جيــل جديــد وفنــون ســورية جديــدة
في العام 2005 قدمت من أستراليا إلى دمشق وبيروت، لأعرض أعمالا أخذت من مصطلحات فنون ما بعد الحداثة مثل «التجهيز installation» و«الفيديو آرت video art « و«الأداء الحي»performance.. بعد خمس سنوات.. ومع تكاثر المؤسسات الخاصة وتزايد السياحة والخدمات والنشاط السياسي والتعليمي والتي رافقها نشاط في الحركة الفنية من قبل مؤسسات متنوعة في أهدافها، وبعد العرض الذي قدّمته هذا العام في صالة قزح حيث طغى مصطلح «فن الإعلام media art» على هذا العرض والذي استخدمت فيه مواد التصوير الضوئي photography والفلم والفيديو film & video وبموضوع متميز جاءت أفكاره من أحداث 11 أيلول ومسألة الانتماء الذي شغلت بال العرب والمسلمين عالمياً وخاصة في الغرب وبعد هذا التاريخ؛ وجدت بعد هذا العرض أن تلقّي الأساليب غير المعتاد عليها أمر مرحّب به أكثر من قبل. وقد يكون بعض فناني «الجيل الرابع» ومعرضهم خلال «دمشق عاصمة للثقافة العربية» ومحاولات جماعة «كل الفن الآن» وصالات خاصة أخرى بتمرير بعض الأعمال المختلفة عما كان سائداً وخاصة تجربة بثينة علي في فن التجهيز قد سهل عملية تقبُّل الجمهور السوري لنوع كهذا من الفنون.
كان هدفي في السنوات الأخيرة، وأنا مقيم في أستراليا، متنقلاً بينها وبين أميركا، هو التوجه إلى بلدي سورية للمساهمة في نشر هذا النوع من الفنون، وذلك للمسارعة في مواكبة العصر وتياراته الفنية. خطتي كانت بتكثيف عرض أعمالي في العاصمة، وبفتح صالة مختصة بتشجيع وعرض تجارب جديدة كهذه لتمشي جنباً إلى جنب مع أنواع الفنون الأخرى السائدة كالتصوير والنحت، وليس لمحاربتها أو القضاء عليها.. فالتيارات والأساليب الفنية كافة تتواجد إلى جانب بعضها في العالم أجمع ومواكبة المعاصرة أمر ضروري.
إن وجود الجامعات الخاصة في سورية كجامعة القلمون ساعدني في اتخاذ قرار العودة إلى سورية للمساهمة في النهضة الفنية التعليمية في حقل التصميم والفنون الجديدة والبدء بتحقيق هذه الفكرة وخاصة باستحداث مادة «الفن الآن» التي تُعرّف الطلبة بما يجري في ساحة الفن عالمياً وعربياً من الناحية النظرية والعملية، وتعريفهم على كل التيارات الفنية المعاصرة والتي ذكرتها أعلاه.
من أهم العوامل التي ساعدت على تطور هذه الفنون عالمياً هو خاصية التداخل أو التهجين وما يُسمى بالإنكليزية inter-disciplinary أو hybrid-art أي تداخل الفنون مع بعضها أو تداخل الفن مع اختصاص آخر كالفلسفة أو العلوم الأخرى كافة.. ولهذا فإن فكرة استقبال طلاب من كليات أخرى هي خطوة رائدة لتطوير أو «تلقيح» الفن السوري المعاصر ليواكب مسيرة الفن العالمي المعاصر.
في الحقيقة كان عمل الطلاب في هذا المقرر الاختياري، والذين لا يتجاوز عددهم الأربعة عشر، في غاية الأهمية من حيث المواضيع ومن حيث أشكال العروض.. ونتيجته جاءت مرضية وصائبة كتوقعاتي قبل البدء في تطبيق المقرر الذي سيتم تطويرة فصلاً بعد آخر ليكون هؤلاء الطلبة نواة التحديث على ساحة الفنون المعاصرة السورية والعالمية.. وهذا يتحقق بمواكبة خاصة لهم من قِبلي بعد إنهائهم للمادة ودعم الجامعة لنشاطاتهم خارج الجامعة. وكحصيلة لهذا الدعم تُعرض هذه الأعمال في صالة الفنون الجديدة بمدينة الحسكة والتي أسستها شخصياً وبصالة «رواق القشلة» في مدينة دمشق القديمة والتي يشرف عليها الفنان مصطفى علي. وبما أن الفنون الحديثة صعبة الاقتناء وهدفها الأول ثقافي تطويري؛ فالدعم المادي هو أساس لنجاحها وتطويرها.. ومن هنا جاءت ضرورة مثل هذا الدعم لعروض الطلبة خارج الجامعة. وأذكر هنا على ضرورة دعم المؤسسات الفنية السورية الحكومية للفنانين الذين لا هدف تجارياً لأعمالهم، أو تجريبياً والناشطين على الساحة الفنية كما تفعل باقي الدول كأستراليا، حسب تجربتي الخاصة.
إن فكرة تقديم أعمال الطلبة في صالات الفن السورية هو مدخل تجهيزات ليتلقى الطلبة آراء الحضور إلى جانب رأيي أو رأي زملائهم أثناء مناقشة أعمالهم داخل الصف وأثناء العرض الذي حصل في مبنى الجامعة، وهذا باعتقادي خطوة للتفكير الذاتي لكل طالب في جدوى عمله الفني وإزالة الشكوك لديه إذا كانت موجودة في مدى تلقي الجمهور لهذا النوع من الأعمال.
في عملها المعنون «لؤم» تدعو الطالبة دانة دعبول الجمهور لمشاركتها بكتابة الشعور السلبي الذي يتملّك الشخص المتفرج على حبات البطاطا المتكوّمة على الأرض والموضوعة إلى جانب نص كَتبته على الحائط بقلم الرصاص عن قصة لناسكين ينتميان إلى مذهب «زن».. وتتمحور فكرة وتجهيز دانة حول مجريات هذه القصة التي خلاصتها هي الدعوة للتخلص من الشعور والتفكير السلبي الذي ينتاب الكائن الإنساني. اختارت دانة مجموعة من الكلمات السلبية التي تنتابها أو تنتاب أفراد عائلتها أو أصدقاءها، وكتبتها على عدد كبير من حبّات البطاطا، وتركت البطاطا في مكان رطب لتتجذر مع الزمن؛ لإيصال فكرة أن هذه المشاعر السلبية قد تتطور وتتفاقم مع الزمن كتكاثر هذه الجذور.. بالإضافة إلى أكوام أخرى من البطاطا، وأقلام ليكتب عليها الجمهور ما يعتقدون أنه ضروري للتخلص منه.
فكرة الانتشار أيضاً ـ بالمعنى السلبي غالباً - وجدت في تجهيز الطالب حسين الحصيني في عمله المعنون «إشاعة» حيث استخدم مواد متنوعة لبناء هذا التجهيز؛ فعلى خلفية حمراء ممتدة لتغطي الأرضية ثُبت فم كبير مفتوح على الحائط وبداخله كلمات مقصوصة من الورق تتبعثر للخارج لتتموضع في أماكن مختلفة على الحيطان والأرض، وبالتالي لتشكل كرة من الكلمات تذكّرنا بكرة الثلج الصغيرة التي بتدحرجها تزداد كبراً. حبات القهوة على الأرض وكرسي في منتصف الفم ليجلس عليه المتفرجون ويلتقط الصور لهم.. يرافق العمل مؤثرات صوتية هي عبارة عن أصوات أناس يتكلمون بكلمات متداخلة غير مفهومة وضجيجهم يملأ المكان. إنها «الإشاعة» التي تكبر من فم إلى فم، حيث الجمهور بدوره يشارك بتكبير كرة من الكلمات بالتقاطه لبعض الكلمات التي لا معنى لها والموضوعة بجانب الكرة ولصقها لتكبر الكرة. ولكن يبدو حسين مثله مثل دانة يدعوان إلى التخلص من هذه الثقافة السائدة في مجتمعنا؛ فتجهيزه يحوي أخشاباً تبدو كمشانق لهذه الإشاعات، علّق بنهايتها كلمات صدر حكم العصرعليها بالزوال.
..«من هو الشخص الذي يستحق الشنق؟» هو عنوان عمل وسؤال الطالبة سهى هاشم للجمهور. أهو الشخص الذي حكمت عليه المحكمة بحكم كهذا؟ ماذا عن المثل الشائع «ياما بالحبس مظاليم»؟!. ماذا عن الذين يستحقون الشنق فعلاً وهم الآن متمتعون بالحياة! على هذه العبارات تبني سهى تجهيزها الذي يكتمل أيضاً بمشاركة الجمهور في محاولتها لاستدراجهم للجواب عن سؤالها. وضعت سهى حبل مشنقة بأسفله كرسي قديم كرمز لقِدَم نوع كهذا من الإعدام كما تقول، والذي ما زال يُنفذ حتى الآن.. وحبل غسيل ليكتب المتفرجون جوابهم ويعلقوه على الحبل لتنكشف آراؤهم للآخرين. كلمات مثل: لا أحد، الخائن لبلده، حماتي... وكلمات أخرى علقت على هذا الحبل. وحسب ما ذكرت سهى أن قيمة هذا العمل جاءت من أن «الفكرة تماشت مع جميع مستويات تفكير الناس».
وتبعاً لرأي الطالبة رغد حيدر أن المال هو كل شيء في الحياة، وهو السعادة، وكل من لا يعمل لا يعيش سعيداً؛ فلا حياة دون مال، حيث الغني يعيش برفاهية، والدخول إلى المشفى للولادة غير ممكن من دون مال. ولدت فكرة الأداء الحي من الرأي الخاص لرغد عن المال، فأحضرت عملات نقدية من جميع أنحاء العالم لتعمّم فكرتها عالمياً، وليس محلياً فقط، ووضعتها بتخييطها على فستان، فبدا وكأنه فستانٌ (قماشه من النقود)، وصنعت حذاء وقبعة بالطريقة نفسها.
لبست رغد هذه الأشياء متنقلة بين الجمهور، حاملة بيديها لافتة كُتب عليها «هل تستطيع أن تنكر أنني أهم شيء في حياتك؟» سؤال آخر للجمهور عن أهمية المال ليفكروا فيه وليكون الجواب محاكمة ذاتية غير معلن عنها، وليست كما في مشاركات الجمهور المعلنة في تجهيزي دانة وسهى.
اما الاداء الايقاعي الذي ألفه وصمم شكل العرض له بشار صالحة ومدته 5 دقائق سيُقدم في الهواء الطلق. يرافق هذا الأداء عرض فيديو جُمعت صوره من أفلام ووثائق عن حروب حصلت تاريخياً أو صُممت في استديوهات السينما. تستخدم الفرقة المؤلفة من خمسة أفراد أدوات معدنية جمعوها من نفايات ورش البناء والمصانع. براميل وتنك وقطع حديد وعلب دهان، حيث يؤدي عليها أفراد هذه المجموعة ايقاعاً متميزاً والتي فكرته مستمدة من ايقاعات الحروب القبلية الى ايقاعات حروبنا المعاصرة وذلك ضمن أداء جسدي مُنهك قد يوصله الى حالة الموت كما تفعل به الحروب فعلها. وعمل بشار التجهيزي المعنون «بيت الراحة» فقد جاءت فكرته من مدى أهمية المرحاض وخصوصيته في حياتنا المعاصرة، فباتت شركات التصاميم تتنافس في تطويره فهو المكان الذي يأخذ الجسد فيه راحته القصوى أو مداه. كرسي تواليت مسبق الصنع فتحته السفلية مضاءة لصقت عليه بطريقة فن الكولاج قطع من أقمشة ملونة جُمعت من بقايا الخياطين. هذا الكرسي موضوع في مكعب جدرانه من قماش بنفسجي، حيث المتفرج مدعوّ للدخول والجلوس عليه من بوابته الصغيرة مما يجعله ينحني ليتمكن من الدخول.
أعمال احترافية
تتسم أعمال الطالب سعد سعد الغرافيكية وتصاميمه للـ T-shirt بأنها أعمال احترافية؛ فهو قد باع عبر الإنترنت - الأداة الجديدة للتسويق - بعض هذه التصاميم لشركات خارج سورية. وعمله تجهيز الفيديو الأول له يقع ضمن هذا التصنيف الاحترافي؛ فهو يعمل بطاقةٍ كبيرة وبرؤيةٍ عملية وتقنية جيدة. سبعة أجهزة تلفزيونية في غرفة مظلمة نوعاً ما تبث ثلاثة أعمال فيديو للفكرة نفسها صوّرها ومنتجها وأضاف مؤثراتها البصرية والسمعية. سمكة حقيقية كبيرة وكاملة.. رأسها فقط موضوع في كأس لا ماء فيه، وصور ضوئية معلّقة على الحائط وبين التلفزيونات لشخص شُوّهت ملامحه باستخدام تقنيات الكومبيوتر. تدور فكرة العرض حسب كتابة سعد حول محاولة هرب الإنسان من واقع حياته، ومن قيود الحياة والمجتمع التي لا يمكن الهروب منها، لأنها تتحول مع الوقت إلى نوع من أنواع الخوف الذي سيلاحقك أينما ذهبت. فكرة الخوف النظرية عند سعد تُوّجت بشكل فعّال عملياً؛ فطريقة عرضه مقلقة، والمؤثرات الصوتية والبصرية التي تنهي الحبكة تترك نوعاً من الخوف أو الرعب لدى المتفرج.. والتي كانت الهدف الأول لسعد.
باستخدامه لبرنامج 3D MAX قامت فكرة الطالب حسان زحيمان على تناغم الصورة واللون والحركة والإضاءة مع الموسيقا، حيث نرى مجموعة من الكرات الملونة تتراقص وتتغير حركاتها وألوانها مع حركة الكاميرا وتبعاً للنغمات الموسيقية التي ألّفها شخصياً والتي شكّلت الأساس لحركة الصورة المنسجمة مع الصوت. حقق حسان العرض على ثلاث شاشات بقياسات كبيرة متقابلة نوعاً ما لتجعل عين المتفرج تلتقط مشهد الشاشات الثلاث بالتطابق مع العرض البصري الموسيقي فيها، ومجموعة من الطابات الملونة التي حصل عليها من السوق موزعة في الفراغ لتشكل مشهدا متجانسا مع الكرات الراقصة على الشاشات الثلاث.
وباستخدام الفيديو أيضاً قدم الطالب جرجي ميسي طريقة عرض مبتكرة، حيث نرى شاشتين محاطتين بقماش أسود، وأسطوانة مصممة من الورق المقوى المدهون باللون الأسود. على هاتين الشاشتين فيديو مدته خمس دقائق بعنوان «تاريخ يجب ألا يكون»، يعكس ما نعيشه اليوم من عنف، ويعبر عن تساؤلات يطرحها حول الأحداث التي تجري حول العالم.. وكأن جرجي باختياره لعنوان كهذا يعبر عن رفضه للعنف الإنساني عبر التاريخ. جمع جرجي لقطات نراها في أقنية التلفزيونات العالمية والإنترنت؛ التي تحاول ترسيخ فكرة أن البلدان العربية هي موطن للعنف والعنصرية، ولكن معالجته جاءت نقيضة لهذه الفكرة حيث إن المَشاهد التي استخدمها كانت عبارة عن لقطات عنف حصلت في أوروبا وأميركا أو ما يسمى (الغرب) حيث وضع هذه المشاهد جنباً إلى جنب مع مشاهد رقص وحركات جسدية تؤدى ضمن مساحــات لونيــة حمراء بتقطيع رتيب مع الموسيقى الجاهزة التي استعملها كمؤثرات صوتية.
أما «المكعب الدامي» فهو عنوان تجهيز الطالب فراس معروف، والذي جاءت فكرة وتكوينه لكتلة هندسية في الفراغ من دراسته للمجرة الكونــية حيث الكواكب تشكل عملاً فنياً خارقاً بامتياز.. تلك الكــرات التي تحوي ما تحويه ككرتنا الأرضية التي تهزها الكــوارث الطبيعية والحروب المصطنعة؛ فجاءت فكرته التي محورها العنف متممة لفكرة جرجي، ولكن بمواد ومعالجة مختلفة تماماً، وهذا يدل على أن طرق التعبير في الفنون الجديدة تختلف من فنان لآخر، وأدوات معالجة الفكرة الواحدة قد تختلف كلياً.
مكعب أسود معلق بالفضاء، تخرج منه مسامير وأسلاك شائكة، يدور حوله المتفرج قبل أن يكتشف أن هناك فتحة بأسفله تتسع لشخص واحد، فينحني ويدخل في الفتحة ليصبح الجزء العلوي من جسده داخل المكعب وكأنه جزء من العمل أو مكمل له. في الداخل حيطان حمراء ومرايا تعكس وجه المتفرج جنباً إلى جنب صور من حروب وأجساد يبدو عليها الإنهاك والألم موصولة بأسلاك شائكة تمددت خارج الكتلة لتحوي الجمهور المقترب من هذه الكتلة السوداء ومجموعة من الشموع على الأرض، مضاءة من أجل أرواح ضحايا الحروب.
الماضي والبشر
وتأخذنا الطالبة رزان مليسان إلى الذاكرة بعيداً عن العنف والقضايا، تأخذنا ببساطة تجهيزها إلى الماضي والتعامل مع أدواته بمحبة وحنان، في محاولة للفت الانتباه إلى تغير واختلاف حياة الإنسان وطريقة عيشه وتفكيره مع مرور الزمن وإلى ربط تغير الفنون بالتغيرات التي تحدث كنتيجة حتمية للتطور. مدفأة قديمة ملونة بألوان زاهية لافتة للانتباه متدخلة في التصميم التقليدي للمدفأة، وكرسي خشبي صغيرمقشش وملون بالأسود والأبيض وضع على بساط يدوي قديم الحياكة أيضاً وبجانب حائط لصور قديمة بالأسود والأبيض. وكما تكتب رزان أن هدفها من جعل الصور والكرسي بالأسود والأبيض هو «إيهام المشاهد بوجود إنسان يجلس على هذا الكرسي وهو في حالة تأمل هذه الصور واسترجاعاً لذكرياته».
وترمز الطالبة ليلي نادر في عملها «إنسان» وهو عبارة عن شجرة مصنوعة من قضبان حديدية ملفوف على أغصانها المعدنية قماش ملون.. إلى التقاء القاسي/ الحديد، مع الناعم/ القماش «تعبيراً عن الإنسان» حسب كتابتها، وأن الجسد الإنساني بقوته هو كتلة الحديد الصلبة، وروحه هي القماش الملون الدال على غنى النفس الإنسانية وتعدد الرغبات كتعدد الألوان المستخدمة. ومن خلال دراستها للمدارس الفنية عبر التاريخ الفني لاحظت الطالبة هنادي مالك أن هناك تقييداً لوجــهة نظر الطلبة على أن هذه الأعمال كاملة ولا يمكن الخــروج عنها. فكانت فكرتها بأن تطرح السؤال الذي راودها علناً للجمهور: ماذا لوعدّلنا على أعمال بيكاسو، أو تخطينا المدارس الفنية السابقة على سبيل المثال؟ فاستخــدمت في العمل لوحة بيكاسو «نساء أفينــون» مطبوعة بقــياس كبــير ولوحــات لفنــانين من مدارس أخرى، وطلبت من الجمهور بأن يتدخل بواسطة الألوان والفراشي التي وضعتها بجانب اللوحات ليضع انطباعاته اللونية على اللوحة.. فكانت النتيجة لوحات مختلفة تميل إلى التجريدية وفن الغرافيتي (فن الرسم على حيطان الشوارع).. إنها جرثومة القرن الواحد والعشرين، إذا شئت أن تطلق عليها هذه التسمية؛ حيث التغييرات تجتاحنا بسرعة هائلة وتؤثر على رؤيتنا ليس في الفن والتصميم فقط بل في طرق القراءة والحياة وفهمها. «قناع» هو عنوان العمل الغرافيتي التجهيزي الذي ركبت جدرانه نور الصالح وفكرته مستمدة من تعدد الوجوه أو الشخصيات أو التصرفات عند الأفراد في المجتمع. فالقناع المرسوم على جدارالكذب المركب والذي تكسرت نهايته في محاولة من نور لتدمره أو تنظفة أو تهذيبه، فرسمها لجهاز التنظيف الكهربائي يقرب هذه الحالة الاجتماعية بالواقع اليومي المعاصر.
أفكار شخصية أو مستمدة من المجتمع أو من الحياة اليومية ومن تجربة الشباب السوري الخاصة، وتعكس طريقة جديدة وشكلاً جديداً وتطرح أدوات جديدة للمشاركة في رسم مستقبل الفن السوري الى جانب الفنون السائدة حالياً.
يعتقد المشاركون في هذا المعرض من الطلبة السوريين الشباب أن هناك إقبالاً على الفنون الجديدة في سورية.. والمشكلة كما كتب الطالب حسين الحصيني: «ليست في المواطن السوري، بل من القائمين على الفن والعاملين فيه». ويتابع بأن هناك افتقاراً لوجود الجمهور العادي في أماكن عرض الفن في سورية، حيث أن الأعمال المطروحة هي لفئة معينة فقط والتي أسماها «الفئة الذواقة للفن». فاللوحة, وهي السائدة في سوريا ومع ارتفاع سعرها باتت موجهة للمقتنين فقط وخاصة الغربيين المقيمين في سوريا والذين بدأوا يتكاثرون في شوارع دمشق والفنانين الذين تباع أعمالهم. إن الفنون الجديدة كالتي يعرضها الشباب السوري في هذا المعرض وببــساطة «لا تفرق بين الناس» كما كتب عنها في دفتر ملاحظــات الجمهور، ربما لأنها خاضت في أعماق المتفرج أكثر من اللوحة المرسومة. تكتب الطالبة سهى هاشم أن: «هذه الفنون تسمح للفنان وتعطيه الحرية باستخدام أدواته، وجرأة في التعبــير، وتجعله يصل إلى أقرب نقطة من هدفه في الفــن الذي يقدمه». وتقول الطالبة دانة دعبول إن ادخال الأساليب الجديدة في سورية هو ضروري جداً لأنه طريق للتحرر من التحجر بالتفكير.. وبالتالي فإن التحرر الداخلي هــو وسيلة للتطور. أما الطالب سعد سعد فيقول: «إن هـذه الفــنون تتناسب مع حداثة العصر وتنسجم مع التطور الفكري» ويتابع: إن كل شيء يتطور، وأدوات الفنون أيضاً يجب أن تتطور، ومن حق المتفرج السوري أن يتعـرف إلى هذا التطور.
شابات وشباب، طالبات وطلاب لمستُ فيهم روح التعلم والخوض في تجارب التجديد، وتأكدت أن اختلاف التفكير بين الأجيال هو عامل مهم في التطور، خاصة في المجال الفني. فإعطاء الحرية في التفكير وتطوير أفكار الشباب هو ما نحتاجه في مؤسساتنا التعليمية والإشراف على هذا التطوير وليس بفرض أفكارنا عليهم أو إملائها، بل بمساعدتهم ومرافقــتهم ليجدوا خطهم الفني في كل مجالات الإبداع.. فالحياة دائماً تُملي علينا التغيير والتطوير.
فصيح كيسو
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد