أصدقاء «الثورة» السورية: بروباغندا الـ«فوتوشوب»
لعلّ أشهر أدوات الحرب النفسية أو العسكرية هي الصورة الفوتوغرافية بوصفها توازي آلاف الكلمات لجهة وقعها وتأثيرها في العقول والنفوس وكشاهد ودليل «دامغ» على الحدث. لذا، فإنّها تستدعي روحاً عالية من الأخلاقيات الإعلامية والصدقية المهنية في التصوير والنشر. لكن «بفضل» التكنولوجيا والتقنيات التي باتت المتاحة اليوم، صار سهلاً جداً صناعة صورة أو إجراء تعديلات على النسخة الأصلية وصولاً الى التغيير الكامل فيها وقلب معالمها كلّها... فكيف لو كانت هذه الصورة مستقاة من جو من ميدان المعارك والنزاع والحرب؟ إنّها كفيلة بتغيير مسار كامل أو «شحذ» تعاطف مصطنع من أجل تحقيق أهداف ومآرب سياسية أو ما يعرف بالبروباغندا. وهذا ما ينطبق تحديداً على الصورة المنشورة أخيراً في إحدى كبريات الصحف النمساوية. في 28 تموز (يوليو) الماضي، نشرت جريدة Kronen Zeitung المشهورة بـ «كرون»، صورةً ادّعت أنّها التُقطت في مدينة حلب وتظهر عائلة سورية مؤلفة من أم منقبة متشحة بالسواد، وأب يحمل طفله بين يديه، ويهربون وسط ركام من الأبنية المدمرة. كانت تلك الصورة تهدف إلى تبيان هول الحرب التي يشنّها النظام السوري. لكن سرعان ما اتضح زيف الصورة وناشريها بعدما قامت وكالة «برس فوتو» الأوروبية بنشر الصورة الحقيقية التي تعود إليها في الأصل. هكذا، تبيّنت بوضوح عملية التلاعب الحاصل من خلال برنامج الـ «فوتوشوب» واستجلاب أبنية مدمرة إلى الصورة المزيفة. أما الصورة الأصلية، فقد التُقطت في حلب عندما كانت العائلة تسير في أحد شوارع المدينة حيث كان الهدوء سيد الموقف! هذا التلاعب والتزييف أثارا الرأي العام العالمي، خصوصاً النمساوي الذي ينظر إلى صحيفته باعتبارها الأكثر احترافيةً. تعرّضت الجريدة لاتهامات بالتزييف والتزوير والعمل على تزكية «الصراع في سوريا» بهدف استجلاب التدخّل الخارجي، ووُصف الحدث «بالفضيحة»، وطرحت تساؤلات عدة تتعلّق بأداء وسائل الإعلام في الملف السوري، خصوصاً لجهة كمّ الافتراء الذي تبثّه.
حالات التلاعب والتزييف في الصور ليست بجديدة على أي حال خصوصاً في ما خصّ سوريا التي تحوّلت إلى ساحة مفتوحة لصراعات القوى العظمى. منذ اشتعال الحراك الشعبي، بدأ التهويل والتلاعب بالمعلومة، وكانت وسائل الإعلام تنشر الأخبار الخاطئة وغير الدقيقة تارةً بسبب التعتيم المفروض من النظام، وطوراً بسبب الدوافع السياسية التي تحرّك المنبر الإعلامي المعني. ويوم الأحد الماضي مثلاً، نشر موقع القناة الألمانية الأولى ARD (محطة مملوكة للدولة) صوراً من دمار غزة، لكنّه ادّعى أنّها التُقطت في حلب المنكوبة! وقبل حوالى شهرين فقط، انتشرت فضيحة «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي. بي. سي) لكن هذه المرة ليس عبر الـ«فوتوشوب»، بل من خلال التلاعب بمصدر الصورة ومكانها وزمانها. جاء ذلك عندما نشر موقع الإذاعة صورة مرعبة لجثث متراصفة ومكدّسة من بينها جثث أطفال. كانت تلك المجزرة قد ارتكبت في منطقة المسيّب (محافظة بابل) في العراق عام 2003. لكنّ الموقع ادّعى أنّها تعود إلى مجزرة الحولة الشهيرة في سوريا. وقد أماط اللثام عن هذه الفضيحة صاحب الصورة نفسه ماركو دي لورو (الأخبار 29/5/2012). حينها، خرج المصوّر الإيطالي (1970) ليعلن على صفحته على موقع الفايسبوك أنّ «أحدهم في bbc يستخدم صورته بطريقة غير قانونية كجزء من البروباغندا ضد النظام السوري». أما ردّ فعل bbc، فكان قيام الناطق الرسمي باسم الإذاعة بالاعتذار من المصوّر قائلاً: «بذلنا جهوداً طيلة الليل لإيجاد مصدر الصورة الأصليّ، وعندما توصّلنا إليه، قمنا بسحبها على الفور».
على أي حال، تستدعي حالة سوريا بشكل خاص وقفة طويلة لمراجعة العمل الصحافي الذي تعثّر طويلاً في رمال الشام المتحركة، فطاولت فضائح التزوير والتزييف أكبر المنابر الإعلامية في العالم ممن فضّلت أجندتها السياسية على أخلاقيات المهنة وأهدافها الأساسية.
سلّم على الصدقيّة
تعدّ «كرون» من أشهر الصحف النمساوية يتصفّحها أكثر من مليوني قارئ، أي ما يعادل 43% من مجموع القراء في البلاد. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار: بعد هذه الفضيحة (الصورة)، كم سيبلغ عدد المتصفحين لهذه الصحيفة، أي بعد خسارتها لأهم ركيزة في عملها ألا وهي الصدقيّة؟
الـ «نيو ميديا» هي الحلّ؟
تحت الصورة المزيّفة التي نشرتها «كرون»، كتب: «دبابات الأسد تجتاح الشوارع إلى أم المعارك». وبذلك، انضمت الجريدة إلى البروباغندا التي تروّجها وسائل الإعلام الأميركية في ما يخص الملف السوري تهدف إلى حشد التأييد العالمي لشنّ حرب وإطاحة النظام السوري. اللافت أنّ التزوير صار سمة الكثير من وسائل الإعلام. مثلاً، العام الماضي، انتشرت فضيحة مشابهة حيث لجأت وسائل الإعلام الأميركية إلى نشر صور مزيفة بعد مقتل أسامة بن لادن. وقد نشرت صورة لرجل مقتول آخر وقالت إنّها صورة بن لادن. كل هذه الممارسات أفقدت المهنة صدقيّتها وزادت من المآزق المالية التي يغرق فيها الإعلام التقليدي، مع توجّه كثيرين إلى الـ«نيو ميديا» بوصفها أكثر صدقية.
http://www.msnbc.msn.com/id/13165165/ns/world_news-mideast_n_africa/t/al...
http://lejournaldusiecle.com/2012/07/29/syrie-le-plus-important-journal-...
http://cameroonvoice.com/news/news.rcv?id=7645
زينب حاوي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد