ثلاثة كتّاب أتراك يقيّمون سياسة أنقرة الخارجية: إعادة رسـم خريطة المنطقة وفقاً لما يريده الغرب
بعدما كانت الانتقادات لسياسة حزب العدالة والتنمية الخارجية تقتصر على الكتّاب العلمانيين واليساريين والإسلاميين الذين في أوساط حزب السعادة، اتسعت الدائرة لتطال الدائرة الأقرب إلى الحزب ورئيسه رجب طيب اردوغان.
وطالت الانتقادات بشكل رئيسي الشعارات التي وضعها ورفعها وزير الخارجية احمد داود اوغلو على امتداد السنوات القليلة الماضية.
أولى العناوين التي انتقدها الكتّاب الأتراك الإسلاميون كانت سياسة تصفير المشكلات التي بات الجميع داخل تركيا يتساءل عن المصير الذي آلت إليه، بعد عودة المشكلات إلى علاقات أنقرة مع معظم جيرانها.
عبد الحميد بالجي، المقرب جدا من حزب العدالة والتنمية، يكتب عن «اتساع الجبهة المعادية لتركيا»، فيقول إن صورة تركيا كانت في السنوات الماضية تلك الواثقة من نفسها والقادرة على تجاوز الحدود والقيام بوساطات بين الجميع والقادرة على التحدث مع الجميع. وارتفعت شعارات مثل تعدد الأبعاد وتصفير المشكلات والقوة الناعمة والانتقال من بلد طرف إلى بلد مركز. وباتت تركيا بلدا ينظر إليه بإعجاب في كل العالم لتنميته الاقتصادية وتحوّله الديموقراطي وحيوية مجتمعه المدني.
ويضيف بالجي انه ما كان يمكن تحقيق انجازات مهمة لولا الجهود الكبيرة التي بذلها اردوغان ورئيس الجمهورية عبد الله غول ووزيرا الخارجية السابق علي باباجان والحالي احمد داود اوغلو. لكن بالجي يقول انه منذ حوالى سنة ونصف السنة بدأت تهب رياح معاكسة لهذا المناخ تفسد اللوحة التي ارتسمت لتركيا على الأقل في موضوعات السياسة الخارجية، وبات العديد من الدول التي كانت تحسب في خانة النجاح للسياسة الخارجية التركية في خانة المعادي لها، مثل القبارصة اليونانيون وإسرائيل وأرمينيا وسوريا وإيران واليونان.
ويتابع بالجي إن «أسباب العداء بين تركيا وهذه الدول تختلف من بلد لآخر، ولكل أسبابه. بعضها خارج عن إرادة تركيا، وبعضها ناتج من الأخطاء في السياسة الخارجية التركية، وبعضها من المواقف غير المحقة لأوروبا تجاه تركيا». ويقول، «مع أن التفاصيل مهمة لكنها لا تغير النتيجة، وهو أن تركيا التي كانت متقدمة في كسب الأصدقاء وحل المشكلات هي الآن وجها لوجه أمام جبهة معادية تتسع». ويأمل الكاتب أن تتمكن تركيا من تجاوز هذه المرحلة «وكما نجحت في تغيير المشهد السيئ سابقا يمكن لها اليوم، إن أرادت، أن تنجح».
وكانت المقالة التي كتبها في صحيفة «زمان» الكاتب الإسلامي المخضرم والمعروف بهدوئه واتزانه أحمد طوران ألقان مدار اهتمام الجميع، حيث وجّه للمرة الأولى انتقادا لاذعا لسياسة تركيا الخارجية. وكان عنوان مقالته معبرا عنها بالقول «أنا متوتر» («أو مشمئز وغاضب»). واعتبر ألقان أن السياسة الخارجية التركية مؤخرا عبارة عن سيارة تسير بسرعة 180 كيلومترا، وعلى يسار الطريق متجاوزة كل السيارات مطلقة زماميرها وأنوارها ومن دون كوابح.
وقال انه «إذا كنا لا نطالب الحكومة بالسير على يمين الطريق حيث الشاحنات الثقيلة البطيئة الحركة، لكن كان يمكن لسيارة السياسة الخارجية أن تسير على الخط الوسطي في الطريق». ويضيف إن «الحكومة بدأت بالسير على الخط الأيسر من الطريق بعد انتهاء الانتخابات النيابية. وبدأت تتبع سياسة لم نتعود عليها من المواقف الحادة والمتشددة».
ويقول ألقان «إن الشعور هو أن هذه المواقف ليست نتيجة تعرض تركيا لإحراج بل رغبة في تصفية الحساب مع البعض. وصورة تركيا لم تكن تلك التي تتعرض لتدخل بل التي تتدخل وتقوم بتوتير الأجواء». وأضاف «إن مثل هذه السياسة لا تطمئنني كمواطن»، منهيا مقالته بالقول «أنا متوتر».
أما الكاتب علي بولاتش، فهو أستاذ جامعي وباحث معروف، وهو من الإسلاميين المستقلين الذين دعموا بقوة إصلاحات وسياسات حزب العدالة والتنمية لكنه وقف منذ مدة على مسافة منها.
وفي سلسلة مقالات له في الأيام الأخيرة كان واضحا بل حادا في انتقاداته لسياسة اردوغان ـ داود اوغلو الخارجية، معتبرا أن سياسة تصفير المشكلات تحولت إلى مأساة، ومثالها الأبرز علاقات تركيا مع سوريا. وقال بولاتش انه مع الأسف تحولت العلاقات بين البلدين إلى حالة عداء.
ويقول بولاتش «إن الحكومة تعرض لنا سببين لذلك: الرئيس السوري بشار الأسد لم يقم بالإصلاح ولم يصغ إلينا. والثاني إن تركيا لا يمكن أن تقف متفرجة على قتل المدنيين هناك».
أما الأسد، يقول بولاتش، فيقول «إن التغيير في تركيا استغرق 30 سنة، ولم يكتمل بعد فيما يطلبون منا التغيير خلال ثلاثة أشهر. نحن نريد أن نتمثل بالنموذج التركي، لكن، إذ كنا ننتظر المساعدة أرسلوا لنا تهديدات».
ويقول بولاتش «إن قلوب الجميع تنفطر للقتل في سوريا لكن هذا السبب وحده ليس مبررا للسياسات التركية الأخيرة. ففي العراق قتل المئات من المسلمين منذ العام 2003، ومن قاعدة اينجيرليك في أضنة كانت الطائرات تقلع وتقصف أهدافا في العراق. ولم تنبس تركيا ببنت شفة. واليوم يقتل المعارضون في البحرين واليمن بوحشية، ولا يخرج صوتنا ضد ذلك».
وتساءل بولاتش عن الذي حصل لكي ترفع تركيا من وتيرة خطابها ضد دمشق. وقال ألم يكن من الأفضل التعامل بليونة ودبلوماسية، ومن دون توتر مع نظام البعث لتغيير سلوكه بدلا من رفع الصوت؟ واعتبر أن للولايات المتحدة والغرب دورا أساسيا في رفض الحلول السلمية والدفع في اتجاه التصعيد في الأزمة السورية لأن واشنطن تريد إنهاء التعاون بين تركيا وسوريا وإيران . وأضاف «إن ما يقلقنا أن البعض يريد أن يدفع تركيا إلى تدخل عسكري في سوريا».
وفي هذا الإطار، يقول بولاتش إن تركيا انتقلت من مهمة القوة الناعمة إلى موضة القوة الناعمة إلى موضة القوة الصقرية. ويقول إن الأسد قال لوفد حزب الشعب الجمهوري برئاسة نائب الرئيس فاروق لوغ اوغلو الذي زار سوريا مؤخرا «إن الذين يأتون إلينا من تركيا يتحدثون كما لو أنهم ناطقون باسم (الرئيس الأميركي باراك) أوباما. أوباما يريد هذا واوباما يريد ذاك، في حين أن لأميركا سفيرا في دمشق يأتي ويقول لنا مباشرة. إن ما يؤسفنا أن أشقاءنا الأتراك يكررون الكلمات نفسها».
ويقول بولاتش إن السياسة الخارجية التركية يمكن جمعها في ثلاثة عناوين: تصفير المشكلات وتعدد الأبعاد والسياسة الفاعلة.
ويضيف «إن هذا كان ظاهرا لكنه لم يكن كذلك في العمق. فتركيا عضو في التحالف الغربي وفي اللحظة الحساسة والدقيقة كانت تأخذ مكانها إلى جانب الغرب».
وقال إن سياسة «تعدد الأبعاد» لم تهدف إلى «الاندماج الإقليمي بمركزية خاصة للشرق الأوسط» بل لحظت «تعدد الأبعاد بمحور غربي»، وهو ما عنى وأدى لتكون تركيا إلى جانب الغرب وليس إلى جانب شعوب الشرق الأوسط. واعتبر أن «موافقة تركيا على انضمام إسرائيل إلى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وكان لها حق الفيتو لمنع ذلك، وموافقة تركيا على (أندرس فوغ) راسموسين كأمين عام لحلف شمال الأطلسي وكان لها أن تمنع ذلك، ونصب الدرع الصاروخي في ملاطيا، أمثلة على انحياز تركيا للغرب. هي تفعل ما يقوله الغرب. خيارها الغرب والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي و«الشراكة النموذج» مع الولايات المتحدة. وعلى هذا فإن أولوية تركيا إن تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط وفقا لما يريده الغرب. تركيا تقوم بكل هذا. وبما أنها لم تستخدم كفاية مبادراتها فلم تستطع أن تمنع المآسي الكبيرة في سياستها الخارجية. النموذج الأبرز على ذلك انهيار سياستها السورية».
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد