انعقاد المؤتمر 14 لدول عدم الانحياز بهافانا
تستضيف العاصمة الكوبية هافانا المؤتمر الرابع عشر لبلدان حركة عدم الانحياز، الذي يفتتح أعماله، اليوم، بسلسلة من الاجتماعات على مستوى كبار المسؤولين الرسميين ووزراء الخارجية، تمهيداً لعقد قمة رؤساء الدول الأعضاء في الخامس عشر والسادس عشر من أيلول الحالي.
تأتي قمة هافانا، التي تغيب عنها الولايات المتحدة، كعضو مراقب كما جرت العادة، بعد التدهور المفاجئ في صحة الزعيم التاريخي فيدل كاسترو، وتنحيه المؤقت عن السلطة لمصلحة اخيه راوول، حيث من المتوقع أن يعطي المؤتمر دفعاً قوياً لاستقرار الجزيرة الكوبية في ظل الانتقال الهادئ للسلطة فيها، وسط الحصار الاميركي المفروض عليها منذ أكثر من اربعة عقود.
وفي المقابل، يأمل كثيرون أن توفر كوبا، دفعاً قوياً لحركة عدم الانحياز المتهاوية، والتي ستسعى من خلال مؤتمرها إلى تجديد الدماء في أوصالها عبر خلق شبكة علاقات على مستوى دول الجنوب لتشكيل نموذج عولمة بديلة للعولمة الأميركية.
وفي هذا الإطار، يؤكد الأمين العام لجمعية الصداقة اللبنانية الكوبية موريس نهرا أنّ الحركة التي ارتبط اسمها بظروف دولية عرف خلالها العالم موازين قوى عسكرية وسياسية دقيقة، والتي شاءت بلدانها أن تقيم موقعاً لها خارج معسكري الأطلسي و وارسو ، لم تفقد أهميتها في فترة ما بعد زوال هذا التوازن، معتبراً أنها ما زالت تحمل هموم شعوبها في التحرر والاستقلال ومواجهة التبعية التي يفرضها نظام الهيمنة الأميركية على دول الجنوب، لا سيما في آسيا وافريقيا وبعض بلدان اميركا اللاتينية .
وإذ ينص نظام حركة عدم الانحياز، على تولّي الدولة المضيفة رئاسة الحركة في فترة ما بين المؤتمرين، يشير نهرا الى أنه في حال تعافى فيدل كاسترو، فمن المحتمل أن يتفرّغ لقيادة الحركة، حيث سيكون بإمكانه تثمير خبراته ومكانته كرمز لقوى التحرّر، بهدف الدفع من أجل تشكيل قوة ضاغطة في مواجهة المشاريع الاميركية. وفي حال تحقق هذا الأمر فإنّ فكرة التنحي الدائم عن السلطة ستكون مستبعدة، باعتبار أنّ رئيس حركة عدم الانحياز، بحسب العرف المتبع، يجب أن يكون رئيساً للدولة، الا أن ما قد يحدث هو توزيع جديد لأعمال السلطة في البلاد بهدف تخفيف العبء عن فيدل، ما يجعله قادراً على التفرّغ لمهمته الجديدة .
وفي ظل ما يمكن وصفه بالتكتلات والأحلاف السياسية في دول الجنوب، حيث يشكل الخيار البوليفاري الذي طرحه هوغو تشافيز في اميركا اللاتينية، وجبهة الممانعة في الشرق الاوسط، ودينامية دول جنوب آسيا، بديلاً لنظام الامبراطورية الاميركية، يمكن لحركة عدم الانحياز أن تدفع باتجاه توحيد هذه الكتل والعمل على تكاملها، نظراً لطبيعة التلاقي الموضوعي لمصالح شعوب تلك البلدان، خصوصاً أن معظمها، إن لم نقل كلّها، منضوية في هذه الحركة .
وفي الموضوع الكوبي يؤكد نهرا أن تقاعد فيدل، إن صحّ التعبير، لا يعني تقاعد الثورة، ففي كوبا عدد هائل من الكادرات القيادية والكفاءات العلمية القادرة على تولّي المهام كافة، التي كان الرئيس الكوبي يشرف عليها مباشرة.
وبحسب ما لمسه وخبره خلال فترة إقامته الطويلة في كوبا، يؤكد نهرا أنه من الصعب لا بل من المستحيل، عودة الجزيرة الى فترة ما قبل إنجازات الثورة ، خصوصاً أن مطامح الادراة الاميركية والرأسماليين الكوبيين في ميامي ترتكز على مخطط يسعى الى استعادة الأملاك التي اصبحت بعد الثورة ملكاً للشعب، من هنا فإن المواطن الكوبي، الذي وفرت له الثورة ضمانات كبيرة، لا سيما على المستويين الصحي والتعليمي، سيقاتل حتى الموت للحفاظ على هذه الانجازات .
وتنعقد القمة فيما تشهد القارة الاميركية الجنوبية نهضة لقوى اليسار قد تكون إحدى ثمار الثورة الكوبية. وفي هذا الإطار، يؤكد نهرا أن كوبا، أعطت الثقة لشعوب القارة للاتجاه نحو التحرّر من الدكتاتوريات العسكرية والسياسات النيوليبرالية، رافضاً اعتبار ما حدث في البيرو او في المكسيك بالانتكاسة. فالانتخابات البيروفية انحصرت بين مرشحين يساريين فاز بها مرشح يسار الوسط ، أما في المكسيك، المحسوبة تاريخياً على اليمين ، فإنّ اليسار حقق نتائج كبيرة، على الرغم من التزوير واستغلال اليمين لنفوذه في الدولة، والضغوط التي مارستها الولايات المتحدة، والعلاقات المتشابكة مع الرأسمال الأميركي في الولايات المكسيكية الشمالية . ويعتبر فرق ال0.58 في المئة بين المرشحين اليميني فيليبي كالديرون واليساري اندريس مانويل لوبيز اوبرادور، نصراً كبيراً لليسار كما ينبئ بتفاقم الصراع في البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ المؤشرات ترجّح انتصاراً تلقائياً للجبهة الساندينية في انتخابات نيكاراغوا في تشرين الثاني المقبل، والتي تعتبر من القوى اليسارية الجذرية في القارة الأميركية.
وفي جانب آخر، فمن المتوقع أن تشهد قمة عدم الانحياز، تألقاً إضافياً لنجم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، كونه يمثّل بالنسبة لكثيرين أملاً جديداً، لاتينياً وعالمياً وحتى عربياً، بعد مواقفه الجريئة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وقد تكون الصورة التي حملها الوفد البرلماني الفنزويلي الى لبنان خلال فترة العدوان خير تعبير عن هذا الأمر، والتي أظهرت تشافيز حاملاً سيف سيمون بوليفار، محرّر القارة الأميركية، مع عبارة حذار حذار حذار... سيف بوليفار يتجه نحو الشرق الأوسط .
وسام متى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد