الفن هو الخاسر في سوق الفضائيات
بينما يؤكد القائمون على أسواق التسويق أن "المعلن" هو من يشتري المسلسلات اليوم، ويحدد شكل الإنتاج الدرامي في كل عام، وفي وقت تغيب فيه المؤسسات الخاصة عن تحديد نسب جماهيرية هذا العمل أو ذاك، تطل علينا فضائيات ومنتجون وفنانون، للإعلان، بذريعة تلبية رغبة الجمهور، عن مشاريع فنية أغلبها أجزاء ثانية لمسلسلات سبق وقدمت.
وبناء على "رغبة الجمهور" تلك، نقلت وسائل الإعلام نية منتجي مسلسل "باب الحارة" في إنجاز جزء سادس وجزء سابع منه. وبناء على "رغبة الجمهور" أيضاً تخصص قناة "روتانا سينما" فترة لعرض أفلامها دون توقف ودون إعلانات، وبناء على "رغبة الجمهور" ثمة جزء ثان من مسلسل "الولادة من الخاصرة"، وجزء ثان من مسلسل "أبو جانتي"....
لكن ما الذي يحدد ما الذي يريده الجمهور؟ هل هناك من سأل الجمهور فعلا عن رغبته؟ وأين هي مؤسسات الاستطلاع والإحصاء التي أفضت إلى نتائج أُعلن بناء عليها ما أُعلن؟
"بناء على رغبة الجمهور"، تبدو معادلاً موضوعياً للمصطلح المصري "الجمهور عاوز كده". وفي كلتا الحالتين تبدو العبارة متراساً يقف خلفه المنتجون، لتبرير ما ينجزونه من أعمال، ولتبرير تراجعها أو انخفاض مستواها الفني، بل للرد على كل نقد يطالها، رغم أنه من مهام الفن الارتقاء بذائقة جمهوره، وإيصال رسائل فكرية في خطاب بسيط قريب من الناس. كما أن ثمة إجماعا حول عدم ضرورة ان يحظى المسلسل بنسب مشاهدة عالية لإثبات فنيته.
عملياً ربما تحتمل "رغبة الجمهور" جزءا من أسباب ما يعلن باسمه، إلا أن اللاعب الأكبر في المعادلة هنا، هو في الواقع "المعلن"، وبمعنى آخر حسابات الربح والخسارة. ففضائية "روتانا سينما" مثلا لا تسأل عن جمهورها عندما تزج إعلانات يفوق وقتها وقت الفيلم، عند عرضه للمرة الأولى وبشكل حصري، وهي حين أعلنت عن رغبتها بإرضاء جمهورها وعرض أفلام دون إعلانات أو توقف، خصصت الساعة الرابعة والنصف صباحاً لعروض تلك الأفلام، وهو توقيت ندرك جميعاً أنه لا يناسب المعلنين، وهل كانت القناة لتسأل عن جمهورها لو أن المعلن لم يغب..؟!
أما مسلسل "باب الحارة" فمثال صارخ على ما نقول. فالعمل الذي استنفدت حكاياته وأدت شخصياته أغراضها، بل ماتت شخصياته الرئيسية، ما زال أصحابه مصرين على المضي فيه بأجزاء جديدة. وكانت "السفير" قد كشفت منذ أكثر من عام عن نية إنتاج الجزأين الجديدين بناء على "رغبة الجمهور" أيضا. ويبدو أن وقتها لم تكتمل أسباب الإنتاج فعادت الأصوات لترتفع بنية إنتاجه هذا العام، ما يرجح أن هناك أسباباً أخرى تتجاوز رغبة الجمهور.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ"السفير" أن إعلانات "باب الحارة" تجاوزت الـ(35) مليون دولار بكثير، دون أن نعرف كم جزء من المسلسل تشمل هذه الحصيلة الإعلانية، لكن يبقى للرقم دلالته التي تطيح "برغبة الجمهور" لحساب رغبة "المعلن".
ربما يقول البعض إن المعلن ينطلق من الجمهور ومن مدى إقباله على هذا المسلسل او ذاك، وفي ذلك جزء من الحقيقة، وليس كلها، وإلا فما معنى ألا يسعى منتجون لإنجاز جزء ثان من عمل لقي احتفاء جماهيريا ونقديا مثل "التغريبة الفلسطينية" مثلاً، وكيف لأعمال درامية هابطة تلقى إجماعاً نقدياً واستنكاراً جماهيرياً أن تستمر لأجزاء وأجزاء..؟!
لا نبرئ الجمهور هنا، لكن نرفض أن نجعله المتراس الوحيد في كل ما يعرض .. فالمعلن دائماً غلاّب.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد