ممدوح عدوان حرفية أدبية أغنت المكتبة العربية وشاعرية تطغى على الغياب
لم يشتغل الأديب السوري الراحل ممدوح عدوان بنموذج أدبي واحد حيث كثيراً ما تتعدد ألقابه فيقال أحياناً الشاعر وأحياناً الروائي وأحياناً المترجم فقد عمل الراحل في كل هذه المجالات ولم يكن مقلاً في مجال منها على اعتبار أن حياته كانت مكرسة بالكامل للنتاج الأدبي والفكري الإنساني.
ومن خلال إطلالة بسيطة على حياة عدوان الذي يصادف التاسع عشر من كانون الأول ذكرى وفاته السادسة يمكن أن نكون تصوراً عاماً عن أديب كبير ولد في الريف وحمل معه البساطة وخيالات الطبيعة إلى المدينة وبنى على أساس هذه الذاكرة والتصور نموذجاً أدبياً كاملاً لا بد من التوقف عنده لدى دراسة الشعر أو الرواية أو النقد أو الترجمة في سورية.
لم يتناول ممدوح عدوان قضية الحداثة في مختلف صور الأدب كقضية جامدة ولم يحمل لواء الدفاع عنها أو سلاح الحرب ضدها على اعتبار أنها تيار حديث يواجه كلاسيكيات الأدب العربي وإنما وقف عندها كتيار جديد يجب دراسته ويجب خوضه من مبدأ أنه نموذج حي لا بد أن يسود كصلة وصل بين الأديب والقارئ فكان وفق هذا المنظور من مؤسسي التيار الحداثي شكلاً ومضموناً وخاصة في الشعر دون أن تبعده هذه الحداثة عن همه الأكبر وهو الهم الوطني والإنساني فضلا عن أنه لم يجعل القضية الوطنية مجرد موضوع لنصه الأدبي فحسب وإنما وظف الشعر في مصلحة القضية توظيفا مدروسا حافظ من خلاله على جماليات الادب والفن وروعتها.
يعتبر نشاط ممدوح عدوان على الصعيد الأدبي والفكري استثنائياً جداً من خلال القفزات التي حققها بين الفنون والآداب جميعها فمن الصعب أن نصدق أن صاحب ديوان الظل الأخضر 1967 المفعم بالشاعرية والانكسار جراء الهزائم وصاحب مجموعة تلويحة الأيدي المتعبة هو نفسه الذي انتقل ليعمل في مجال الترجمة فيقدم الإلياذة لهوميروس بصيغة جديدة ثم يقدم /تقرير إلى غريكو/ لكازانتزاكي ثم يعكف على ترجمة روائع هيرمان هسه /سد هارتا/ و/الرحلة إلى الشرق/ و/دميان/ ثم يؤلف مسرحية /هاملت يستيقظ متأخراً/ ويكتب رواية /أعدائي/ وينتقل إلى السيناريو التلفزيوني فيكتب /الزير سالم/ دون أن نغفل تواجد قلمه الدائم في أهم الدوريات الثقافية السورية والعربية وحضوره المعتاد لكل ما هو أدبي على مدار خارطة الوطن.
إن هذه التعددية والاستثنائية التي تميز بها عدوان جعلت رفوف المكتبة العربية تكاد لا تخلو من كتاباته على تنوع أشكالها ومضامينها بحيث أن عمله في هذه الصعد كافة هو الذي جعل اسمه يتردد في أي مجال من تلك المجالات وبأكاديمية واحترافية عالية جداً وخاصة على صعيد الترجمة.
يعتبر عدوان من أوائل كتاب المونودراما في سورية حيث جاءت نصوصه الأولى في هذا الفن الأدبي متقدمة وفي مرحلة مبكرة جداً فكتب في الثمانينيات القيامة وحال الدنيا والزبال تلك النصوص التي تولاها المخرج زيناتي قدسية مسرحياً لتصبح بعد عدوان نموذجاً يحتذى وأسلوبية غاية في الإثارة وإمكانية ضخ الأفكار والصور على خشبة المسرح.
اختلف عدوان في رؤيته لكلاسيكيات الأدب العالمي جميعها فجاءت رؤيته لهاملت مغايرة لما هو سائد كما صور الدونكيشوت بشكل مختلف عن الرؤية العادية له وهذا ما أظهره في كتابه /نحن دون كيشوت/ فالهزيمة برأيه تكمن في هذه الأسلحة المتعفنة ووضع الحروب في غير مكانها والنظرة الخاطئة لمسيرة التاريخ والاستشراف الخاطئ للمستقبل مستمداً كل هذه المقولات من الشخصية العالمية التي رسمها ثربانتس / دون كيشوت دي لامانشا/.
ووظف عدوان الأدب في التأريخ وحاول مناقشة الحادثة التاريخية أدبياً وفنياً وهذا ما ظهر جلياً في مسرحياته /الرجل الذي لم يحارب/ و /سفر برلك/ و/جمال باشا السفاح/ وفي روايته أعدائي حيث قدم صورة جلية لمراحل هامة مرت بها المنطقة واستنتج من خلالها طبيعة الفكر العربي واتجاهاته والنماذج المسيطرة عليه.
كان عدوان يفضل لقب الشاعر على الألقاب الأخرى على اعتبار أنه النموذج الأدبي الأقرب إلى ذاتيته وإلى تصوير عواطفه وهواجسه وهو الفن الأكثر نبوعاً من النفس خاصة أنه كشاعر كان وجدانياً أكثر مما هو واقعي فتميز نصه الشعري بالشعرية العالية والإنسانية في التناول والتوصيف والتعبير مبدياً ذلك على اللغة والشكل وكلاسيكيات الكتابة الشعرية العربية.
يقول الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد عن عدوان /كلما التقيت به رحت أرقبه عن كثب وهو يعالج جسده بروحه .. ليس سهلاً الذهاب إلى كتابة ممدوح وتخيله مفقوداً... لكنه لم يعد هنا الآن/.
ويتذكره اليمني عبد العزيز المقالح /قد كان ممدوح شاعراً مبدعاً، وناقداً متمكناً يراجع الأعمال الأدبية بعين ورؤية ثاقبتين كما كان مترجماً رائعاً تقرأ ترجماته وكأنك تقرأ عملاً إبداعياً يضارع النص الأصلي وقد يتفوق عليه/.
ويرثيه الراحل محمود درويش قائلا:ً ممدوح.. ماذا فعلت بك وبنا .. فلم نعد نحزن من تساقط شعرك المبلل بالزيت، فإنك تستعيده الآن من عشب الأرض.. ولكن في أية ريح أخفيت عنا سعالك، فلم يعد في غيابك متسع لغياب آخر.. لا لأن حروف اسمك هي حروف اسمي.. لا أتبين من منا هو الغائب.. بل لأن الحياة التي آلفت بين ثعلبين ماكرين لم تمنحنا الوقت الكافي لنقول لها كم أحببناها.. فتركت ثعلباً منا بلا صاحب.
ولد ممدوح عدوان في قرية قيرون في مصياف عام 1941 وتلقى تعليمه في مصياف وتخرج في جامعة دمشق حاملاً الإجازة في اللغة الانكليزية وأهم نتاجه الأدبي /المخاض.. مسرحية شعرية/ /الظل .. شعر/ /الأبتر .. قصة/ /تلويحة الأيدي المتعبة .. شعر/ محاكمة الرجل الذي لم يحارب .. مسرحية/ /الدماء تدق النوافذ .. شعر/ /أقبل الزمن المستحيل .. شعر/ /أمي تطارد قاتلها .. شعر/ /يألفونك فانفر .. شعر/ /ليل العبيد.. مسرحية / /هملت يستيفظ متأخراً.. مسرحية/ /زنوبيا تندحر غداً/ /لو كنت فلسطينياً.. شعرمسرحية/ /زنوبيا تندحر غداً/ /لو كنت فلسطينياً.. شعر /تقرير إلى غريكو/ .. ترجمة /حكي السرايا والقناع .. مسرحيتان// للخوف كل الزمان .. شعر/ /أعدائي .. رواية/.
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد