طرطوس أحالت تصريحات البابا إلى الحرب الأمريكية الصهيونية
الجمل ـ طرطوس ـ حسان عمر القالش: "مابتخافي يغتالوكي" ..قالتها والدة ماري (ميمي) لابنتها سامحة لها بالذهاب الى بيت أهل صديقتها "صبا" والمبيت عندهم, وهي تحمّلها وعاء أكلة "سمكة حرّة" ليستمتع بأكلها أسرة الصديقة..ماري شابة مسيحية تتبع بابا الفاتيكان, وصبا مسلمة تتبع المسلمين الذين ظهروا على شاشات التلفزة غاضبين منددين بتصريحات البابا الأخيرة الشهيرة.
تنثر ماري على أصدقائها لفتات وايحاءات اللامبالاة وعدم الاكتراث وهي تقول:صحيح أنه مرجعنا الأكبر, لكن ماقاله البابا يخصه وحده ويمثل شخصه منفردا..ثم تضحك وهي تذكر دعابة والدتها, وتتابع بلهجة جادّة: كلنا في البيت وقعنا في هاوية الصدمة, الكل تفاجأ واستغرب الكلام الذي سمعه..تصمت وتعود لتذكّر أصدقاءها بدعابة أمها ويضحك الجميع..
هذا المشهد حقيقة من حقائق "العيش" في طرطوس, والذي لم يتأثر أو يتغير بعد ماوصلنا من ملاحظات البابا وآرائه في مكوّن أساسي من مكونات هذا الوطن الفريد. فهل ثمة خطر يواجه هذا المكون ، خطر "حرب دينية" لاحت نذرها منذ أن أعلن السيد بوش أنه يخوض "حربا مقدسة " ضد "الإسلام الفاشي" وجاءت آراء رأس الكنيسة لتزيد ضوء الخطر الأحمر احمرارا توكيدا على حساسية الأوضاع وهشاشتها.
الخطر هو "علينا نحن الشباب العلماني المنفتح" كما يقول حسن مشيرا الى أصدقائه الجالسين معه على شرفة منزله, فيما يقلل أحدهم من قيمة "الموضوع": نحن هنا في طرطوس لاخوف علينا, الكل يعيش مع الآخر المختلف عنه دينيا أو حتى طائفيا بشكل لايليق أن تصفه بأنه جيد, انه ليس "شكل" بالأساس بل هو "حالة"..حالة صحيّة جاءت من صحوة الناس على مدركات تشارك الانسانية والأرض في وطن واحد..
يقاطعه آخر: المدرسة هنا في هذه المدينة هي المثال الأكثر افحاما واقرارا بصواب مانقول, فالمدرسة هنا هي ماقد يسمى mini society أو المثال المصغر لمجتمع هذه المنطقة. ينشأ الأطفال ويشبّوا مع بعضهم عبر السنين ورفقة الدراسة وحمّى المراهقة ليجمعهم رابط انصهر في ضمائرهم هو أشد جمعا بينهم مما قد تفرقه العقيدة أو الدين أو الطائفة..ويقتحم أسامة المجلس بنبرة صارمة, مديرا راحة كفّه وهو يقول: يا خيي ربما هناك سوء تفاهم..قد يكون السياق الذي قيل فيه ماقيل يحتمل تفسيرا غير الذي فعلنا!..يختم علي بقول ثاقب: بالأمس عندما تعرضت السفارة الدنماركية لهمجية بشعة, ومع أننا كنا ضد الرسوم المسيئة لنبيّنا, أنّبنا البعض ونهرنا آخرون وشتمنا الباقون عندما وصفنا تلك الأفعال بالهمجية..وأرجو ألاّ يكون قريبا اليوم الذي نتعرض فيه للخطر اذا ماوقفنا موقفا حضاريا رافضا ردّات أفعال الزمر المتعصبة والمتزمتة والتي جاءت تفسيرات أقوال البابا لتكون "سمادا" لتخصيب تربتهم العفنة.
كثيرون من أهالي طرطوس لم يتلقوا الخبر كخبر من الصنف الأول أو الطراز الرفيع كتصاريح الأفرقاء السياسيين في لبنان, ومعظم من تلقّاه أحاله فوراً كحكم مبرم غير قابل للطعن الى ملف الحرب الأميركية الصهيونية علينا دون التوقف عند تقاطعات الاختلافات الدينية العقيدية.
قالت "أندلس" وهي صبية تعد نفسها من مثقفي الوطن, وشاعرة موهوبة: من ناحيتي كامرأة مثقفة و أنتمي الى دين الاسلام, يتركز قلقي وخوفي على الانسان المسيحي الذي يعيش كأقلية في بعض بلاد العرب, من أن ينال أحد من كرامته أو يمس مؤسسته الدينية بأذى كما فعل بعض المتطرفين في لبنان الذين اندسوا في المظاهرة الاحتجاجية على الاساءة الى الرسول الكريم وكسروا نوافذ احدى الكنائس ومدرسة تابعة لها..
يكاد يجمع غالبية الناس من مسلمين ومسيحيين الى أنه لاخوف من أي "فرقة" أو خلاف ديني في سوريا, لكنهم لايخفون خشيتهم منها خارج أرض الوطن, ومن تكرار القرع على طبولها لدرجة أن تنحوا العقول الى مبدأ: اذا لم يكن ماتريد فأرد ما يكون!.
الجمل
إضافة تعليق جديد