فى كل بيت مصري ملحد
«لقد عدنا إلى الخلف». هذا هو الاعتراف الذي يدلي به أبو إسحاق الحويني، الأب الروحي للحركة السلفية في مصر، في فيديو متداول على موقع «يوتيوب».
الحويني، الذي ظل يعالج الفقراء بالقرآن لأكثر من 30 عاماً، وعندما أصابه هو المرض سافر إلى ألمانيا للعلاج، يحكي قصص وحكايات عن آباء يلتقونه ويحكون له عن «أبناء» ليسوا عصاة، وإنما ملحدون، تعذبهم الأسئلة: «من خلق الكون؟ أين الله؟». ويتسأل الشيخ «إنهم يقولون كلاماً لم يقله أبولهب»، معتبراً أن الناس لم تعد كما كانت قبل الثورة، «يتحدثون عن الحجاب، ونتحدث نحن عن النقاب.. وإنما يتحدثون الآن عن الدين نفسه، الدين هو المهدد».
بعيداً عن تحليلات الشيخ، الذي يرى أن الإنترنت والهاتف الخلوي وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، هي السبب الرئيسي لانتشار «الإلحاد» في مصر. وينسى الحويني فعلياً، أن وصول تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم وسلوكها الذي اتسم بقدر كبير من الانتهازية السياسية، أسهم فعلياً في كشف النقاب عن كثير من الممارسات.
اتهام وسائل التواصل الاجتماعي ليس قاصراً على تيارات الإسلام السياسي فقط، وإنما لدى فئات سلطوية في «التيار المدني» طالبت أمس، مجلس الشورى بمناقشة ظاهرة الإلحاد، ومن بينهم النائب نادية هنري، التي اعتبرت أن «الظاهرة أصبحت تشكل خطراً داهماً على المجتمع المصري».
وأشارت هنري إلى أن «نسبة دخول الشباب على أحد المواقع الإلكترونية المخصصة لجذبهم لذلك تؤكد ضرورة تدخل مؤسسات الدولة، بما فيها الرئاسة، لوقف هذه الكارثة».
بالتأكيد لا توجد إحصائيات رسمية أو جادة لرصد أعداد الملحدين في مصر، وإن كانت بعض المدونات قدرت العدد بأكثر من مليونين، اعتماداً على المشتركين في صفحات «ملحدون» بأسمائها المختلفة على صفحات التواصل الاجتماعي.
وفى مدونة «مجدوب»، يكتب صاحبها تحليلاً للبيانات يصل فيه إلى نتيجة مفادها أن «نسبة الملحدين ستكون في ازدياد أكثر وأكثر، وهذا شيء طبيعي، لأننا في عصر الإنترنت وكل المعلومات متاحة للجميع. الكهنوت الديني في مصر يتآكل لأنه وهن وليس لديه حجج قوية، وإذا ضعفت الحجة يعلو صوته ويكفر من أمامه».
يرصد صحافي صديق التحولات في المجتمع المصري بعد الثورة، عندما كتب منذ عشر سنوات موضوعاً عن راوي الحديث أبو هريرة، تلقى يومها هو وعائلته عشرات التهديدات بالقتل. بينما الآن، بدأ نقاشاً حقيقياً وجاداً، حول أبو هريرة وتاريخه والأحاديث التي نسبها إلى النبي محمد.
بل إن مؤمن المحمدي، الكاتب الشاب، يقيم أسبوعياً صالوناً في إحدى محافظات مصر للإجابة عن أسئلة الشباب حول الأديان، إلا انه يرصد أن الحديث عن أبي هريرة على سبيل المثال صار فقرة ثابتة في أسئلة الحضور. كما أن الحديث عن حياة عمرو بن العاص (فاتح مصر) ومواقفه، لم يعد من الخطوط الحمراء، هذا إذا تذكرنا الحملة الشديدة التي قادها كثيرون لتكفير كاتب السيناريو الراحل أسامة أنور عكاشة عندما ذكر في أحد البرامج التلفزيونية أن «عمرو أحقر شخصية في التاريخ الإسلامي».
الثورة إذن دفعت بـ«أسئلة الغرف المغلقة» إلى الفضاء العام. الأسئلة الخجولة التي كان مكانها الوحيد بين أغلفة الكتب، وأحياناً قاعات الدرس المغلقة، كان الاقتراب منها عملاً محفوفاً بالمخاطر.
كان المثقف يطرح سؤاله في خجل. أسئلة حول الدين والسياسة، والشريعة ومفهومها، الحدود، وأساطير التدين، والقداسة التي يضفيها البعض حول الشخصيات الدينية البشرية وغيرها، احتلت مساحة واسعة في النقاش العام، تخطت حدود «الكتب» لتصبح مجالاً للحديث في برامج التلفزيون، وعربات المترو، بل في المناقشات العائلية أحياناً.
في كثير من الندوات التي تقام في القاهرة الآن، نجد شباباً يناقشون، يقدمون أنفسهم بأنهم ينتمون إلى تيار «علمانيون»، لا يتحسسون كلامهم، لا يبحثون أثناء الحديث عن مصطلحات متقعرة، يتحدثون بجرأة ويطرحون الأسئلة التي لم يطرحها كبار مفكري النهضة، بداية من طه حسين وحتى نصر أبو زيد.
خطابهم واضح «ليست المشكلة في ما يقدمه شيوخ الفضائيات من خطاب معاد للإنسانية، مشكلتهم الحقيقية مع النص». هكذا يعلنون بكل جرأة، يفككون خطابات علاها الصدأ لسنوات، ويطرحون من الأسئلة ما لم يكن ممكناً طرحه من قبل.
هذه النقاشات كان من المستحيل أن تخرج من قبل إلى العلن بتلك الصورة، بل ان تيار «علمانيون» بدأ بالنزول إلى الشارع، يترك أفكاره على الجدران في رسومات «غرافيتي»، ويبدأ أصحابه نقاشات جادة في كل مكان تقريباً. الخروج إلى النهار، ربما ألقى الضوء على الظاهرة، ما جعل بعض أصحابها يعلنون «إحنا في كل بيت مصري».
محمد شعير
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد