البيوت الرياضية مشروع تجاري بامتياز وانتشار فاق الحدود
لا أحد ينكر أنّ الرياضة أصبحت في الوقت الراهن أحد مقاييس حضارة الشعوب وتقدّمها، لذلك أخذنا نلحظ في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً بالرياضة، من خلال إعادة ترميم وتشييد المنشآت الرياضية العامة والخاصة، وافتتاح العديد من البيوتات الرياضية التي انتشرت في المدن وضواحيها، بحيث لم يعد يخلو شارعٌ أو حيٌّ من بيت رياضي أو أكثر.
إنّ ظاهرة انتشار البيوت الرياضية كان لها فوائد كبيرة لا يمكن تجاهلها، فقد سمحت لعدد كبير من الأشخاص بمزاولة الرياضة، كما قدّمت العديد من الأبطال للمنتخبات الوطنية، إلا أنّ التجاوزات التي يرتكبها بعض أصحاب هذه البيوت، والتنافس فيما بينها، والنظر إليها على أنها مشاريع تجارية بحتة يجب أن تعود على أصحابها بأموال طائلة، كلّ ذلك أدّى إلى الابتعاد عن الهدف الحقيقي الذي أنشئت من أجله هذه البيوت.
المعروف أنّ من يرغب في فتح بيت رياضي يجب عليه قبل الحصول على الترخيص أن يقوم بتوفير عدد من الشروط العامة، التي وضعها الاتحاد الرياضي العام، ولكن، هل كلّ البيوت الرياضية مستوفية هذه الشروط؟، ومن المسؤول عن منح التراخيص وسحبها، وما دور الاتحاد الرياضي واتحادات الألعاب تجاهها.
¶ بناء الأجسام في المقدمة.. ولكن..!
لقد حدّد الاتحاد الرياضي الألعاب المسموح بممارستها في البيوت الرياضية بـ14 لعبة؛ هي «البلياردو، وكرة الطاولة، والكاراتيه، والجودو، والمصارعة، والملاكمة، والكيك بوكسينغ، والإيروبيك، والجمباز، والتايكواندو، ورفع الأثقال، وبناء الأجسام، والوشو، واليوغا»، ولدى سؤالنا عن هذه البيوت والتراخيص الممنوعة لاحظنا أنّ ما يقرب من 90 % من هذه البيوت يمارس رياضة بناء الأجسام، التي يندرج تحتها أيضاً الإيرويبك، كما أنّ هناك عدداً من البيوت لديها صالة لممارسة الكاراتيه، والجودو، إضافة إلى صالة الحديد.
وعلى ضوء ما تقدّم اعتقدنا أنّ اتحاد بناء الأجسام هو المرجع الأول لهذه البيوت، لكن المفاجأة كانت عندما أخبرنا الأستاذ منار هيكل، رئيس اتحاد بناء الأجسام والقوة البدنية، بأنّ الاتحاد ليس له علاقة بمنح الترخيص، ولا يعلم شيئاً عن البيوت المرخصة وغير المرخصة.
¶ آخر من يعلم
يؤكد هيكل أنّ اتحاد اللعبة لا يحقّ له منح الترخيص أو سحبه، والأمر كلّه في يدِ فروع الاتحاد الرياضي العام في المحافظات.
ويتابع هيكل: إذا تلقّينا شكوى من شخصٍ ما، مفادها أنّ هناك نادياً يتاجر ببيع مواد ممنوعة، كالهرمونات، لا يمكننا فعل أي شيء، لأنّه لا يوجد قانون يخوّلنا إجراء كشفٍ على هذا النادي، واتخاذ الإجراءات المطلوبة في حقّه.
وعن عدد البيوت الرياضية، والأشخاص الذين يدربون فيها، قال هيكل: «ليس لدينا أيّ علم بعدد البيوت الرياضية والمدربين الذين يقومون بالتدريب فيها، علماً بأنّنا دائماً نقوم بإجراء دورات تدريب وتحكيم لكوادر اللعبة».
وقبل أن ينهي حديثه، أوضح هيكل: «أنه متأكد من أنّ الأمور ستتغير بعد أن تمّ مؤخراً تشكيل اللجنة الوطنية الأولمبية لمكافحة المنشطات، حيث سيتمّ منح هذه اللجنة سلطة كبيرة، وتستطيع أن تغلق أيّ بيت رياضي يثبت أنّه يبيع منشطات أو يساعد لاعبيه على تعاطيها».
أمّا المحامي أيمن خرده جي، رئيس اتحاد الكاراتيه سابقاً، والذي له باع طويل في التعامل مع البيوت الرياضية، فيوافق هيكل على أنّ سلطة اتحادات الألعاب على هذه البيوت شبه معدومة، ويزيد عليه بأنّ معظم أصحاب هذه البيوت همّهم الربح المادي فقط، وأكبر دليل على ذلك قيام بعض هذه البيوت بمنح اللاعبين شهادات أحزمة خاصة بها، وبمبالغ كبيرة، لكنها غير معترف بها في اتحاد الكاراتيه، ولذلك كنّا نقوم، مع فروع الاتحاد الرياضي في المحافظات، بجولات على هذه البيوت، والتعرّف إلى عدد اللاعبين ومستواهم للاستفادة منهم في المنتخبات الوطنية.
¶ البيوت الرياضية.. تحت السيطرة
بدوره، معتز قوتلي، رئيس مكتب التنظيم في الاتحاد الرياضي العام يشير إلى «أنّ الاتحاد الرياضي العام يستند، في منحه التراخيص للبيوتات الرياضية، على فروع الاتحاد الرياضي العام في المحافظات».
ويقول قوتلي: «إنّه من الصعب على الاتحاد الرياضي العام تغطية جميع المحافظات، فيما يتعلق بفتح البيوت الرياضية ومتابعتها، لذلك أوكلت هذه المهمة لفروع الاتحاد الرياضين التي تقوم بدورها بدارسة الأوراق المقدّمة من صاحب البيت الرياضي، ثمّ ترفعها إلينا بعد موافقتها عليها، وعلى ضوء هذه الموافقة يوافق المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي على منح الترخيص».
ويضيف قوتلي: يخطئ من يعتقد أنّ هذه البيوت، بعد فتحها، لا تخضع لسلطة أحد، لأنّ فرع الاتحاد الرياضي يبقى على تواصل مع هذه البيوت ومتابعتها ومحاسبتها في حال ارتكابها أيّ مخالفة.
¶ منح الرخصة.. ليس إجراءً شكلياً
من جهته، حيدر فارس، عضو المكتب التنفيذي لفرع ريف دمشق للاتحاد الرياضي العام، بيّن أنّ منح الرخصة ليس إجراءً شكلياً، فبعد أن يتقدّم صاحب البيت الرياضي بالأوراق المطلوبة، تقوم لجنة من الفرع بالكشف على موقع البيت الرياضي، والتأكد من مطابقتها الشروط، ومن ثمّ تحدّد الدرجة التي يستحقّها، وبعد ذلك تقوم برفع طلب صاحب البيت الرياضي إلى المكتب التنفيذي في الاتحاد الرياضي للحصول على رخصة.
¶ من إلى.. عن على..
وعن الخطوات المتخذة في حقّ البيوت الرياضية غير المرخصة، أوضح فارس: تقوم البلدية بإبلاغنا عن مكانه، ونحن بدورنا نبلغ المكتب التنفيذي في الاتحاد الرياضي العام، الذي يبلغ المحافظة، وهي بدورها تبلغ الشرطة، حيث تقوم الأخيرة بإغلاق البيت الرياضي، والأمر نفسه ينطبق في حال ارتكب أحد أصحاب البيوت مخالفة تستوجب الإغلاق. ويؤكد فارس أنّه، على الرغم من متابعة الفرع للبيوت الرياضية، والقيام ببعض الجولات عليها، إلا أنّ الفرع لا يستطيع أن يضبطها جميعاً في حال ارتكبت مخالفة ما، إلا إذا وصلتنا شكوى ضدّ بيتٍ رياضي معيّن.
¶ من جدّ وجد
تعدّ محافظة اللاذقية من أكثر المحافظات ضبطاً لبيوتها الرياضية، وهذا ما لمسناه خلال متابعتنا أخبار هذه البيوت في المحافظة، والفضل في ذلك يعود إلى تضافر جهود أكثر من جهة، بحسب ما أخبرنا به الأستاذ أيمن الأحمد، رئيس مكتب ألعاب القوّة في فرع الاتحاد الرياضي العام، والمعروف بنشاطه ومتابعته المتواصلة لهذه البيوت.
ويقول الأحمد: «هناك تعاون وثيق بين الفرع واللجان المتخصصة لمتابعة البيوت الرياضية، ونحن على اطلاع وتواصل دائم مع هذه البيوت».
¶ أهل مكة أدرى بشعابها
التجاوزات في بعض البيوتات الرياضية موجودة، وعلى رأسها المتاجرة ببيع الهرمونات بكافة أشكالها.. هذا ما أكّده أكثر من صاحب بيت رياضي ومدرب لبناء الأجسام.
فقد أجمع كلّ من الأستاذ محمد يزبك (صاحب بيت رياضي في ريف دمشق)، والمدربين عمر أبو لبادة (البطل العالمي المعروف)، ومحمد صعيدي (البطل السابق)، على أنّ عدداً لا بأس به من هذه البيوت الرياضية يعتمد على بيع المنشطات، كما أنّ بعض المدربين في هذه البيوت لا يحملون أيّ شهادة تدريبية، ما يسبب وقوعهم في العديد من الأخطاء أثناء التدريب، وطالبوا اتحاد اللعبة بإجراء جولات ميدانية تفقدية على البيوت الرياضية، وأن تكون هناك اجتماعات للتواصل بين اتحاد اللعبة وأصحاب البيوت الرياضية والمدربين، للتعرّف إلى مشكلاتهم.
¶أسعار خارج التغطية
لا يوجد قانون، كما علمنا، يلزم صاحب النادي بتحديد قيمة المبلغ الذي سيتقاضاه من اللاعب، وفي معظم الأحيان يتناسب السعر مع تصنيف النادي، ولكن تبقى أسعار بعض الأندية مرتفعة جداً مقارنة بدخل الفرد.
بعض الشروط الواجب توافرها للحصول على ترخيص
- وجود مدربين متخصّصين في الألعاب المُمارَسَة.
- وجود مقرٍّ مناسب فنياً لممارسة الألعاب.
- تعهّد صاحب الترخيص بتحمّل المسؤولية في حال حدوث أيّة مخالفة لهذا النظام، أو أنظمة الاتحاد الرياضي العام، والجهات العامة الأخرى.
- تعهّد خطي بتمويل البيت الرياضي ذاتياً.
- يجب أن يدير البيت الرياضي صاحب الترخيص، وتقع على عاتقه مسؤولية التعاقد مع مدربين معتمدين بشهادات من الاتحاد الرياضي العام.
- يلتزم البيت الرياضي بالتسميات العربية عند الإشهار.
- يلتزم البيت الرياضي بتوفير السجلات والوثائق الخاصة بالمنتسبين.
- أمّا تصنيف البيوت الرياضية، فهي تصنّف بحسب عدّة شروط وعلى ضوئها يتمّ منح الدرجة الممتازة أو الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية، مع العلم بأنّ آخر درجة تنصّ على ألا تقلّ المساحة الكلية عن 100 متر مربع، من ضمنها صالة مساحتها 50 متراً مربعاً.
رأي محايد
من كلّ ما تقدّم نرى أنّ البيوت الرياضية يجب أن تخضع لاتحادات الألعاب التي تُمارس فيها، بحيث تُمنح هذه الاتحادات المزيد من الصلاحيات، لأنّه ليس من المعقول أن يتمّ افتتاح بيت رياضي يمارس لعبةً معينةً، كبناء الأجسام، دون علم اتحاد اللعبة، كما يجب أن يكون هناك تعاون أكبر بين اتحاد اللعبة وفروع الاتحاد الرياضي في المحافظات.
أمّا بخصوص المدربين، فيجب أن يكون المدرب حاصلاً على الشهادات المطلوبة، ولا يكفي أن يكون الشخص بطلاً ليدرّب، لأنّ البطل ليس بمقدوره دائماً أن يصنع بطلاً.
وفيما يتعلق بالأسعار، يجب أن تحدّد من قبل الجهات المتخصصة، وألا تكون مفتوحة لكي لا تصبح هذه البيوت حلماً لأصحاب الدخل المحدود.
هاني البيات
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد