أحلى نكت البابا شنودة
ربما كان حرص كثير من الأقباط على لقاء قداسة البابا شنودة الثالث والاستماع لدرس الأربعاء ـ بالكاتدرائية ـ من كل أسبوع بحثا عن قفشة كوميدية أو رواية خفيفة الظل تكسر رتابة الوعظ والروتين الدينى ليصبح الضحك لأول مرة منافساً للتراتيل والتسابيح فى الكنيسة القبطية!! كاريزما البابا شنودة.. تنبع من قدرته على تسخير خفة ظله اللافتة فى كسر القوالب الجامدة التى يعيش فيها رجل الدين بعد أن تجرأ على تقاليد الكرسى الباباوى دون أن يفقده وقاره فنجح فى النزول بأحكام الشريعة المسيحية من برجها العاجى وتغليف الوعظ بالكوميديا.. فأصبح الدين فى متناول البسطاء!!
كان ذلك دافعاً لتجميع هذه «القفشات» و«أحلى الضحكات» بصوت البابا فى ألبوم كامل يكشف عن جوانب مرحة جديدة فى شخصية البابا يمكن أن نطلق عليها «كوميديا الكرازة المرقسية»!!. من المهم أن نشير إلى التماس الملحوظ فى شكل الخطاب الدينى لدى كل من قداسة البابا شنودة وفضيلة الشيخ الشعراوى، فكلاهما خرج عن المألوف إلى حد التباسط فى تقديم وتفسير المعلومة الدينية فهما نتاج فترة تاريخية متزامنة جعلت التشابه بينهما أمرا عاديا. وإن وضع البابا «شنودة» خليفته على الكرسى الباباوى فى مأزق حتى يستطيع ملء كاريزما البابا والتواصل مع شعب الكنيسة بنفس السهولة!! الألبوم الصادر عن كنيسة العذراء بالمنصورية تحت اسم «اضحك وتأمل.. أحلى الضحكات وأعمق التأملات.. بصوت البابا شنودة ضمن سلسلة باسم «شنوديات» تتخللها ترانيم المديح فى البابا».
روح المرح وخفة الظل صفة لازمت «نظير جيد» ـ الاسم الحقيقى للبابا ـ منذ أن كان طالبا فى كلية الآداب ولعل البعض اعتقد فى تآكل روح الكوميديا خلف الزى الدينى بعد أن التحق بسلك الرهبنة وأجاب البابا عن هذا الأمر مؤكدا أن الكثيرين سألوه هل بعد أن تتولى الكرسى الباباوى سوف تتوقف عن الضحك والسخرية فأجاب قائلا: «بصراحة لم أستطع التوقف عن الضحك فهو الصفة المشتركة بين «نظير جيد» والراهب أنطونيوس والأنبا شنودة وأخيرا البابا شنودة»!! أغلب «القفشات» تأتى ردا على أسئلة الشعب القبطى التى ربما تكون غير معقولة ليحولها بخفة ظل لافتة إلى مادة للضحك مثل إجابته عن سؤال من أحد الصعايدة سأل البابا هل فى القيامة أثناء الدينونة ـ يقصد البعث ـ سوف نقوم كصعايدة كما نحن الآن؟! فرد عليه البابا قائلا: لاتخف.. فى الدينونة لن تقوم كعصيدى وربنا ها يكون صلحك على الآخر!!
نفس الأمر تكرر مع الصعايدة ـ رغم أن البابا نفسه ينتمى لأصول صعيدية ـ عندما جاء إلى الكاتدرائية أكثر من ثلاثة آلاف صعيدى وطلبوا منه بعد انتهاء الوعظ أن يسلم عليهم يدا بيد!!
فخرج من الموقف المحرج قائلا لهم: «أنتم عايزين يوم أجازة اتفرغ فيه من كل شئ عشان أسلم عليكم وعموما أنا صعيدى زيكم واتتبع أخباركم يوم بيوم وباضحك عليها وانبسط جداً» فى إشارة إلى النكات التى تخرج عن الصعايدة. سخرية البابا شنودة تأتى فى إطار المواقف الاجتماعية تخفيفا لحدة النقد الموجه لشعب الكنيسة فى تعليق على فتاة تخرج وتخاطب شابا تعرف عليها خلال المصيف وتسأل هل هذا تسلية أم جد فكان رده عليها «مش معقول لما قعدتى معاه اتكلمتوا هل «الشاروبيم» أعظم أم «الصاروفيم»!!
وظل البابا يقلد صوت الفتاة وهى تهاتف صديقها وهى تناديه باسم صديقتها خوفا من والدها!!
السلوكيات الاجتماعية تأخذ حيزاً كبيرا فى فكر البابا تنفيذا لنظرية «الدين المعاملة» فيقول: حسب ما ورد فى بستان الرهبان إذا جلست لتأكل وسط الناس فلا ترفع نظرك لترى ماذا يأكلون.
وعقب قائلا: «مش واحدة أقامت وليمة وتقول للمعازيم أنت لم تأكل من هذا الصنف أو هذا الصنف.. طب هى عرفت منين إلا إذا كانت قاعدة تعد عليهم «اللقم»!! ألقى البابا بخفة ظله نكتة تصب فى نفس الموقف قائلا: هذا ينطبق على شخص دعا صديقه لعزومة؟ وقال له كل من اللحمة فأجابه صديقه: أنا أكلت منها قطعتين فرد الرجل: لا أكلت ثلاث قطع.. بس كل تانى!! فى أحد دروس «البابا» أمام الآلاف عندما اشتكت له إحدى السيدات من شهوتها المفرطة فى الطعام، وأن هذا الأمر يعيقها عن استكمال الصوم فجاءت ردوده كما يلى: «الحمد لله أن الكاتدرائية مافيهاش أكل» وأضاف «اوعى تاكلى ذراع اللى قاعدة جنبك.. تبقى حكاية».
وعلق قائلا: «أمر سيئ أن يكون فى جسدك طعام مهضوم وطعام نصف مهضوم وطعام فى المحلات مرشح للهضم فى معدتك»!!
وأخيراً أجابها قائلا: «أنت محتاجة للفطام وأنصح أهلك أن يضعوا لك حاجة مره.. فى الأكل.. وربنا يستر».
الخروج من المآزق عبر الكوميديا صفة تميز البابا شنودة كما جاء فى سؤال لقداسته حول ارتدائه اللباس الاسود مع رجال الدين المسيحى، وهل السبب فى هذا اللون حدادا لدخول الإسلام إلى مصر؟!
ورغم حساسية السؤال المضلل والمتردد فى شوارع الفتنة فند البابا أسباب ارتداء السواد ولم يكن منها الحزن أو الحداد على دخول الاسلام وعلق قائلا: «هل أساتذة الجامعة حينما يرتدون الروب الأسود أثناء مناقشات طلاب الماجستير والدكتوراة فإنهم يرتدون الأسود حزناً على أن الطالب سوف يكون منافساً لهم بعد أن يحصل على الدكتوراة». وأضاف قائلا: «وهل عندما يرتدى العريس الأسود يوم زفافه والعروسه الأبيض فهل يرتدى البدلة السوداء حزناً أو حداداً.. لكن أقدر أقول خوفاً لما سيحدث له»!! مأزق آخر تعلق بأزمة انشقاق سابق فى الكنيسة بعد إعلان خمسة رهبان شراء كنيسة ورفض البابا إعطاء الأمر أكبر من حجمه واعتبر الرهبان المنشقين نقطة فى بحر آلاف الرهبان وعلق بنكتة طريفة ذات دلالة قائلا: «زعموا أن نملة تمشت فوق منارة إحدى الكاتدرائيات الكبيرة ثم قالت النملة للكاتدرائية: أنا آسفة اتقلت عليكى»!! فى موقع آخر رفض الزيارات غير المرتبة للأديرة واصفا إياها «باللو» وعلق إنه لايعرف معنى الكلمة ولكن سمعها كده!!
المرأة فى الأديان وطريقة التعامل معها منطقة شائكة خاصة أن البعض يربط بينها وبين الغواية وسط مطالب طفت على المجتمع المسيحى بتغطية وجه المرأة المسيحية وهو ما جعل البابا شنودة يروى فى إحدى عظاته قصة طريفة وردت فى بستان الرهبان قائلا: «توفيت زوجة لأحد الرجال وتركت له طفلاً فى المهد فترهبن الرجل فى الدير وأخذ الطفل معه ليتربى فى الدير حتى أصبح يافعاً ويومها أخذه والده لينزل به إلى القرية ليفاجأ الشاب بكائنات غريبة أول مرة يشاهدها وظل يسأل والده ما هذا!! فيقول الأب الراهب: هذا حصان وهذه جاموسة وهكذا.
حتى أشار الشاب إلى امرأة وسأل الأب ما هذا؟!
فأجابه: الشيطان!!
ولما عادا سأل الراهب ابنه ما أكثر ما أعجبك فى الرحلة فأجابه الشاب قائلا: أعجبنى الشيطان».
القصة ذات دلالة إلا أن البابا أكد أنه لا يقصد الإساءة للمرأة وربطها بالغواية وإنما فقط لكسر الجمود واعتذر للنساء الموجودات وتدارك الموقف عندما أكد أن الرجل إذا لم يتصل بالمرأة ويشاهد وجهها سوف يظل يفكر ماذا تخفى هذه المرأة!! موقف آخر طريف عندما حذر البابا السيدات فى إطار حديثه عن حكمة خلق الله للحيوان قبل الانسان وأنه لا ميزة فى ذلك بل على العكس حتى يكون الحيوان فى خدمة الإنسان قائلا: «أخشى أن تستغل النساء هذا الكلام ويقلن أن الله خلق آدم قبل حواء حتى يكون فى خدمتها»!! وأضاف: «ألا يكفى حواء أن قدم لها آدم أكبر خدمة فى التاريخ وأعطاها أحد ضلوعه لتخلق منه»!!
فضلا عن تعليقات خفيفة لقداسته تخص بعض المواقف البسيطة حول رغبة أحد الشباب من خريجى كلية الزراعة فى الالتحاق بالفن وممارسة التمثيل قائلا له: أكيد عادل إمام اللى كان يدرسلك فى كلية الزراعة لأنه كمان متخرج منها وانت تأثرت به. ورفض البابا الرد على شاب يعانى من التواصل والتعرف على زميلاته فى الجامعة ويقتصر على زملائه من الشباب فأجابه البابا: «مش هاقولك تعمل إيه عشان تتعرف على البنات عشان ماتوقعناش فى مشاكل.. خليها بينى وبينك»!!
أخيراً قد نختلف مع قداسة البابا شنودة فى بعد مواقفه من قضايا كنسية تخص شعب الكنيسة..إلا أننا جميعا نتفق على قدرته الكاريزمية وموهبته فى الاتصال الشخصى والتفاف الأقباط حوله ودوره فى تجديد الخطاب الدينى المسيحى ونرسل له باقة حب وود بمناسبة تعافيه من الجراحة التى أجراها مؤخرا فى الولايات المتحدة.. ونحتفى معه على طريقتنا بمناسبة عودته إلى أرض الوطن وقرب احتفاله بمرور 35 عاماً على توليه سدة الباباوية.
أحمد الباشا
المصدر: روز اليوسف
إضافة تعليق جديد