الكتّاب الفرنسيون والتدخين
في هذا الزمن الذي تشنّ فيه جل دول العالم، الفقيرة منها والغنية على حد السواء، حروبا ضارية ضد التدخين، بعد أن ثبتت مضاره الصحية، خصصت جريدة "لوفيغارو" الفرنسية في ملحقها الأدبي الأسبوعي "الخميس 11 مارس 2010" ملفا خاصا عن علاقة الكتاب الفرنسيين، القدماء والمحدثين بالسجائر.
وفي بداية هذا الملف، أشار المحرّر إلى أن اختفاء السجائر من عالم ومن حياة الأدباء، يشكل في حد ذاته مرحلة جديدة لم نتعود عليها من قبل. ويقول برنار بيفو مقدم "APOSTROPHES"، البرنامج الأدبي الشهير في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، إن كل الذين كان يدعوهم إلى برنامجه، من كتاب وشعراء ومفكرين كانوا يضعون ربطة عنق ويتلذّذون بالتدخين وهم يتحدثون. أما اليوم، فهم يأتونه بدون ربطة عنق، ومن دون سجائر. وبشكل ساخر، يلاحظ محرر "لوفيغارو" أن "ادارة المتاحف" الفرنسية قد تسحب ذات يوم اللوحة الفنية التي يظهر فيها الشاعر الكبير ستيفان مالارميه وقد غطت وجهه غمامة زرقاء هي دخان غليونه. كما قد تسحب أيضا لوحة الرسام كوربيه التي يظهر فيها بودلير وهو يدخن غليونه!
وتعود المعركة بين المدخنين وغير المدخنين في فرنسا إلى القرن السابع عشر وتحديدا إلى مرحلة حكم لويس الثامن عشر. ففي ذلك الوقت، كان البعض يزعمون أن التبغ قد يخفف من الآلام بل قد يشفي من العلل، في حين كان آخرون يشيعون بأنه مضر، وخطير بل اداة انحلال وإفساد.
وعلى لسان أحد شخصياته، كتب المؤلف المسرحي الشهيٍر موليير يقول: "ليس هناك ما يمكن أن يعادل قيمة التبغ إنه متعة الناس النزهاء، والذي يعيش من دون تبغ، ليس جديرا بالحياة. ولا يكتفي التبغ بإسعاد العقول وتطهيرها وإنما هو يهذّب النفوس، ويعلّمها الفضيلة". وأما بلزاك فقد أشار إلى أن التبغ قد يجعل الانسان عاجزا وبليدا وخامل الذهن.
وفي القرن العشرين، بات التدخين ضروريا بالنسبة لأغلب الكتاب والشعراء والمفكرين الفرنسيين. وقليلة هي الصور التي لا نرى فيها مالرو أو البيركامو أو جان بول سارتر من دون سيجارة "الغولواز" القوية.
ولم يكن الشاعر الكبير بول فاليري يستطيع الكتابة من دون أن تكون هناك سيجارة مشتعلة بين أصابعه. وكانت الكاتبة فرانسواز ساغان وأيضا مارغريت دوراس مدمنتين على التدخين. ويذكر الفيلسوف سيوران، الروماني الأصل، والفرنسي اللغة والذي أمضى الشطر الأكبر من حياته في باريس، بأنه ألّف كل كتبه مستعينا بالسجائر وبالقهوة المرة.
ويرى الروائي فيليب غرامبيو أن السيجارة مثل حليب الأم، "تحمي من أوساخ المحيط". ويعتقد ميشال هوالباك، أن منع التدخين عن المصابين بأمراض عصبية، أو عن الذين يعانون من القلق والاضطراب النفسي، هو بمثابة الحكم عليهم بالموت..
وفي كتابها: "منفضات سجائري"، كتبت فلورانس دولاي تقول: "ان أول سيجارة هي بمثابة القبلة الأولى. فهي تخرجنا من فترة الطفولة، إلى مرحلة النضج".
حسونة المصباحي
المصدر: العرب أون لاين
إضافة تعليق جديد