه الحالة دمشق.

رياض قهوجي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...