مساكن عمالية رومانسية
أعلمني صديقي أبو الجود بأنه يحاول منذ مدة طويلة أن يفهم الأحجية المتعلقة بقضية السكن العمالي التي تتبناها وزارة الاسكان والتعمير دون جدوى، وقد توصل في النتيجة إلى أن إمكانات عقله أدنى من هذا المستوى.
قلت: أإلى هذه الدرجة تراها معقدة؟
قال: أي نعم، وسأشرح لك ذلك. إن الشرط الأساسي لحصول المكتتب على مسكن، بحسب القانون رقم 39 لعام 1986، والقرار 3306 الصادر عن رئيس مجلس الوزراء هو ألا يكون مالكاً هو وأولاده القاصرون مجتمعين أو منفردين بتاريخ تقديم طلب الاكتتاب لمسكن كامل على وجه الاستقلال، مهما بلغت قيمته التخمينية، أو لأسهم تزيد قيمتها التخمينية عن 20 ألف ليرة في عقارات سكنية لدى الدوائر المالية.
قلت: فأين المشكلة؟
قال: إنه لا يوجد اليوم، في مدينة كبيرة كدمشق، وغيرها، منزل بحجم قن الجاج تقل قيمته الفعلية عن مليون ليرة، ومع ذلك ثمة بيوت قيمتها التخمينية لدى وزارة المالية أقل من خمسة آلاف ليرة سورية! ويوجد أناس كثيرون يمتلك الواحد منهم بناء من طابقين أو ثلاثة طوابق في مناطق المخالفات، لا تقدر بثمن، ومع ذلك فهي غير مسجل في السجل العقاري، يعني أن هذا الملاك المليونير يستطيع أن يحصل على سكن عمالي، لأن صحيفته في السجل العقاري نظيفة، أي لا يوجد أي مسكن باسمه حتى ولو كانت قيمته ثلاث ليرات سورية.
وقال: بالمقابل يوجد مكتتبون لا يملكون سوى رحمة الله، بدليل أنهم أرفقوا بطلباتهم عقود إيجار لمنازل ذات طبيعة (رومانسية)، ومع ذلك لم يستفيدوا من المسكن العمالي.
سألته: كيف يعني رومانسية؟
قال: هي بيوت تعبانة ومهرهرة، وما فيها كهرباء، يعني سكانها يسهرون في العتم على نحو رومانسي! فهمت؟
قلت: طبعاً. ولكن لماذا لا يشتكي المغبونون من هذا الوضع لأصحاب العلاقة؟
قال: ذهب بعضهم إلى وزير الإسكان، فاستقبلتهم سكرتيرته وقالت لهم: شو نعمل؟ واشتكوا لاتحاد العمال فقيل لهم: شو نعمل؟ وذهبوا إلى مدير السكن العمالي وشرحوا له الوضع فقال لهم: إذا أردنا أن نتحرى على حقيقة مالكي البيوت من خلال عدادات المياه والكهرباء لا تكفينا خمس سنوات للتقصي.
قلت: والله يا عمي معقدة، وأنا من جهتي أقترح أن تمعن وزارة الإسكان في (لهوجة) هؤلاء الدراويش، وأن تحول بينهم وبين الحصول على حقهم في السكن العمالي.
دهش أبو الجود وسألني: معقول؟ طيب ليش؟
قلت: لكي يبقوا ساكنين في تلك البيوت الرومانسية. وهل يوجد أحلى من الرومانس؟!
خطيب بدلة- جريدة الثورة
إضافة تعليق جديد