صراخ ادونيس في لبنان
في لقاء حواري مع الشاعر ادونيس نظمته جامعة البلمند في فندق البريستول، "قرر أدونيس أن عهد السقيفة كرس «إسلام الخلافة الذي ألغى إسلام الرسالة»، وأن الإسلام الإيديولوجي السياسي أنهى إسلام الرسالة وحل محله في جميع الميادين ليصبح اليوم إسلام البرقع والحجاب والفتوى، وأن النزعة القومية العربية أنهت العروبة الثقافية وأنهت الآخر، وأن سياسة الدول العربية الراهنة أنهت الوطن ومفهوم المجتمع الواحد، كما أن النتاج الفكري الأدبي الراهن يبتعد عن ملامسة القضايا الجوهرية. ليجد أخيراً أن النزعة الإرجائية هي التي تسيطر على كل شيء أساسي فهو يرجأ لأسباب شتى سياسية وأيديولوجية ويبقى خارج البحث وينسى أمره مستشهداً بما سماه هيديغر «نسيان الكينونة»، هكذا نحن في نظر أدونيس في حال من النسيان التاريخي لأمر آخر".
المفكر والشاعر ادونيس يشير بحرفة الناقد والباحث، وبرؤية الشاعر، الى النزعة الارجائية التي تتحكم بالمسار الفكري والسياسي في دولنا ومجتمعاتنا العربية، هذه النزعة التي تعبر عن حالها باشكال مختلفة بين دولة واخرى، تتوحد عند تغييب القضايا الجوهرية لصالح الهامشية... وبالتعبير الشعبي المتداول "بيغطي السماوات بالابوات". بهذا المسار تتحكم بالمجتمع عموما وبالثقافة الدينية خصوصا ثقافة الخرافة والسحر وتقديس المظهر الديني على حساب الجوهر، فيسهل في الوعي الجمعي تسفيه العقل والانتقاص من كرامة الاخر المختلف ثقافيا او سياسيا او دينيا الى حد الغائه، فيما التمسك بالقشور والخرافة ظاهرة منتشرة وراسخة تفتح الباب امام سماسرة الدين والدنيا...
الكلام هذا قاله ادونيس من بيروت. وهذه ليست مصادفة، فلبنان هذه الايام التعبير الاوضح عن تضعضع مفهوم الوطن والمجتمع الواحد لحساب الدويلات والمجتمع الخاص او النقيض، وبالتالي تراجع الدولة الواحدة وكل ما يتصل بهذا المفهوم من مؤسسات دستورية وقانونية. على ان الاشد خطرا هو ظاهرة النفاق التي استشرت في نظام العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وازدياد نزعة الاستئثار والتحكم من قبل الطبقة السياسية، الى الحد الذي بات الالغاء في الحياة الاجتماعية والسياسية احدى سمات الطوائف لا سيما الاسلامية منها. وكلما قدم المجتمع الطائفي الولاء او تنازلات للزعيم، زادت شهوة السيطرة والاستبداد لدى الزعيم، من دون ان تتوقف عند حد معين.
وفي رواية تاريخية متداولة تكشف عن شهية الحاكم التي لا تتوقف عند حد، ان هارون الرشيد احد اشهر الخلفاء العباسيين، طلب من افراد حاشيته في احدى الليالي ان يحضروا له بهلول، والاخير كان من اصحاب الحكمة الذي يستعين على اظهار حكمته بسلوك يظهر فيه للناس انه مجنون. عندما وقف بهلول امام الخليفة سأله الاخير بماذا تفدي الخليفة؟ فقال افديك بنفسي، فرد الرشيد ان لدينا من النفوس الكثير. ثم عاد وكرر الرشيد السؤال نفسه، فقال بهلول افديك بأولادي. ورد الرشيد مجددا: لدينا من الاولاد الكثير. وساله للمرة الثالثة: ماذا تفدي الخليفة؟ فاجاب بهلول افديك بمالي، فقال الرشيد: لدينا من المال ما لا يعد ولا حاجة لنا لمالك ايها الفقير. وبعدما كرر السؤال للمرة الرابعة... سأله بهلول بماذا تتوقع ان افديك يا امير المؤمنين؟ قال هارون الرشيد: افدني بدينك. فما كان من بهلول الا ان امتطى عصاه وراح يدور حول نفسه خارجا من ديوان الخليفة. ضحكت حاشية الرشيد وقال بعضهم ان بهلول اصابه مسّ من الجنون.. فرد الخليفة لا لم يجن بل فر بدينه.
المواطن اللبناني لا يفر بدينه كما فعل بهلول، فهو قدم لزعمائه المال والبنون والدين وافتداهم بنفسه، لكن الزعيم الذي امتلك المال والسلطة وضاقت اعتاب قصوره بالجماهير، ازدادت شهية الاستحواذ والاستئثار لديه، وبات يريد من الناس ان يفتدونه بدينهم اوبضمائرهم. واذا اردنا ضرب مثال قريب جدا ننقل عن احد المولجين بمسؤولية في القضاء اللبناني انه عندما دخل على احد المراجع السياسية طالبا منه ان يختار مرشحا غير الذي رشحه لتولي منصب قضائي كبير، بسبب النقاط السوداء الكثيرة التي ملف المرشح الاساسي. فرد المرجع تريدونني ان اختار غيره، ساختاره مجددا وما كان الا ما اراد المرجع...
ادونيس لم يكن يتباهى بثقافته ولغته، بل كان يطلق واحدة من صرخات التحذير، التي وصلت الى تخوفه من استعادة القرون الوسطى... ودائما في لبنان التي يمكن ل ادونيس الصراخ فيه، على مقربة من صرخات الاعدام الشعبي في كترمايا، ومطحنة الاعدامات والعصبيات العائلية والمذهبية في البلديات.
علي الأمين
المصدر: صدى البلد
إضافة تعليق جديد