هكذا سترد سوريا على الغارة الإسرائيلية
بعد الضربات التي نفّذها الطيران الإسرائيلي على أهداف ثابتة ومتحرّكة داخل سوريا، توقّع البعض ردّا سوريا مباشراً وسريعاً، لكنّ هذا الأمر لم يحصل، للأسباب التالية:
أولاً: أيّ ردّ برّي باتجاه الجولان المحتل، لن يكون أكثر من إحتكاك مسلّح خفيف لا يقدّم ولا يؤخّر، ولن يكون له أي وقع أمني أو معنوي مهمّ.
ثانياً: أيّ ردّ جوّي من الطيران السوري لن يكون متكافئاً مع سلاح الجوّ الإسرائيلي المتفوّق، ويشكّل خطراً على سلاح الجوّ السوري الذي يشارك في العمليّات الداخلية.
ثالثاً: الردّ الفعلي الوحيد المتاح يتمثّل في قصف أهداف داخل إسرائيل بصواريخ أرض-أرض بعيدة المدى، في سيناريو شبيه بالقصف الذي نفّذه الجيش العراقي أثناء حرب الخليج الثانية (أي عمليّة "عاصفة الصحراء" بين 2 آب 1990 و28 شباط 1991) وذلك بما مجموعه 39 صاروخ "سكود" طالت تل أبيب وحيفا وغيرهما آنذاك. لكن جرى العدول عن تنفيذ هكذا ردّ، لأن صواريخ "باتريوت" الإعتراضيّة التي نصبتها إسرائيل أخيراً قد تحدّ من فعاليّة الهجوم ككل، والأهم أنّ أي ردّ سوري سيستجلب بدوره المزيد من الهجمات الإسرائيلية ضد سوريا في المستقبل. وبالطبع، الجيش السوري المشغول بمعاركه الداخلية غير قادر على التركيز على أيّ معركة خارجية في هذه المرحلة.
رابعاً: أي ردّ عسكري سوري تقليدي، سيوجّه ضربة قاضية للإتصالات الأميركية-الروسية، على أكثر من مستوى، والتي ترمي إلى إيجاد خارطة طريق على أمل الوصول إلى تسوية شاملة لإنهاء النزاع الحالي في سوريا، ما يعني أنّ الوقت غير مناسب إطلاقاً للتصعيد ولإهدار هكذا فرصة.
لكن بما أنّ القيادة السورية ترفض هذه المرّة، تمرير الضربة العسكرية من دون ردّ كما حصل في العام 2007، عندما أغار الطيران الإسرائيلي على هدف سوري على بعد 25 كلم. شمال غرب مدينة دير الزور، بحجّة أنه يشكّل نواة منشأة نوويّة بحسب الإدعاء الإسرائيلي في حينه، تقرّر عدم الإكتفاء بمواقف الإستنكار والإدانة والشجب، خاصة وأنّ عبارة "الإحتفاظ بحق الردّ في المكان والزمان المناسبين"، صارت محط تهكّم وسخريّة.
وإتخذت القيادة السورية قراراً بأن لا تلجأ إلى ردّ صاروخي تقليدي، كما يظنّ البعض، بل إلى ردّ نوعي، بالتنسيق مع جهات إستخبارية تابعة لدول ولمنظّمات حليفة في المنطقة والعالم، بالتزامن مع العمل على إفشال أهداف الغارات الإسرائيلية.
فإذا كان الهدف من ضرب ما قيل أنها قافلة متحرّكة لوقف الإمدادات العسكرية السورية للتنظيمات المناوئة لإسرائيل في المنطقة، سيتم تكثيف عمليّات نقل الأسلحة، التي تنجح بأغلبيّتها وتفشل قلّة قليلة منها. وإذا كانت تجهيزات الدفاع الجوّي الصاروخي، وتحديداً صواريخ أرض-جوّ، من طراز SA17 السوفياتية الصنع، هي التي أخافت إسرائيل، فسيتم تكثيف محاولات تمريرها إلى القوى المناوئة لها.
وإذا كان الهدف من ضرب مركز البحث العلمي في جمرايا في ريف دمشق، "المسؤول عن رفع مستوى المقاومة والدفاع عن النفس"، بحسب السلطات السورية، والذي " يُستخدم للدراسات والإختبارات الهادفة إلى تعديل وتطوير الأسلحة، لا سيّما الصاروخيّة منها، بحسب التقارير الغربيّة"، وقف أعمال التطوير العسكري في سوريا، فإنّ دمشق ستواصل هذا الأمر في مراكز أخرى ما زالت سليمة، بالتنسيق والتعاون مع خبراء من دول إقليميّة حليفة.
وإذا كان الهدف من الغارات الإسرائيليّة الأخيرة على سوريا إستدراج الجيش السوري لمعركة خارجية تضعفه داخلياً، لن تقع القيادة السورية بهذا الفخّ، ولن تقوم بأي ردّ تقليدي يمنح إسرائيل حجّة للتعدّي الواسع على سوريا. وبالتالي، لن تعطي القيادة السورية أي ذريعة للطيران الإسرائيلي لضرب أهداف واسعة، مثل المطارات العسكرية ومراكز القيادة ومخازن الذخيرة السورية، الأمر الذي قد يقلب موازين القوى الحالية في الداخل السوري.
وإذا كان الهدف من الغارات الإسرائيليّة الأخيرة على سوريا، ضرب معنويّات الجيش السوري، فإنّ الرد السوري سيأتي من حيث لا تتوقّع إسرائيل، ومن حيث لا تنفع صواريخ "باتريوت" في إعتراضه، وذلك بعمليّات شبيهة بتفجير الباص السياحي الذي كان ينقل الإسرائيليّين في بلغاريا، وباستهداف السفارة الأميركية في تركيا، على سبيل المثال لا الحصر، لكن بفعاليّة مضاعفة وأكثر إيلاماً.
النشرة اللبنانية
إضافة تعليق جديد