جين فوندا: السيرة المتمرّدة
في كتابها (جين فوندا الحياة الخاصة لشخصية عامة)، منشورات دار« «Harcourt تشير المؤلفة باتريسيا بوسورث، كاتبة سير المشاهير أمثال: «كليفت مونتغمري، ديان أربوس، ومارلون براندو» إلى أن كتابها عن التطور النسائي، تطور امرأة.
امرأة ذات تجسيدات متعددة وانتصارات وظيفية مختلفة: زوجة، ام، ملكة الايروبيك، من أشهر وأقدر الممثلات الأميركيات خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بفضل العديد من أفلامها المتميزة. نصيرة و مساندة للتحرر النسائي، ناشطة التزمت بالعديد من القضايا الإنسانية والاجتماعية، اتخذت مواقف سياسية مثيرة للجدل: مناهضتها حرب فييتنام حتى أصبحت واحدا من أشهر رموزها. واصطدامها العنيف مع الإدارة الأمريكية واستفزازها لها ، تضامنها مع الشعب الفييتنامي بعد زيارتها هانوي، داعمة حركة الحقوق المدنية الأميركية والحركات المتطرفة للأميركيين السود والحركات اليسارية والاشتراكية وحقوق الهنود الحمر والمكسيكيين الأميركيين.
اختارت المؤلفة سيرة حياة جين لأنها :حالة فريدة، صورة رمزية لأمريكا وثقافتها, قصة حياة مذهلة هي: الأكثر توثيقا، وتعقيداً، مرآة لصراعات جيل من النساء. تتناول عبر شخصية النجمة الأمريكية المخضرمة المرأة المسكونة- بروح متمردة وإرادة صلبة، وعشق مشبوب للحياة، ومسيرتهاالفنية التي استمرت قرابة نصف قرن وأفلامها في الشاشة الفضية، نضال المرأة الشاق لانتزاع اعتراف المجتمع بها وتطورها السياسي ومواقفها، والأدوار المتميزة والمتغيرة للنساء على نحوٍ كبير منتصف ونهاية القرن العشرين، كونها نجمة تلك الأدوار التي كانت دائما توفق فيها، تشبه سيرتها على الأغلب، وإن اختلفت فيها من شخصية إلى أخرى..
تقول: باتريسيا بوسورث المحررة في مجلة فانيتي فير، التي تحولت من التمثيل إلى الصحافة وتربطها صداقة وطيدة بفوندا عندما كانتا طالبتين في استوديو الفاعلين - استوديو التمثيل- الشهير في نيويورك عام1968 إنها أمضت سنوات عدة لكتابة سيرتها بعيدا عن الضجيج الإعلامي بعد حصولها على موافقة جين التي لم تكن تريد رواية سيرتها الذاتية التي روتها هي سابقا على نحو مقتضب في كتابها(حياتي) ولأنها في سلام مع نفسها ومتصالحة معها، نسيت الماضي, ولاتريد الخوض فيه.
اعتمدت على ملفات التحقيقات الفيدرالية الأمريكية CIA ،FBI التي سمحت لها جين بالإطلاع عليها، تتعلق بالتزامها ضد الحرب الأمريكية- الفيتنامية التي جعلت منها عدوة الدولة الأمريكية في مرحلة من المراحل، وعلى سجلات الطب النفسي، وعبر إجراء حوارات معها، ولقاء مع المقربين منها.
بالرغم من صداقتها وتعاطفها مع جين فوندا لم تحاول المؤلفة تجميل صورتها، كونها تمثل التاريخ الثقافي لبلدها في الحقبة التي عاشت فيها: بل تبرز خصالها غير الحميدة في عدة مواضع، كهوسها بالشهرة والمال، و بشكلها الخارجي الذي تمثل بخضوعها لعدة عمليات تجميل أنكرتها مراراً. أبرزت طيفاً، ونجحت في سرد سيرة فوندا خطوة بخطوة عبر سبر أعماقها النفسية، فضلا عن حياتها متعددة الأوجه والمسارات، ذهبت إلى صورة المرأة الخارقة، السوبر، لتبرزها أقوى وأكثر ضعفاً مما كان متوقعاً وأكثر من أي وقت مضى، غاصت في طفولتها وغضبها المتصل بها، التي هيأت لها أمراضاً نفسية فيما بعد كونها وريثة الطفولة الرهيبة، كمعاناتها من: الشره المرضي(البوليميا) والاكتئاب، والمآسي الأسرية التي بدأت بانتحار والدتها(فرانس سيمور) حين كانت في الثانية عشرة، ومن ثم إصابتها بصدمة شديدة بعد اكتشافها بالمصادفة المحض أن والدتها لم تمت بنوبة قلبية كما قيل لها، بل انتحرت في نوبة غضب، بعد أن وقع والدها في حب امرأة تدعى سوزان بلانشارد التي أصبحت زوجته الثالثة لاحقا، ومحاولة شقيقها بيتر الانتحار بعد زواج والده. تركت تلك الأحداث الأليمة بصمة سوداوية رافقت جين في كل مراحل حياتها التي قضت جلها في محاولة ايجاد الحب مع والدها التي اتسمت- كما مع ابنه بيتر وزوجاته الخمس علاقتها- معه بالجفاء والتوتر، وشكلت علامة فارقة وكارثية في حياتها ،تصفها جين بأنها «تشبه ذبابة على رأس الحائط» انعكست فيما بعد على علاقتها مع أزواجها (روجيه فاديم، تيد تيرنر، توم هايدن). فحاجتها للحب جزء لا يتجزأ من شخصيتها، لكن للأسف, منذ نعومة أظفارها، وبذكائها الفطري أدركت أن والدها لم يكن يحبها البتة .
في الجزء الأخير من الكتاب تصف المؤلفة النجمة جين فوندا «بالمرأة الشجاعة المأخوذة بالحقيقة، وقد بات التغيير واستئناف حياتها الشخصية عبر تسلحها بصفاء اكتسبته عبر أعوامها الـ 74 لعبتها المثيرة، الأثيرة التي يبدو أنها ستستمر إلى أجل غير مسمّى... تتابع «بينما كنت استمع لها تذكرت لقاءنا الأول في استوديو التمثيل: ثمة نفس طويل.. وجه حزين.. هي نسخة طبق الأصل عن والدها، النظرة نفسها ووضوح الرؤية»: والدها كان حاضراً بقوة في لقاءاتنا: «ظلال والدي معي.. احلم به.. أفكر فيه، أتساءل عما إذا مازال عنيداً وشرساً, موافقا على ما قمت به في حياتي من أدوار وانجازات، لقد أردت أن أكون كاملة في عينيه وتضيف بأسى «لو كان قال لي مرة واحدة إنه يحبني لكنت سلكت حياة عاطفية أخرى.. كل حياتي كنت ابنة أبي مثل كما تحاضرون في الدراما اليونانية أثينا الذي ينبع من رأس زيوس والدها». بدأت بالانضباط والقيادة في طفولتي.. تعلمت الحب من خلال الكمال. وفي مكانٍ آخر, تحدثت عن ابنتها، «فانيسا فاديم» وموهبتها الإخراجية، واقتراحها توثيق التحولات الكثيرة في حياة والدتها وأدوارها لدى احتفالها بعيد ميلادها الستين بفيلم بقولها. : لِمَ لا تحضرين حرباء وتصورينها وهي تزحف. تحدثت عن ولعها بأشجار منزل العائلة: أشجار قديمة كبيرة، لها جذور سميكة.. ملتوية: بلوط.. حور .. انتهت بقولها: إنني عجوز جداً لزراعة أشجار الشباب.
فاتنة الكردي
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد