سياسة «فقط للرجال» تحكم بريطانيا بلد «المساواة» بين الجنسين
انشغل محبو لعبة الغولف في بريطانيا أخيراً بمتابعة مباريات «البطولة المفتوحة» Open Championship التي أجريت قبل حوالى أسبوعين. قد يكون مصدر الاهتمام «الزائد» مرتبطاً بحقيقة أن هذه البطولة «المفتوحة» هي الوحيدة التي تُجرى في بريطانيا ذاتها، فيما تُجرى البطولات المفتوحة السبع الأخرى في الولايات المتحدة. وقد يكون مصدر الاهتمام أيضاً مرتبطاً بحقيقة أن الإنكليزي لي وستوود كان مرشحاً قوياً للفوز بها، في مواجهة البطل الأميركي الشهير تايغر وودز.
لكن، كان هناك بلا شك سبب آخر لاهتمام البريطانيين بهذه اللعبة: إنه الجدل، مجدداً، حول المساواة - أو انعدام المساواة - بين الجنسين. قد يستغرب كثيرون أن هذا الموضوع ما زال يُثار في بلد متحرر كبريطانيا يُفترض أن نساءه ينلن حقوقهن و «حبة مسك» زيادة. لكن الحقيقة تبدو مغايرة لذلك. وهذا تحديداً ما كشفته بطولة الغولف المفتوحة، إذ إن نادي «ميورفيلد» الذي استضاف البطولة على مساحاته العشبية الخضراء، ما زال متمسكاً بسياسته القديمة: «لا نساء هنا».
في واقع الأمر، نادي «ميورفيلد» ليس الوحيد في بريطانيا الذي يطبّق سياسة حظر انتماء النساء إليه، بل هناك عشرات، وربما مئات، النوادي العريقة التي ما زالت تعتمد سياسة «للرجال فقط». لكن استضافة «ميورفيلد» بطولة الغولف «المفتوحة» شكّلت مناسبة لتسليط الضوء على ما يسميه بعض المعلقين بسياسة «الأبارثايد» - أو «الفصل» بين الناس، وهو هنا يُطبق بمعنى الفصل بين الرجال والنساء وليس الفصل بين الأعراق (كما كان يحصل في جنوب أفريقيا أيام حكم العنصريين البيض).
حكر على الرجال!
انطلق الجدل حول سياسية «لا نساء» في نادي «ميورفيلد» قبل أسابيع من بدء بطولة الغولف عندما انبرت أقلام صحافية تتساءل عن مدى ملاءمة مثل هذه السياسة للقرن الحادي والعشرين. لكن الرد جاء سريعاً من الهيئة المشرفة على لعبة الغولف في بريطانيا: لا تغيير في سياسة الفصل بين الجنسين. فقد رفض رئيس الهيئة التي تمثّل لعبة الغولف بيتر داوسون، في مقابلة صحافية، أن يغيّر رأيه في شأن «نوادٍ الرجال فقط» ورفضها قبول نساء في عضويتها، قائلاً إنه «يؤمن إيماناً تاماً بالمساواة» بين النساء والرجاء ولكن في الوقت ذاته - كما أضاف - «الرجال يحتاجون إلى أن يتخالطوا اجتماعياً socialise مع الرجال، والنساء تحتاج إلى أن تتخالط اجتماعياً مع النساء».
أثار هذا الرد امتعاضاً بين رافضي سياسة الفصل بين الجنسين. فكتبت المعلقة الرياضية لوسي كيندر أن ليس هناك «أي سبب مهني يحول دون أن يُسمح للاعبي الغولف الذكور والإناث بأن يتدربوا معاً»، مشيرة في تعليق لها في صحيفة «الغارديان» اليسارية إلى أنها لا تفهم كيف أن الرئيس التنفيذي للعبة الغولف في بريطانيا «لا يدفع في اتجاه حصول تغيير» في مسألة فصل اللاعبين الرجال عن النساء «في مثل هذا العصر». ولعل ما يثير استغراب مؤيدي المزج بين الجنسين أن لعبة الغولف هي من بين الرياضات القليلة، ربما، التي يمكن فيها النساء أن يتنافسن على المستوى نفسه مع الرجال، كونها لا تتطلب قدرات جسدية كما في بعض الألعاب الأخرى (مثل الركبي أو رفع الأثقال). لكن لوسي كيندر تقول إن المساواة التي تتحدث عنها لا تعني أن تتنافس النساء ضد الرجال على ملاعب الغولف، بل «فقط» السماح للفتيات والصبيان بالتدرب «إلى جانب بعضهم بعضاً على قطعة الأرض الخضراء نفسها، أي أن يُسمح لهم بأن يستخدموا الوسائل المتاحة ذاتها لكل منهم - يجب أن نواجه الواقع: فكثير من نوادي الغولف المخصصة للرجال فقط أكثر تطوراً من تلك المخصصة للنساء». وتذهب الى أبعد من ذلك، منتقدة داوسون قائلة إنه «يروّج فعلياً للفصل بين الرجال والنساء، بدل أن يشجع النساء على الالتحاق بنوادي الغولف».
وتضيف كيندر ساخرة: «السيد داوسون يشير إلى أنه فيما بعض نوادي الغولف مقفلة في وجه النساء، فإن الملاعب ذاتها ما زالت مفتوحة أمامهن... ولكن كزائرات فقط».
وامتد الجدل في هذه القضية إلى لاعبي الغولف أنفسهم، عندما سعت وسائل الإعلام إلى استيضاح آرائهم في مدى ملاءمة سياسة «للرجال فقط» أو «لا للنساء» للعصر الحالي. لكن كثيرين من اللاعبين بدا عليهم الإحراج، إذ قال البطل العالمي روري ماكلروي إن اللاعبين لا يريدون أن يدخلوا طرفاً في الجدل حول سياسة نادي ميورفيلد «لا نساء»، لكنه أقر في الوقت عينه بأن مثل هذه السياسة «يجب ألا تحصل في هذه الأيام».
أبعاد سياسية للجدل
غير أن الجدل حول النوادي المخصصة لجنس دون الآخر سرعان ما أخذ بُعداً سياسياً نظراً إلى العلاقة التاريخية التي تربط مثل هذه النوادي بحزب المحافظين أو بأثرياء القوم. فقد قالت هارييت هارمان، نائبة رئيس حزب العمال، إن النوادي التي تمنع عضوية النساء يجب أن تُحظر، مضيفة: «بعد النجاحات الأخيرة للنساء الرياضيات، من المعيب أن بطولة بريطانيا المفتوحة هذا العام تُجرى في ناد لا يقبل عضوية النساء... فقد حان الوقت أن يجرّ (نادي) «ميورفيلد» ذاته إلى القرن الحادي والعشرين ويسمح بقبول النساء. حان الوقت لمنع النوادي التي لا تقبل سوى الرجال».
وفيما قال نائب رئيس الحكومة نيك كليغ (حزب الديموقراطيين الأحرار) إن ليس على السياسيين التدخل في مسألة أين تستضاف مباراة الغولف المفتوحة مع إدانته الشديدة لسياسة «لا للنساء»، انضمت وزيرة الثقافة ماريا ميلر (من حزب المحافظين) إلى مجموعة المنددين بسياسة «ميورفليد»، قائلة إنها قاطعت البطولة المفتوحة احتجاجاً على رفض النادي قبول عضوية النساء.
ولم يخرج رئيس الحكومة ديفيد كامرون عن هذا الإجماع، إذ اعتبر أن سياسة الفصل «باتت أمراً من الماضي»، لكنه شدد على ضرورة عدم التدخل في حق النساء أو الرجال في تأسيس نادٍ يمثلهن أو يمثلهم. وكان هذا الموقف متوقعاً من دون شك من كامرون كونه كان عضواً في ناد مخصص «للرجال فقط» لكنه انسحب منه عام 2008 عندما تسلم قيادة المحافظين. فقد كان يعرف بلا شك أن انتماءه إلى مثل هذا النادي قد يؤذي سمعته ويحرمه من أصوات النساء في الانتخابات ويحول في النهاية بينه وبين حلمه في الوصول إلى 10 داونينغ ستريت. لم يكن قراره الانسحاب من نادي «وايتس» العريق في قلب لندن، بالقرار السهل. فوالده كان يوماً رئيساً له. كما أن «وايتس» واحد من أعرق النوادي المخصصة للرجال في بريطانيا وأحد أصعب النوادي التي يمكن الانضمام إلى عضويتها. ويفخر النادي بأن كل رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على حكم بريطانيا، منذ روبرت وولبول في بداية القرن الثامن عشر وحتى روبرت بيل في منتصف القرن التاسع عشر، كانوا أعضاء فيه. لم يقبل النادي في عضويته يوماً أي امرأة، باستثناء واحدة هي ملكة بريطانيا. لكن كامرون كان الوحيد الذي خرج منه... بمحض إرادته!
رانيا كرم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد