«ظافر يوسف» موسيقا تنير درب الروح
في حفلةٍ واحدةٍ فقط، استضافت دار الأوبرا، أمس الأوّل، الملحن والفنان التونسيّ «ظافر يوسف» الذي قدّم أمسيةً موسيقيّة، حملت عنوان «درر أبي نواس»، وذلك احتفاءً بانتهاء موسم الدار للعام 2009-2010. صاحب «ظافر يوسف» على المنصّة كلٌّ من عازف البيانو الأرمنيّ «تيغران هاماسيان»، وعازف الكونترباص الكنديّ «كريستوفر جيننينغز»، ومن بروكسل عازف الدرامز «ستيفان غاللاند»، وتولّى هندسة الصوت الألمانيّ «كريستيان أولبريخ»، لينتج عن هذا التلاقي موسيقا من كلّ العالم، خاطبت القلب والعقل والروح.
من المثير جداً، الاستماع إلى الموسيقا التي يقدّمها التونسيّ «ظافر يوسف»، الذي منذ انطلاقته الأولى رسم نمطاً خاصاً ومتفرّداً لنفسه، فمزج العديد من الأنماط الموسيقيّة الغربية والشرقيّة معاً، كما طوّر أسلوباً غنائيّاً فريداً منطلقاً مما تعلّمه في طفولته في دروس تلاوة القرآن، ومن عمله كمؤذن.. كلّ هذا جعل من الموسيقا التي يقدِّمها «ظافر يوسف» عالميّة، تحرِّكك ومشاعرك كيفما تشاء، فتدفع بك إلى الرقص تارةً، أو تبكيك تأثُّراً تارةً أخرى.
في أمسية «درر أبي نوّاس»، قدّم «يوسف» تجربته الموسيقيّة الأخيرة، التي رغم تنوّعها الكبير، إلا أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة التي انطلق منها، وبذكريات الطفولة.
في الأمسية، يتعاون «يوسف» مع نخبةٍ من أمهر العازفين، تلاحموا معاً في وحدةٍ تكاملت لتقدّم ما يُدهِش، وجعلت من خشبة مسرح الأوبرا معبداً احتضن طقساً روحيّاً وصوفيّاً، أبطاله «الحلّاج» و«أبو نواس» شعراً وفكراً، يلمسان الحضور بشفافيّةٍ وقوّة رغماً عن السنين التي تراكمت بعد غيابهما.
تسمو بك موسيقا «يوسف» إلى بعدٍ روحيٍّ مختلف تماماً عمّا تعرفه، فهي تحمل في طيّاتها روحاً تصوفيّة خالصة، حافظ عليها «يوسف» منذ بداياته، لتبقى حاضرةً بوضوح، سواء إن كان ما يقدّم من موسيقا إلكترونيّاً أم ينحو نحو موسيقا الجاز.
في تلك المسافة ما بين الوعي لما تسمعه وبين روحك التي تلامس النجوم، ينتشل «يوسف» من أعماقك الحزن والشجن والفرح والحب، يداعبها ويشكّلها، حتى لتشعر وكأنّه لسان حالك، يحكي قصّتك ويصوّر رؤاك، وينتقل بالأحاسيس إلى أبعد نقطةٍ، حيث يندمج الكلُّ في واحدٍ، منه كلّ شيء وإليه كلّ شيء، في حلقةٍ تدور بك وبالعالم في استمراريةٍ، ودونما نهاية، كرقصة الدراويش.
يقول «ظافر يوسف» واصفاً رحلته الموسيقيّة الأخيرة هذه: «إنَّ مقطوعة «درر أبي نواس» ليست رحلتي وحدها، بل هي الدرر الخاصة بي، وقد تكون تلك الخاصة بكم. فهي تقصّ حكاية التصوّف والروحانيّة والحب، معيدةً التاريخ إلى الحياة من خلالنا. وأنا كعربيّ، أشعر أحياناً بأني أنتمي إلى هذا الزمان، أو ربما إلى زماني أنا».
تغيب الموسيقا، وينحني من على المنصّة وسط تصفيق وهتاف الحاضرين، وتعود إلى الواقع بطريقةٍ مختلفة، وأنت تحمل في روحك ما أهداك إيّاه «ظافر يوسف» ومَن معه من لحظاتٍ فيها التجلّي والحلم والنعمة الروحيّة، والجمال كواقعٍ محسوس.
أبو نواس
هو «أبو علي الحسن بن هانئ»، المعروف بأبي نواس، ولد في مدينة الأحواز من بلاد خوزستان جنوب غربي إيران سنة 762م، لأبٍ دمشقيٍّ حكميّ، وأمٍّ فارسيّة، والمرجح أنّ والده كان من جند مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أميّة في دمشق. وعُرف أبو نواس بشاعر الخمر، لأنّ أهمّ ما في شعره هو «خمرياته»، التي حاول أن يضارع بها «الوليد يزيد» أو «عدي بن يزيد» بطريقٍ غير مباشرة. وقد حذا بنوعٍ خاص حذو معاصره «حسين بن الضحاك الباهليّ»، الذي لا شكَّ في أننا لا نستطيع أن نجد بينه وبين أبي نواس فوارق روحيّة.
يزن أتاسي
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد