«أبـواب الغيـم»: نمـوذج الدرامـا البدويـة
لا تختلف البنية الروائية الأساسية التي تقوم عليها مسلسلات البيئة الشامية عن تلك التي تقوم عليها المسلسلات البدوية. حكايات تمتد بشكل أفقي، دون تجذر، وتنهل مادتها الأساسية من إرث حكايات الجدات والذاكرة الشفهية وسواها، بكل ما تنطوي عليه من موروث شعبي وعادات وتقاليد وقيم اجتماعية ومعتقدات وخيال شعبي.. فيما يبدو «ركن» الحكاية الأساسي صراع بين الخير والشر.. وتأتي حكايات الحب والحرب والفروسية والثأر لتشكل علامات مميزة في الحكاية البدوية.. ليأتي الإطار الزماني والمكاني ويضبط مرجعيات الحكاية فيها.. وفق هذه الرؤية يمكن التعامل مع الدراما البدوية «أبواب الغيم» بوصفها وثيقة فنية (واقعية بمقدار – متخيلة بمقدار) اجتهدت في تقديم منظومة الحياة الاجتماعية للبدو بكل ما فيها من عادات وتقاليد. وقدمت عبر ثلاثة أجيال حكايات من الحياة البدوية، تميز من بينها حكايات الحب وحكايات الحرب من خلال معايشة ثلاث قبائل عربية تعادي بعضها وتنشغل فيما بينها، في ظل صراع عالمي على المنطقة. يضاف إلى ذلك الطاقة الإنتاجية الكبيرة للعمل التي انعكست في الديكور المستمد من الطراز المعماري في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية والماكياج والملابس وتعدّد أماكن التصوير.. فضلاً عن الزخم الدرامي للقصائد الشعرية في العمل والتي شكلت خطوة متقدمة في صناعة المسلسل البدوي، دون الخروج عن واقع طبيعة الحياة البدوية. فلا بذخ ومظاهر ترف دون معنى. بذلك ربما يستحق أن يشكل مسلسل «أبواب الغيم» وقبله مسلسل «قنجان الدم» وكلاهما للسيناريست عدنان العودة، بداية انطلاقة جديدة للدراما البدوية على صعيد الشكل بعد انطلاقتها الأولى في سبعينيات القرن الفائت.
العمل الذي أخرجه حاتم علي وكتبه السيناريست عدنان العودة عن خيالات وأشعار حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جاء غنياً بالتفاصيل والحكايات وتعدد الأجيال في محاولة من الكاتب الاقتراب بحكايته من حدود الملحمة البدوية. ولعله كان من الأولى تقديم حكاية العمل على جزأين، الأمر الذي قد يمنح تلك التفاصيل كثيراً من الغنى، ويساعد في التعامل مع الحدث السياسي على نحو أفضل وأكثر تماسكاً مما قدم فيه، فضلاً عن منح شخصيات الأجيال الثلاثة فرصة اختمار خيوطها الدرامية، واستفادة أكثر من الغنى الدرامي للبيئة البدوية والموروث الحكائي التراثي لأهلها في إغناء حكايات المسلسل.
أبرز ما في دراما «أبواب الغيم» هو أداء الممثل وقد ترك المخرج حاتم علي لكل عنصر من فريق التمثيل مساحة لـ«اللعب» أمام الكاميرا دون بهرجة فارغة. ومع صعوبة فهم اللهجة، شكل أداء الممثلين حاملاً للغة وشارحاً لها.. وفي هذا السياق بدا لافتاً أداء الممثل غسان مسعود في شخصية عقيد القبيلة، الذي قدّم أحد أهم أدواره. كما تميز الممثل عبد المحسن النمر في شخصية «مجول العضيدي». فالنمر هو أحد الشخصيات الرئيسية في العمل والتي تستند الحكاية عليه وبقي حاضراً من بداية العمل حتى نهايته مع الممثلة سلافة معمار في شخصية «صبحة الحفيانة»، التي تزوّجها بعد حب كبير وأخفى عليها حقيقة قتله لأبيها.. ولعل استحقاق النمر ومعمار الحقيقي كان في قدرتهما على تطويع أدائهما على مدار ثلاثة أجيال فهما عاشقان، ثم أبوان لكل منهما أبناء، ثم جدان لهما من الأحفاد من يكرر قصة حبهما بل ويعود بسببها ليجمعهما.. أما الفنان قصي خولي فقد بدا حجر رهان المخرج علي، وقدم في العمل أداءاً متنوعاً لشخصية «غازي» الداهية، والمغامر والمتمرد الذي يحرك أحداث قبيلته ويساهم في تحولات مصيرية لعدد من أبنائها.
صناعة الممثل جزء أساسي من صناعة المخرج ولعل علي يعود في «أبواب الغيم» بأسلوب تعامله مع الممثل إلى أعمال كثيرة له سابقة شكل فيها أداء الممثلين واحداً من خصائص المسلسل.. فالجميع فيه هم أبطال لافتون للنظر مهما كانت مساحة دور كل منهم. وبالإضافة إلى نجاحه في إدارة الممثل تميزت كاميرا علي في هذا العمل بحركتها الذكية وقدرتها المرنة على إظهار تفاصيل الحياة البدوية.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد