إذا أردت أن تكتب ما يشبه . . الأوذيسة
« دليل السيناريست» عنوان كتاب شيّق للكاتب الأميركي «كريستوفر فوغلر» (تعريب زياد خاشوق، صادر حديثا عن مؤسسة السينما، دمشق) الذي بدأ بالعمل محللاً للقصص لاستوديوهات سينمائية ذات أهمية بالغة، مثل شركة «والت ديزني» وشركات هوليوودية أخرى، جعلت مسيرته محفوفة بالقصص. أغنت تجربته وعمله محللاً للقصص حيث يعترف في مقدمة كتابه بأنه قيّم آلاف القصص والسيناريوهات. وعلى مرّ السنين، بدأ يدوّن بعض العناصر المشتركة في قصص المغامرات والأساطير، وشيئا فشيئاً بدأت تتكشف له ما يشبه إجابات عن أسئلة جدية حول مصادر القصص، مع كل نماذجها المتكررة، بشكل غريب، وتلميحاتها وتساؤلاتها.
من أين تأتي هذه القصص وكيف تعمل وتؤثر؟ ما الذي تقوله عن أنفسنا؟ ما الذي تعنيه؟ ما الذي يجعلها ضرورية لنا؟ كيف نستطيع استخدامها من أجل تحسين العالم؟ وفوق كل شي، ماذا يفعل المؤلف كي يجعل القصة تعني شيئا ما؟
من خلال هذه التساؤلات، استطاع كريستوفر فوغلر إنجاز كتابه هذا الذي يهدف من خلاله إلى تحليل رحلة الكاتب - مسيرته عبر المتاهة المذهلة، متاهة الأسطورة والحلم وعلم النفس والكتابة والحياة عامة - ربما لهذا استخدم الكلمات الأولى التي قالها ذات يوم هوميروس ليبدأ ملحمته الخالدة «الالياذة» فنقرأ: «هي ذي الحكاية التي ألتمس من ربة الفن الإلهية أن ترويها لنا. ابدئي أيتها الإلهة من حيث ترغبين». وبعدها سنرافق الكاتب في مهمة نستكشف فيها التخوم المبهمة بين الميثولوجيا والكتابة العصرية، أي رحلة الكاتب. ستقودنا في ذلك فكرة بسيطة: إننا نجد في القصص كافة بضعة عناصر بنيوية عمومية موجودة في الأساطير وحكايات الجنيات والأحلام والأفلام. إنها معروفة باسم «رحلة البطل» ويشكل فهمُ واستخدامُ هذه العناصر في الأدب المعاصر هدف بحث هذا الكتاب. حين توظف هذه الأدوات القديمة وتستخدم في فن الكتابة بحكمة، تحتفظ دائما بقدرة هائلة على جعل العالم مكانا أفضل.
ينطلق الكاتب من تحليل الأسطورة ليصل إلى مصادر أشهر أفلام هوليوود، وتبرز قدراته كمحلل قصص، عبر إحالتنا على الأسطورة المصدّرة للأبطال الذين نراهم في أفلام مثل حرب النجوم، وساحر أوز، رجل المطر، من روسيا مع حبي، شرقي عدن، العرّاب، قطار الظهيرة، سيدة من شنغهاي.
يعتمد الكاتب على يقينه بكون الأسطورة قصة نوع خاص من الروايات تحكي عن الآلهة أو عن قوى الخلق وعن علاقة هذه القوى مع الكائنات البشرية. القصص الحديثة ليست كلها أساطير وليس لها دائما أبعاد أسطورية. لكن قصص هذه الأيام تشترك في كثير من النقاط مع الطاقة الأبدية التي تتضمنها الأساطير. تقوم مورفولوجيا الأساطير وشخصياتها النموذجية بتأمين أرضية للقصص الحديثة، بحيث يُغني كل كاتب أعماله باستزادته من المعرفة فيها. والكاتب في عمله هذا يرسم بعضاً من أبنية الميثولوجيا، ويقرّبها من عمل الكاتب والسيناريست.
على امتداد الكتاب يشير الكاتب إلى أفلام كلاسيكية أو حديثة، وينصح القارئ بمشاهدة بعض هذه الأفلام لرؤية كيف تعمل رحلة البطل بشكل ملموس. وكيف تتشكل «موضوعة» كونية مشتركة مع الثقافات كافة وتوجد في كل الأعصر، بتنوع يعادل تنوع الجنس البشري، مع بقائها متماثلة في شكلها الأساسي. هذه المجموعة من العناصر الثابتة إلى حد لا يصدق تنبثق إلى ما لا نهاية من أعمق أعماق الروح البشرية ولا تختلف إلا بالتفاصيل بحسب الثقافات.
إنه كتاب تخصصي بامتياز. ليس مخصصاً للمطالعة المسترخية السهلة، بل للقراءة المتمعنة الممحصة. وتبدو أهميته من خلال ما يمكن أن يقدمه من نصائح لكل من يعمل في مجال القصة والسيناريو والإخراج.
لينا هويان الحسن
المصدر : السفير
إضافة تعليق جديد