الفاشية الأميركيّة خطر يتهدّد الأميركيين
الفاشية الأميركية تُطل برؤوس كثيرة مقنّعة. بعضها يأخذ شكل معاداة بناء المساجد في حيّ منهاتان وسط نيويورك، فضلاً عن العديد من المدن والولايات الأخرى. وبعضها الآخر يعادي وجود اللاتينيين والصينيين، بحجة أنّهم يسرقون الوظائف. يكاد هذا الوضع يكون الأكثر تعبيراً عن الشحن الفاشي الذي تحركه شاشات التلفزة الموجّهة، لكنّه ليس معزولاً عن الصورة العامة، حيث الفاشية تتسع لتشمل كلّ الجاليات، وتنذر بنشوب نزاعات بين الأقليات المتنوعة مع تصاعد العداوات جراء سوق الوظائف الضامرة. أما الحلول الرسمية فكرست ظاهرة أخطر، هي الشراكة بين الدولة والشركات العملاقة. وضع شبّهه خبراء كبار بما وقع في أوروبا عند نشوء الفاشية
- يشبّه بعض المثقفين المكسيكيين الأميركيين المذيع التلفزيوني والإذاعي لو دوبس بالملك البلجيكي ليوبولد الثاني، الذي قضى على نصف سكان الكونغو في القرن التاسع عشر، وبنى العاصمة ليوبولدفيل لتخليد اسمه على كل تلك الجماجم. لا يفوت لو دوبس في برنامجه الإذاعي مناسبة من دون تسعير العداء لملايين المهاجرين الذين «يسرقون وظائف الأميركيين». يجري التحريض العلني على «لصوص الوظائف» ليذكر بالفاشية الإيطالية قبيل الحرب العالمية الثانية، التي حملت بنيتو موسوليني إلى السلطة. وفي زمن الأزمة الاقتصادية الأميركية المتفاقمة تتخذ حملاته، وحملات المنظمات الصهيونية المعادية للإسلام، بعداً خطيراً على الأمن الاجتماعي الأميركي. أمر خلص إليه رئيس معهد أبحاث «ترندز» جيرالد سيلانتي، الذي كان على رأس من توقعوا الأزمة المالية التي لم تنته فصولها بعد.
يعتقد سيلانتي أنّ الولايات المتحدة مقبلة على موجات عنف في منتهى الخطورة، وأنّ الدولة تمارس الفاشية في معالجاتها للأزمة المالية. إنّها لا تعالج أزمة الفقراء وترفع الضرائب على الأغنياء لكي تحل مشاكل الضعفاء في المجتمع، بل ضخت تريليونات الدولارات في جيوب الأغنياء، وفي مقدمتها المصارف وصناعة السيارات والصناعة العسكرية، لمواصلة سيطرتها على الجميع. وحذر في كتاباته الأخيرة من مخاطر هذا الأسلوب على مستقبل العالم انطلاقاً من الولايات المتحدة نفسها.
وقال سيلانتي إنّ أخطر أمر يحدث هو التصاهر بين الدولة والشركات. في البداية، قالوا إنّ شركة التأمين «أيه. آي. جي» أكبر من أن يسمح لها بالسقوط. وبعدها تكررت الأقوال نفسها بشأن كبرى المصارف وشركات التسليف العقاري، وشركات قطع غيار السيارات، ثم شركات التقنية العالية. مظاهر للشراكة بين الدولة والأثرياء. شراكة شبهها في لقاء تلفزيوني بزعماء المافيا وعائلاتها، «عائلتا بوش وكلينتون تمارسان الحكم منذ ربع قرن، فيما أحضر الرئيس باراك أوباما خبراءه ومساعدوه من النظام القديم، زاعماً التغيير».
وبذلك، ضخت حكومة أوباما في جيوب الشركات العملاقة المتعثرة منذ آذار 2009 ما يعادل 13 تريليون دولار حتى منتصف العام الحالي على حساب بقية المواطنين. هذه المصارف تعيد إقراض الأموال المقدمة بتسهيلات خيالية بزيادة تصل إلى 300 في المئة أو أكثر ممّا يكلفها.
سيلانتي توقع قبل عامين أن يتطور الوضع الاقتصادي المتردي بسبب المعالجات الفاشية القائمة إلى انتفاضات شعبية تبدأ برفض دفع الضرائب للحكومة بعد فقدان الوظائف وأموال صناديق التقاعد والاستثمارات وحتى مخاطر فقدان قيمة العملة التي يحملونها، الدولار. وقال إنّ القوانين الأخيرة لإصلاح المصارف تسمح بفرض المزيد من الضرائب على الفقراء ولا تمسّ جيوب المصارف وأرباحها الهائلة.
المفكر الأميركي شبّه كيفية «سلق» قانون الإصلاح المالي الأخير بالحملة النفسية التي مُهِّد لها قبل غزو العراق. إذ حُذِّر آنذاك من مخاطر التغاضي عن خطر الغازات السامة والقنابل النووية التي يمكن أن يستخدمها العراق إذا لم يُعمَل شيء. بالطريقة نفسها زرعت الإدارة الأميركية الرعب في قلوب المواطنين من الانهيارات الكارثية إذا لم تُقدَّم المساعدات المالية الهائلة. وكانت النتيجة أن تفاهم الكونغرس بطرفيه الديموقراطي والجمهوري على طبخة مالية واحدة لإنقاذ «أيه. آي. جي» وكان على رأس المنقذين من خارج مجلس الاحتياطي الاتحادي والإدارة الأميركية المدير التنفيذي لمجموعة «غولدمان ساكس» المصرفية، لويد بلانكفاين. وجاءت إدارة أوباما بشخصية من «غولدمان ساكس»، هو إد ليدي ليدير شركة التأمين العملاقة المتعثرة «أيه. آي. جي.». كل هذا في الوقت الذي تعرض فيها «غولدمان ساكس» لأضخم فضيحة استثمارية أخلاقية بالاحتيال والتلاعب على عملائه. فضيحة خرج منها بأرباح قاربت 13 مليار دولار، بينما جرت التسوية معه بقيمة 550 مليوناً.
من جانب آخر، يحذر سيلانتي من أنّ الولايات المتحدة فقدت الحصانة الأخلاقية على يد قادتها، ما يهدد باندلاع ثورات داخلية وأشكال تمرد خطيرة. فهي لا تتورع عن استخدام جنودها في قتل السكان الأبرياء في الدول التي تغزوها، كالعراق وأفغانستان وباكستان، بالرغم من أنّ الحرب قامت على حجج كاذبة. هذه الممارسات أفقدت المواطن الأميركي الشعور بأنّه يقدم الطاعة ويدفع الضرائب لنظام يحمل مبادئ ديموقراطية ويدافع عن حقوق الإنسان. وبالتالي، فإنّ ظواهر مثل تسريب آلاف الوثائق من الأسرار من البنتاغون وغيره (كما فعل موقع ويكيليكس)، ما هي إلا تعبير أولي عن «الرفض لممارسات الفاشية».
قد تبدو الثورات التي يتحدث عنها سيلاني بعيدة، أو قد لا تأتي إلا بعد تفجر الأزمة المعيشية. لكن الغلاء بدأ يعضّ بأنيابه الطبقات الفقيرة في الأسابيع الأخيرة بوجه خاص. لكنّ الحركات الفاشية العنصرية كشّرت عن أنيابها منذ فترة. فهنالك عشر منظمات معادية للمهاجرين كانت وراء العديد من التشريعات التي سُنّت في بعض الولايات لإطلاق يد الشرطة في ملاحقة الأجانب على الشبهة وفي أي مكان. تقول هذه المنظمات بأنّ هناك تواطؤاً بين الحكومة المكسيكية والجالية الناطقة بالإسبانية في الولايات المتحدة لفصل الجنوب عن الشمال. وتطالب «المنظمة الأميركية لتقييد الهجرة» في سان فرنسيسكو مع شريكاتها بالتصدي للمؤامرة بشتى الوسائل. أما المنظمات اليهودية، وعلى رأسها «آيباك»، فتحريضها العنصري يتركز على المسلمين من أي بقعة أتوا ويقرنون أي مشاريع يقومون بها بالإرهاب.
تعدد الجنسيّة
من شارع لآخر تتغير الصورة الاجتماعية في المدن الأميركية. إذا كنت تقيم في حيّ فلاشينغ شرقي نيويورك، فعليك معرفة الصينية، وإلا يقتصر التعامل مع السكان على الأرقام المكتوبة. وإذا كنت في أستوريا، فربما تعين عليك معرفة اليونانية أو إحدى لغات البلقان. وفي جنوب حيّ بروكلين اللغة الروسية هي السائدة. غير أنّ الإسبانية مفيدة في كل الأحياء؛ لأنّ الناطقين بها باتوا يسيطرون على معظم المناطق. وفي الدوائر الرسمية والشركات تكاد تكون معرفة الإسبانية أهم من معرفة الإنكليزية. الناطقون بها سيمثّلون الغالبية في النصف الثاني من هذا القرن، حسب آخر الإحصاءات الرسمية. وسيصبح العرق القوقازي الأبيض الأقلية في الولايات المتحدة نتيجة تدني نسبة المواليد من جهة، ولأنّ الهجرة الأكبر إلى الولايات المتحدة، التي يصعب إيقافها كما بيّنت التجارب السابقة، تأتي من جنوب البلاد، من المكسيك وجاراتها.
نزار عبود
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد