تأثيرات الحرب السلبية على الأطفال
لا يمكن لطفل ان ينسى اصابة تعرض لها هو او احد افراد عائلته. ولا يمكن له ان ينزع من ذاكرته صورة بيته وقد دمر.. او مشهد التهجير... لا يتعين أن يعيش أي طفل أيا من هذا في الأساس، إلا أن الطفل في بلادنا معرض لكل ذلك وأكثر.
مثل ذلك يبقى محفوراً في المخيلة الصغيرة. مثل ذلك يبقى محفورا في القلوب. ولكن، حتى لا نستسلم، وحتى لا ندع ذلك كله يرافق الطفل وينغص مستقبله بعدما نغص حاضره، ماذا نفعل؟
من الخطأ ان نطلب من الطفل ان ينسى ما حدث بسرعة. او ان نقلل من اهمية ما شهده أو ما يشعر به، إذ من شأن ذلك أن يتسبب له إما بصراع نفسي بين ما يشعر به وبين ما يقال له، وإما باكتئاب لإحساسه بان لا أحد قادر على فهمه.
لذا من الضروري ان نقول له بان تأثره واحساسه بالخوف طبيعيان، ولكن سنحاول جميعاً كباراً وصغاراً تجاوز الامر معا.
و نصيحة الدكتورة تيما الجميل البروفسور في قسم علم النفس في الجامعة الاميركية في بيروت "اللعب أفضل علاج "، التي تسعى في اطار جمعية علم النفس التي تنتسب إليها، للقيام بجولة على الاطفال في أماكن نزوحهم، بالتعاون من اليونيسيف، لمساعدة المصابين منهم بعوارض قلق تعرف باسم: ضغوط ما بعد الصدمة.
والمشروع الذي سيبدأ تنفيذه قريباً في بيروت، كانت قد نفذته اليونيسيف في كوسوفو. تقول الجميل ان هناك تقصيرا في لبنان في هذا المجال، لأن هذه الخطوة تتم بسرعة جداً في الخارج، لتطويق الانعكاسات النفسية والاجتماعية للاحداث الامنية على هذه الفئة العمرية. اما نحن فلدينا نقص في مجال المتخصصين بعلم النفس. ونقوم اليوم بتدريب فريق من طلاب قسم علم النفس في الجامعة الاميركية في بيروت، لمساعدتنا في هذا المشروع.
وتقتضي الخطة الطبية، التي من المتوقع ان تنفذ على امتداد اشهر ، حمل الالعاب الى الأطفال، والجلوس مع كل منهم على حدة للعب معه والاستماع اليه. وتتفاوت فترة العلاج بالنسبة الى المصابين بتلك العوارض، تبعاً لقربه الجغرافي من الأحداث، او مدى تأثره بها. كما يؤخذ بعين الاعتبار حالته النفسية قبل الحرب ومدى دعم المحيط له بشكل عام.
اما عوارض ضغوط ما بعد الصدمة فتتبدى من خلال الخوف الشديد والاحساس بالعجز والغضب، عدم الاحساس بالامان، وتواتر الذكريات الأليمة واسترجاع الصدمة، ويظهر ذلك في لعب الاطفال ورسوماتهم. كما يعاني الأطفال من صعوبة في النوم والتركيز وميل نحو العزلة.
وترى الجميل ان وضع الاطفال النازحين الى الحدائق العامة افضل من وضع اولئك الذين يتلطّون في الملاجىء. فأمام هؤلاء ساحة للعب في الهواء الطلق. ما يشعرهم بقدرة على التعبير عن انفسهم، وتنفيس احتقانهم. اما الملاجىء فتأسر الاطفال وتغرقهم في جو حزين.
وتشرح الجميل أن الميل الى اللعب لدى الاطفال بشكل عام يعتبر إشارة جيدة تعبر عن مخيلة وارادة قوية في مثل هذه الظروف. اما الذين لا يلعبون ولا يتحركون من أماكنهم، فهم بلا شك مصابون بصدمة نفسية او اكتئاب، وهي الفئة التي تحتاج الى المساعدة بالدرجة الأولى.
وتثني الجميل على المتطوعين الذين يحملون الالعاب الى الاطفال المصابين في عدد من المستشفيات، باعتبار ان ذلك يساهم في شفائهم.
اما بالنسبة الى العائلات غير النازحة، تقول الجميل، فيحدث كثيراً ان ينتقل التوتر الى اجواء منازل العديد منها. وبسبب توقف عدد كبير من الناس عن العمل نتيجة الظروف الامنية، والتركيز المتواصل على نشرات الاخبار، يصاب الاهل بحالات توتر شديد، يدفع الأطفال ثمنه غالياً.
والأمر ليس سهلا، لأن الأطفال سيشعرون في النهاية بأن الجو غير طبيعي ، مما سيزيد خوفهم. لذا المطلوب في هذه الحالة، السعي إلى عدم تغيير جو المنزل قدر الإمكان، وتخصيص وقت للعب مع الاطفال، واخراجهم الى الهواء الطلق قدر الأمكان.
ويبقى الأساس هو دور الاهل بالنسبة الى الجميل: اذا كان الاهل متوترين، فلا يمكن ان يشعر الأطفال بالهدوء. وعندما تكون الام خائفة ينتقل الخوف الى الابن مباشرة، يرافق ذلك شعور بالذنب لأن الطفل يعتبر أنه لم ينجح في التخفيف عن امه، ويشعر أيضا بأنه يشكل هماً اضافياً بالنسبة اليها.
من هنا، يتعيّن على الاهل مساعدة انفسهم بالدرجة الاولى، حتى لا يصلوا إلى وضع يعجزون فيه عن الاهتمام باطفالهم. ويمكن السعي لتحقيق ذلك عبر مجموعة من الخطوات الصغيرة منها أخذ نفس عميق وببطء للتخفيف من خفقان القلب وتنظيم عملية التنفس، أو الخروج من المنزل للمشي والاسترخاء. وبامكان الأهل، اذا لزم الامر، الاستعانة بادوية اعصاب، او استشارة طبيب نفسي، باعتبار ان وضع اطفالهم على المحك.
ولكن كثيراً ما يسأل الأطفال اهاليهم: لماذا يقصفون علينا؟ بماذا يجيب الاهالي؟
ترد الجميل مشددة على ضرورة عدم الكذب على اطفالنا، لأنهم يفهمون ويشعرون اكثر مما نتوقع. ولكن في الوقت نفسه، علينا الاّ نحمّلهم فوق طاقتهم. الافضل ان نقول للطفل: بان إسرائيل ضدنا وهي التي تقصف علينا، ولكن لا تخف، لأننا معك، ولن نتركك، وقل لنا ما تريده، فنحن نسمعك والى جانبك. انها جرعة اطمئنان وبرقية سريعة لايصال الشعور بالامان.
إلى ذلك، ينصح الدكتور زهير برو بعدم تعريض الاطفال النازحين الى الحدائق العامة للشمس، خصوصاً في ساعات الذروة. كي لا يصابوا بالجفاف نتيجة لنقص المياه في اجسادهم. ويشدد على اهمية ان يشرب الاطفال والمسنون ايضاً كميات كافية من المياه على امتداد النهار.
وفي المقابل، فهو يشدد على أهمية تعريض الأطفال النازحين إلى الملاجئ للشمس يوميا، وينصح بتعريض الفرش والثياب للشمس بانتظام، لتخليصها من الرطوبة أو أي حشرات يمكن أن تكون موجودة في المكان.
اما الاولوية بالنسبة لبرو فهي تعقيم رضاعات الحليب للأطفال، من خلال تأمين وسائل التعقيم التقليدية من الصيدليات، او عبر غلي الرضاعات لمدة ربع ساعة.
ويشدد برو على اهمية تأمين مياه نظيفة. وفي حال لم تكن معقمة، يفضل وضع خمسين نقطة جافيل لكل عشرين ليتراً لنصف ساعة لقتل الميكروبات. ثم يفتح الغطاء لبعض الوقت قبل استهلاكها. ويفضل عدم تعريضها للشمس واستهلاكها خلال 48 ساعة كحد اقصى.
وفي حال النقص في الاغذية، يفترض ان يتناول الاطفال الحلويات كالشوكولا وغيره، ما يساعد على سد النقص بالحديد، وتزويدهم بالطاقة والنشاط.
ويعتبر برو ان نظافة الاكل وحسن حفظه هما عنصران اساسيان في تجنب العديد من الامراض. وعدم وجود برادات لانقطاع الكهرباء في اماكن عديدة يلجأ اليها النازحون، يفرض عدم تخزين الاكل، ولا سيما الحليب ومشتقاته كالالبان والاجبان، والا تحول ذلك الى عش للميكروبات.
من هنا يستحسن تأمين مثل هذه الاطعمة بشكل يومي. ولا يفوته التذكير، في معمعة التهجير، بأهمية غسل اليدين قبل الاكل وبعده.
وفي حالات الاصابة بالاسهال او التقيؤ، يشدد على ضرورة الاستعانة بمصل سائل من الصيدليات، وثمنه زهيد جداً.
ولا يمكن تجنب الامراض الجلدية التي هي كناية عن جرب بالدرجة الاولى، الا من خلال الاغتسال. كثرت حالات الجرب في أعوام سابقة بسبب قلة الاستحمام، يقول برو، وهو مرض معد، لانطوائه على طفيليات، واهم دواء للقضاء عليه هو النظافة.
وينصح بغلي الثياب في هذه الحالة، ودهن الجسم بمادة BENZYL BENZOATE لثلاثة ايام بعد الاستحمام مباشرة. وهي مادة رخيصة الثمن وفي متناول الجميع.
فاتن قبيسي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد