ازدحام إلهي

كأنه لم يكن يكفي العالم ان الرئيس جورج بوش مقتنع بأنه مدفوع في مواقعه وسياساته بقوة الهية "لا يستطيع تفسيرها"، حتى جاءنا "نبي" آخر من الادارة الاميركية.
نعم. قائد الجيوش الاميركية، كبير الجنرالات، بيتر بايس، لم يتردد في كشف اسمه: انه وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. ببساطة قالها بايس: ان رامسفيلد "يدير الامور بالطريقة التي يقول له الله إنها الافضل لبلادنا".
كنا نظن ان الصلف المشهور لرامسفيلد وتحقيره أي انتقاد لخططه العسكرية وثقته المطلقة بان النصر له مهما بلغ عدد الضحايا من الاميركيين وغير الاميركيين في العراق وأفغانستان وغيرهما تنطلق من اقتناعه بانه "اله" أو على الاقل "اله الحروب". ولعل الدليل على ذلك ان رامسفيلد الذي استخدم مراراً القول الاميركي "عندما تكون في حفرة، فإن أول ما تفعله هو ان توقف الحفر" لم يشعر بعد بان هذا ينطبق على سياساته.
فاجأنا الجنرال بايس بتواضع رامسفيلد. الرجل ينفذ فقط مشيئة الله.
احترنا أي "نبي" لأي "اله" نصدق. فنحن أيضا في هذا الجزء من العالم لدينا رؤساء ومسؤولون واحزاب لا يقبلون بأقل من ذلك لدورهم وسياساتهم في مواجهة "انبياء" ادارة بوش. ومن يدري. ربما لولا بقية التزام لبقية من الشيوعية في كوريا الشمالية، لاطل علينا الرئيس كيم جونغ - ايل ليعلن ان التجربة النووية كانت أيضاً بوحي من الله.
نرضى أن يكون هذا الازدحام "الالهي" مشكلتنا، ونعود الى رامسفيلد.
نفهم ان يكون بايس يحاول الدفاع عن رئيسه في وجه فورة الانتقادات للفشل في العراق وتزايد المطالبة بتغييره وفي وقت يحاول الحزب الجمهوري تعبئة اصوات المتدينين قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني. ولكن من سيشرح لهؤلاء الاميركيين (ولا نطلب شرحاً لنا) خصائص هذا "الاله"- الذي يوحي الى رئيسهم ووزير دفاعهم بشن حروب من دون التخطيط لما يليها وبتجاهل كل نصيحة عاقلة وكل تقرير استخباري مفيد ويوحي اليهم بممارسة التعذيب والكذب والتضليل ويقودهم الى الفشل؟
لا يبدو ان "أنبياء" ادارة بوش معنيون بالشرح. فما دام رامسفيلد مثل بوش يتصرف بوحي من الله فان النتيجة هي مشيئته. الادارة ليست مسؤولة عن الفشل. والقصد انه لا حاجة الى المحاسبة ما دام الفشل ارادة الله.
هذه مشكلة الاميركيين وسيكون عليهم حسم أمرهم منها، فإما ان يقبلوا بـ "نبوة" بوش ورامسفيلد ايا تكن النتيجة وإما ان يفعلوا كما اقترح أميركي وضع تعليقه في احدى المدونات "بلوغ" على الانترنت: "بات على الاميركيين الان ان يغيّروا السؤال الذي طرحوه بعد اعتداءات 11 ايلول من "لماذا يكرهوننا" الى "لماذا يكرهنا الله؟".
وفي حال "اله" بوش ورامسفيلد، لن يكون الجواب صعباً.

سحر بعاصيري