كيف تصبح اللغة فسحة للبوح عند عزمي بشارة
من المغري دائماً أن تقف على إبداعات سياسي ومفكّر، مسيرته مشدودة بين طوباويّة الفكرة وامتحانات الواقع. بل من الممتع أن تكتشف كيف تصبح اللغة فسحة للبوح، استراحة محارب بعيداً عن المعمعة، فإذا بالورقة البيضاء ترشح بالتداعيات والاعترافات والرغبات والأحاسيس واللحظات الحميمة، والأسئلة العابرة، وعلامات التعجّب أيضاً، وكل ما تخبّئه لنا الحياة من «عناق» و«فراق»... هكذا نقبل على كتاب عزمي بشارة الجديد «فصول» («المركز الثقافي العربي») الذي يتضمّن نصوصاً تلامس حدود الشعر. نحن أمام كاتب «عالق في اللامكان»، وسياسي متعب لكي لا نقول عرضة لليأس والشكوك: «حين تبدّدت الروايات الكبيرة/ رسبت بقايا أمثولة في الروح/ تحزنني على جيل ينمو بلا أوهام...»، ينزع عن الكتابة صفتها «العامة»، يستفرد بها «خريفاً لكلّ الفصول». يعود إليها من «أقصى بقاع الأرض تلك التي/ كان يقصدها منهكاً حرّاً وحيداً/ مثل جنديّ عائد من هزيمة».
أحياناً يضيّعنا النثر باسترساله ونزوعه الذهنيّ، قبل أن تعيدنا ومضة، رائحة، صورة، إلى تلك المتعة الخفيّة. عند «مناطق التخوم» نلتقي عزمي «وحيداً في جماعة/ كالطير الملوّن في سرب السنونو». إنّه هنا حيث لم نكن نتوقّعه، «في جهة المدينة الأخرى (...)/ على سفوح الزمن، وفي هوامش العصر الحديث»، يلفتنا إلى أن «أحزمة المدن أَمارةُ سقوطها». يبني على جدليّة الحريّة والضرورة قصيدة عن الاغتيال السياسي. يستسلم للحنين «بعد محاولات لا تحصى للتخلّص من عبء الماضي». يدعو إلى مائدته بوشكين ولوركا وماياكوفسكي والمتنبي وأبا العلاء... والآن «هي في الردهة تنتحب»، أما هو فـ«جمد في المكان مشجباً عارياً/ كانت تُعَلّق عليه هويّة».
بيار أبي صعب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد