خدعة نتنياهو: توسيع الاستيطان قبل تجميده
انتقد البيت الأبيض بخجل لعبة التخفي التي يديرها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشأن تجميد الاستيطان تمهيدا لاستئناف العملية التفاوضية مع السلطة الفلسطينية. وقد خلط «مسؤول كبير» في ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية الأوراق يوم أمس بتسريبه لكبريات الصحف الإسرائيلية سلسلة من الأنباء حول اتفاقات أبرمت وتفاهمات عقدت بشأن الاستيطان مع الإدارة الأميركية. وبلغت اللعبة ذروتها بتوجيه نتنياهو رسالة واضحة لليمين بأنه سيجمد الاستيطان شكليا لكنه سيوسع الاستيطان فعليا.
وسعت الآلة الإعلامية القوية لرئيس الحكومة الإسرائيلية الى إطلاق رسالة مزدوجة في اتجاهين متناقضين: أولا نحو اليمين الإسرائيلي، وتؤكد أن نتنياهو أقر بناء 500 وحدة سكنية جديدة في الكتل الاستيطانية، قبل أن يعلن تجميد البناء في المستوطنات، وثانيا، إبلاغ الإدارة الأميركية بأن بناء هذه الوحدات لن يتم قبل نصف سنة أو سنة وهي فترة تجميد الاستيطان.
ويبرر رجال نتنياهو للأميركيين أن هذه الخطوة ضرورية لمنع اليمين من إسقاط الحكومة وبالتالي إسقاط المشروع الأميركي لانعدام بديل أفضل إسرائيليا. كما يبررون لرجالات اليمين أن نتنياهو أفلح أكثر من أي رئيس حكومة آخر في الصمود في وجه الضغوط الأميركية وأحال طلب التجميد الشامل والتام إلى تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان. وفي الحالين يحاول نتنياهو مواجهة الأميركيين بالمستوطنين وصدام اليمين بالأميركيين من أجل بقاء حكومته في موضعها الراهن متأرجحا بين التذرع بالحاجات الحزبية والظروف الدولية.
وبرغم أنه كان ينتظر من الأميركيين موقفا واضحا من الاستهتار الإسرائيلي بأوليات العملية السياسية، وفق مقتضيات الشرعية الدولية التي تعتبر الاستيطان عقبة أمام السلام، جاء الموقف باهتا. فقد أبدى الناطق بلسان البيت الأبيض، روبرت غيبس، «أسفه» للقرار الإسرائيلي وقال إن «البيت الأبيض لن يقبل استمرار توسيع المستوطنات ويطالب بوضع حد لها». وأضاف أن «استمرار البناء يتناقض مع تعهدات إسرائيل وفق خريطة الطريق».
وجاء هذا الكلام ردا على تصريح «مسؤول كبير» في ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية بأن نتنياهو «على وشك إقرار بناء مئات الوحدات السكنية الجديدة في يهودا والسامرة، قبل بدء التجميد». وشددت المصادر الإسرائيلية على أن هذا العدد من الوحدات السكنية يضاف إلى 2500 وحدة تواصل إسرائيل في هذه الأثناء بناءها.
وشدد على أنه «كما سبق للرئيس أن قال فإن الولايات المتحدة لا تقبل شرعية استمرار توسيع المستوطنات ونحن نحثهم على وقف ذلك. إننا نعمل من أجل خلق أجواء يمكن فيها إدارة مفاوضات ومثل هذه الأفعال تجعل من مهمة خلق أجواء مناسبة أمرا أكثر صعوبة».
غير أن النقطة المركزية في الموقف الأميركي تمثلت في أن الإدارة الأميركية «تقدر نية إسرائيل تقييد النشاط الإسرائيلي، وسنواصل البحث في ذلك مع الإسرائيليين حول تحديد القيود». ولم ينس الناطق بلسان البيت الأبيض التأكيد بأن «التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل ليس قابلا للاهتزاز. ونحن نؤمن أن أفضل سبيل لتحقيق ذلك هو السلام الشامل في المنطقة بما في ذلك حل الدولتين».
وابتهج أنصار الجناح المتطرف في الليكود بقرار نتنياهو توسيع الاستيطان قبل التجميد وسعوا إلى تسويق ذلك على أنه تأكيد لوقوف الليكود إلى جانب المشروع الاستيطاني. وتسابق عدد من المتطرفين في الليكود الذين تداعوا لعقد اجتماع لكتلة الليكود في الكنيست لمعارضة تجميد الاستيطان في الإعراب عن تأييدهم لخطوة نتنياهو ورأوا فيها محاولة لمنع الخلافات والانشقاقات.
وتباهى قادة اليمين في الليكود بأنه رغم الضغوط الأميركية من أجل التجميد التام للبناء في المستوطنات اتخذ نتنياهو «قرارا شجاعا يظهر أن الليكود لم يتخل عن الاستيطان في يهودا والسامرة». وقال أحدهم أن «البناء في يهودا والسامرة سيتواصل حتى إذا استؤنفت المفاوضات السياسية».
ولكن كثيرا من القوى في الوسط واليسار الإسرائيلي تتحدث عن لعبة أو خدعة نتنياهو الجديدة. وأعلنت زعيمة كديما تسيبي ليفني أن السياسة الراهنة للحكومة الإسرائيلية غير مجدية. «لأسفي نعيش اليوم في جانب لم تقرر فيه بعد قيادة إسرائيل, حكومتها المنتخبة، أي وجهة تريد». وأشارت إلى أن «الأمر بلغ اليوم ذروته في أننا نبني ونجمد، نبني الآن ونجمد لاحقا، أو كل أنواع النصوص الغريبة من هذا النوع التي تنبع من حقيقة أن هذه الحكومة لا تعلم إلى أين تريد الوصول وهي تحاول ترتيب وضعها مع الجميع».
ومن المقرر أن يصل المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل إلى تل أبيب يوم الأربعاء المقبل لاستكمال المفاوضات التي بدأت قبل شهرين حول تجميد الاستيطان. وقد عاد إلى إسرائيل مبعوثا نتنياهو اسحق مولخو ومايك هرتسوغ بعد أن أكملا جولة مفاوضات مع ميتشل في واشنطن حول هذا الموضوع.
بدوره، دعا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا إلى وقف «كل أنشطة الاستيطان» اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأشار إلى أنّ «موقف الاتحاد الأوروبي معروف جيدا. كل أنشطة الاستيطان يجب أن تتوقف».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد