انطفاء شعلة برهان بخاري
الجمل - نبيل صالح:
ناتاشا لا ترقص الدم في العروق هوالذي يرقص: بهذا المقطع كان يترنم برهان بخاري عندما ينتشي.. وبرهان فارس عربي بقلب أوزبكي, شعلة شَجاعة وحديقة كرَم, باحث وشاعر ولغوي ومفكر وعالم, هي بعض ألقاب أطلقت عليه, فقد كان عقلا متوقدا لا يتوقف عن توليد الأفكار وابتكار المشاريع غير المنتهية..
جموحه الروحي والفكري كان يدفعه لإطلاق مقولات صاخبة ومنها (خيار شمشون) الذي قال فيه: سوريا ليست بحاجة إلى قنبلة نووية.. قنبلتنا في إسرائيل وعندما نريد سنرسل صاروخا أو طيارا استشهاديا ليفجر مفاعل ديمونة.. ومن مقولاته أيضا: إن أفضل خدمة قدمها المغول للعرب هو إلقاء نصف تراثهم في نهر دجلة, وما تبقى منه كان كافيا لكل هذا الخلاف والشقاق الذي نحن فيه.. وبرهان شخصية روائية تخرج من الكتب ليلا وتعود نهارا إلى الحياة البائسة بين جموع المواطنين.. كان يأكل عمره بسرعة الإنترنت لذلك لم يترك خلفه كتبا مطبوعة سوى "أحاديث الأحد" التي نشرتها جريدة تشرين ووزعتها مجانا، وبحثا ألسنيا عن شعر نزار قباني ساهمتُ في مراجعته وتدقيقه بتكليف وتمويل من دار سعاد الصباح بالكويت, بالإضافة إلى موسوعة الشعر العربي التي أنجزها مجمع السويدي الثقافي بدبي (مليون ونصف المليون بيتا من الشعر) وما تبقى من مشاريع عديدة لم تكتمل لأن أبا عرفان – كما أسلفنا- كان يشرب حياته بسرعة دقات الساعة..
لمع نجم برهان في تسعينات القرن الماضي وقد اجتمع حوله في مشاريعه الحواسيبية كوكبة من مثقفي البلد ثم ابتعدنا عنه واحدا واحدا قبل أن يفترسه تشمع الكبد والفقر والعزلة مساء أمس.. وهكذا عاد كبطل روائي إلى ذاكرتنا التي استيقظت اليوم عن حجم خسارتنا وخسارة برهان لما تبقى من عمره الذي لم يستثمره في النهاية كما في البداية.. فتعالوا نودع جثمانه اليوم من مشفى سنان إلى حديقة الموتى في الدحداح، ولنجلس في المساء مسترجعين كل الكؤوس التي شربناها معا حتى الثمالة..
ببلوغرافيا
وفي عام 1979 دعي إلى طشقند عاصمة أوزبكستان للاشتراك في العيد الألفي لابن سينا فکانت هذه الدعوة بداية دخوله إلى العمل الأكاديمي، حيث ترجم لأوّل مرة قطعاً أدبية من الأوزبكية الى العربية مباشرة – كانت الترجمة قبل ذلك تمرّ عبر اللغة الروسية – ثم وضع الأسس العلمية لأوّل معجم أوزبكي عربي وعربي – أوزبكي، وكتب عدداً من الدراسات حول بنيوية اللغة الأوزبكية وعلاقتها التاريخية مع اللغة العربية، ونال عدداَ من شهادات التقدير عليها.
استضافته جامعة الكويت كأستاذ زائر عام 1983، حيث ساهم في تطوير بحث حول الصوتيات العربية بما يعرف بالكلام المركب صناعياً والكومبيوتر، و قام بتصميم لوحة مفاتيح كومبيوتر قادرة على تنضيد جميع أبجديات العالم والتعامل معها، ولقد قامت بتنفيذه شركة (مونوتايب) البريطانية، حيث عرف بلوحة مفاتيح البخاري.
أمضى ثلاث سنوات في أوربا من عام 1984 إلى 1986 متنقلا بين مراكزها العلمية وجامعاتها، وشارك في عدد من المؤتمرات والمعارض الدولية الخاصة بالترجمة الآلية، ووضع أسس نظريته الخاصة بالترجمة الآلية ولكنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ ..
ومنذ عام 1986 اشتغل لإنجاز مشروعه الضخم المعروف بإعادة بناء التراث العربي والإسلامي على الكومبيوتر، والذي يتألف بشكل أساسي من عشر موسوعات، أهمها موسوعة الحديث النبوي الشريف والتي يربو عدد أجزائها على مائة جزء، قام بطباعة الجزء الأول منها فقط، كما أطلق مشروع موسوعة الشعر العربي التي أكملتها مؤسسة السويدي الثقافية بالأمارات. وفي عام 1995 بدأ بكتابة سلسلة مقالات في صحيفة (تشرين) السورية صباح كل أحد، ولقد أثارت مقالاته ضجة واسعة في جميع الأوساط السورية والدولية، نظراً للجرأة الفكرية والعلمية التي اتصفت بها. وكان من بينها رسائل موجهة إلى رؤساء العالم كنت أقول عنها أن صديقنا برهان بخاري يرسل رسائله عن طريق جريدة تشرين لكي يوفر ثمن الطوابع ، وكان برهان يضحك ضحكته التي مايزال صداها يرن في قلبي ..
إضافة تعليق جديد