القذافي يحاصر الثوار ويعلن بدء معركة بنغازي
واصلت قوات معمر القذافي زحفها على مدن الشرق الليبي، بعدما تمكنت من السيطرة على مدينة البريقة بشكل كامل، قبل أن تتقدم باتجاه اجدابيا، التي ما زال مصيرها مجهولاً، والتي تعتبر آخر مدينة تقف في طريق القوات الحكومية المتجهة نحو بنغازي، التي توعدها الجيش الليبي بعملية عسكرية وشيكة، والتي سمع فيها دوي مضادات ارضية ليلا، في وقت بدا أن قرار التدخل الغربي لوقف المذبحة، سواء عبر فرض حظر جوي أو من خلال توجيه «ضربات محددة» ضد النظام الليبي، قد أصبح وراء القذافي، وذلك بشهادة العراب الفرنسي لهذا المشروع، بالنظر إلى استمرار الخلافات بين الدول الغربية، سواء في مجلس الأمن الدولي أو في إطار مجموعة الثماني.
وأشار التلفزيون الليبي الرسمي إلى أن مدينة اجدابيا «طهرت من المرتزقة والإرهابيين»، فيما أعلن الجيش الليبي، في بيان وجهه إلى سكان بنغازي، ان «القوات المسلحة قادمة لتأمينكم ورفع الغبن والظلم عنكم وحمايتكم وإعادة الهدوء والحياة الطبيعية» إلى المدينة التي انطلقت منها الانتفاضة الشعبية، مضيفاً ان هذه العملية «عملية إنسانية... لا تهدف إلى الانتقام من احد».
وذكر شهود عيان أن الطائرات الحكومية قصفت بالصواريخ نقطة تفتيش تابعة للمعارضين عند المدخل الغربي لأجدابيا، ثم أطلقت وابلا من قذائف المدفعية على المدينة ومستودع أسلحة قريب، وهي الطريقة التي اتبعتها في هجوم مضاد، نجحت من خلاله في إجبار المعارضين على التقهقر شرقا لمسافة 160 كيلومترا خلال أسبوع، بعد تمكنها من السيطرة على بلدة بن جواد ومن ثم على مدينتي رأس لانوف والبريقة.
وتكدس سكان ومقاتلون تابعون للمعارضة المسلحة في سيارات وشاحنات صغيرة للفرار على الطرق السريعة نحو بنغازي أو طبرق اللتين ما زالتا في يد المعارضة. وقال ضابط من المعارضة المسلحة عرف نفسه باسم الجنرال سليمان «خسرنا المعركة... القذافي دفع بكل شيء ضدنا».
في المقابل، نفى الثوار أن تكون قوات القذافي قد تمكنت من بسط سيطرتها على اجدابيا، متوعدين إياها بـ«حرب عصابات». وأشار الثوار إلى أنهم استخدموا طائرات حربية لشن هجمات على قوات القذافي، متحدثين عن تدمير سفينتين، إحداهما ناقلة نفط يملكها ابن القذافي، هنيبعل، قبالة شواطئ اجدابيا، فيما نشرت مواقع الكترونية مقربة منهم أنباء «غير مؤكدة» عن «غارة على مدينة سرت»، وحتى عن «هجوم انتحاري بطائرة حربية» على باب العزيزية في طرابلس، حيث يتحصن القذافي.
ونسبت صحيفة «برنيق» القريبة من الثوار إلى ضابط في القوات الجوية في قاعدة بنغازي ان طائرتين قصفتا أيضا عددا غير محدد من الدبابات بالقرب من البريقة وأجدابيا.
وإذا ما تأكد سقوط اجدابيا، فتكون قوات القذافي قد أزالت الحائل الوحيد أمام تقدمها باتجاه بنغازي، باعتبار أن هذه المدينة تتحكم في مفترق طرق يمكن لقوات القذافي أن تسعى من خلاله إلى تطويق معقل المعارضين. وبالإضافة إلى الطريق الساحلي إلى بنغازي، هناك أيضا طريق صحراوي بطول 400 كيلومتر إلى طبرق قرب الحدود مع مصر، ويمكن أن يساعد في حصار بنغازي. لكن لا يعرف ان كانت قوات القذافي قوية بما يكفي لتقسيم وحداتها على الطريقين، أو ما إذا كان بوسعها العمل في ظل خطوط إمداد طويلة على هذا النحو.
وذكر مراسل وكالة «فرانس برس» أن دوي قصف مدفعي ثقيل ومضادات أرضية للطيران سمع، ليل أمس، في بنغازي، ما يوحي بأن معركة السيطرة على معقل الثوار قد أصبحت قريبة.
وفي مصراتة، آخر مدينة رئيسية ما زالت في أيدي الثوار، في غرب ليبيا، قال سكان ان المياه قطعت عن المدينة التي يقطنها نحو 300 ألف نسمة وتبعد 200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس. وقال شاهد عيان إن «الوضع هادئ، لكننا نتوقع أي شيء في أي لحظة».
- وظهر القذافي، ليل أمس، ليلقي كلمة أمام وفد من سكان بلدة مسلاتة في مقر إقامته في باب العزيزية. وتوعد القذافي بسحق معارضيه، نافياً في الوقت ذاته أن تكون هناك اضطرابات في ليبيا.
وقال القذافي «نحن مصممون على ان نسحق الاعداء. اذا كانت هذه مؤامرة خارجية سنسحقها، وان كانت داخلية سنسحقها، اذا كانت زندقة او دروشة سنسحقها وسنهزمها، ونحن قابلون التحدي، وسنحرر ليبيا شبرا شبرا». واضاف «نحن مصممون على هزيمة هذه المؤامرة الاستعمارية... الاستعمار سيهزم، وفرنسا ستهزم، وأميركا ستهزم، وبريطانيا ستهزم، وسينتصر الشعب الليبي، وستنتصر الحرية».
واكد القذافي ان «البترول حياتنا. سنقاتل من اجل بترولنا حتى لو يفنى الشعب الليبي كله. هذا هو حياتنا لا يمكن ان ندع الموانئ محل عبث غير مسؤول. لا بد ان تكون تحت سيطرة الشعب الليبي بالكامل. لا يمكن ان نتركه (النفط) لعصابات تسلمه لدول استعمارية. لن نقبل بالاستهتار بمقدرات الشعب الليبي».
وكرر القذافي اتهام المعارضة بقوله «الثوار شوية جرذان ودراويش وكلاب ضالة. ظلمونا في بلدنا الآمن اولاد الحرام. ارادوا ان يحرمونا من ثروتنا ويحرموا اولادنا من العيش في سلام. ونحن قبلنا التحدي».
وشبه القذافي ما يجري حالياً في ليبيا بما حصل في العام 1982 من تحركات مناوئة لنظامه، وشدد على أنّ الاختلاف هو التركيز الإعلامي. وتوعد القذافي الغرب، وخصوصاً فرنسا، بالرد على أي هجوم عسكري على ليبيا.
واعتبر القذافي أن الجامعة العربية انتهت وأنّ البدائل هي في الاتحادات الإقليمية الأخرى، مشدداً في المقابل، على دور الشعوب العربية.
- في هذا الوقت، فشل أعضاء مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى، خلال اجتماعهم في باريس، في الاتفاق على فرض حظر جوي على ليبيا، في انتكاسة لفرص التحرك سريعا لوقف تقدم قوات القذافي.
وفي ضربة جديدة لجهود فرنسا الرامية لاستخدام الأزمة في ليبيا لتأكيد دورها القيادي في الدبلوماسية الدولية، قاوم الاجتماع الضغط الفرنسي لتأييد إقامة منطقة حظر جوي، ولم يتطرق البيان الختامي للقضية.
وهيمنت الأزمة الليبية على اول اجتماع لمجموعة الثماني تحت رئاسة فرنسا، لكن ألمانيا وروسيا رفضتا فرض قيود جوية على ليبيا سعت إليها بريطانيا أيضا، ما جعل موقف المجموعة عبارة عن كلمات شديدة اللهجة لكنها خالية من المضمون.
وجاء في البيان الختامي لاجتماع وزراء مجموعة الثماني أن الليبيين لهم الحق في الديموقراطية وأن القذافي سيواجه «عواقب وخيمة» إذا تجاهل حقوق المواطنين. وحث البيان مجلس الأمن الدولي على زيادة الضغط على القذافي بما في ذلك الاجراءات الاقتصادية، مؤكداً أهمية تعاون الجامعة العربية في أي عمل يتخذ في ليبيا.
وقال مصدر دبلوماسي من مجموعة الثماني ان «الأميركيين يتحركون باتجاه مجلس الأمن الدولي، ويريد الروس المزيد من التفاصيل حول منطقة حظر الطيران، وهم حذرون. أما الألمان فيرفضون الفكرة تماما». وأضاف «نحن في سباق مع الزمن بين رسم عملية مشروعة سياسيا والتحرك. إنهم يريدون مناقشة المسألة بدرجة من العمق تتيح للقذافي وقتا لدخول بنغازي نحو 15 مرة».
وأقر وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه، في كلمة ألقاها أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، بأن فكرة إقامة منطقة حظر جوي في ليبيا «قد تم تجاوزها». وأوضح جوبيه ان وزراء خارجية دول مجموعة الثماني يعتبرون انه «من الضروري ان يتخذ مجلس الأمن مجددا، وفي أسرع وقت، مجموعة من الاجراءات، الهدف منها ممارسة الضغط الكافي على القذافي». وأضاف جوبيه «هل سيكون الحظر الجوي من ضمن هذه الاجراءات؟ الأمر لا يزال موضع نقاش»، لكنه أوضح «نعتبر انه تم تجاوز هذا الأمر، وليس هذا الإجراء هو الذي سيوقف تقدم القذافي».
وأشار جوبيه إلى أن «فكرة فرنسا لم تكن إقامة منطقة حظر جوي، وهي مسألة صعبة في منطقة شاسعة مثل ليبيا، بل توجيه ضربات محددة الى عدد من المواقع العسكرية، بما يحرم القذافي من إمكانيات القصف التي يتمتع بها حاليا، لكن طبعا بعد الحصول على تفويض من مجلس الأمن»، مضيفاً «لم نحصل على تأييد لهذه النقطة لان بعضا من شركائنا اعترضوا على أي أشارة إلى استخدام القوة العسكرية».
وحمّل جوبيه الصين مسؤولية عدم صدور قرار بهذا الشأن في مجلس الأمن. وقال «إذا لم نتمكن من التحرك اليوم، فليس فقط لأن أوروبا عاجزة، لكن لأنه، في مجلس الأمن الدولي، حتى الآن، لا تريد الصين أي حديث عن قرار يؤدي إلى تدخل الأسرة الدولية في شؤون أي بلد». وأضاف «افهم ان هناك عجزا أوروبيا، لكن ماذا عن القوة الأميركية؟ ماذا عن القوة الروسية؟ ما هي قوة الصين في ما يتعلق بليبيا؟»، مشيراً إلى أن «الموقف الروسي يتطور وان الأميركيين لم يحددوا بعد موقفهم إزاء ليبيا».
من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن دعوة جامعة الدول العربية لفرض حظر جوي فوق ليبيا مقتــضبة وتحتاج إلى مزيد من التفاصيل. وأوضح لافروف «ننتظــر أن تقدم الجامعة العربية اقتراحات محــددة في ما يتعلق بالموضوع»، مضيفاً «نحن بحــاجة لأن تكـــون لدينا معلومات أكثر تحديدا لنرى ما يراه أصدقاؤنا في الجامعة العربية، وبمجرد أن يحدث هذا فسنبحث كل الخيارات».
بدوره، قال وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيله إن «التدخل العسكري ليس هو الحل. من وجهة نظرنا إنه صعب وخطير للغاية»، مضيفاً «لا نريد أن نتورط في حرب في شمال افريقيا، ولا نود أن نسقط في منزلق يضعنا كلنا في حرب في نهاية المطاف».
وسعى وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ إلى التقليل من أهمية هذه الخلافات، قائلاً إن «هناك أرضية مشتركة هنا في مجموعة الثماني، وفي حين لا تتفق جميع الدول على قضايا مثل حظر الطيران، هناك رغبة مشتركة في زيادة الضغط على القذافي». ولفت هيغ إلى أن مجموعة الثماني ليست «هيئة اتخاذ القرارات» لأي عمل عسكري في ليبيا، مشيراً إلى أن مباحثات جديدة ستبدأ في مجلس الأمن.
ويجسد الخلاف غياب التوافق بشأن الموضوع في مجلس الأمن الدولي حيث تحظى روسيا بحق النقض (الفيتو) في حين أن ألمانيا عضو غير دائم.
ووزعت بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة، مساء أمس، مشروع قرار بشأن فرض حظر للطيران فوق ليبيا في مجلس الأمن. ويسمح القرار بـ«جميع الإجراءات اللازمة لفرض» حظر لجميع الرحلات الجوية لحماية المدنيين» و«اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لفرض الالتزام» بالقرار». وبعد تلقي نسخة من المسودة انفض اجتماع المجلس من دون اتخاذ أي إجراء.
- وفي القاهرة، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن الولايات المتحدة تسعى للتوصل إلى سبل لدعم معارضة الزعيم الليبي معمر القذافي، موضحة «نتفهم مدى إلحاح هذا الأمر. لذلك نعمل على زيادة مساعدتنا الإنسانية. ونبحث عن سبل لدعم المعارضة... لكننا نعتقد أنه يجب أن يكون هذا جهد دولي وأنه ينبغي أن تصدر قرارات في مجلس الأمن كي يتسنى أن تمضي هذه الإجراءات قدماً».
وكان البيت الأبيض أعلن أن واشنطن تستطلع سبل الإفراج عن بضعة مليارات من الدولارات من الأرصدة التي جمدت للقذافي بغرض استخدامها في مساعدة المعارضة الليبية.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد