«آب» عنــد الشــعراء الــروس
شهر آب مزدحم بالمناسبات والأعياد: عيد الرب وعيد السيدة وعيد النجاة... وأيضاً بالأساطير: فالرقم 8 في شهر آب يمتلك مفعولاً سحرياً.. إنه رمز التوازن بين القوى المتقابلة بعضها لبعض والتي تلتقي بقوة في هذا الرقم. والرقم 8 يعني أربع دعامات مزدوجة أو أربعة ثنائيات أساسية كما لو أنها تقوم في الزوايا، بل إن الرقم 8 يرمز للزوايا القائمة وللجدّية في الطباع.. والناس من هذا الرقم يمتازون عادة بالصراحة والصدق، وهم واثقون من أنفسهم، وغالباً ما يتمتعون بثقافة واسعة وباهتمامات متعددة.
ولشهر آب مكانة قريبة من مركز الألم في روح الشعراء الروس..
فهذه الشاعرة الروسية مارينا تسفيتاييفا التي ماتت في آب عام 1941 انتحاراً بحبل أعطاها إياه باسترناك لتحزم به حقيبتها كانت قد أطلقت على آنا أخماتوفا - الشاعرة الروسية الأخرى التي عاصرت السلطة البلشفية منذ بداياتها لقب موزا النحيب والبكاء, وآنا أخماتوفا بدورها أطلقت على شهر آب لقب «ضيف ومسيرة الحداد الذي يستمر 30 يوماً».. ففي آب عام 1914 بدأت الحرب العالمية الأولى، وفي آب من عام 1915 توفي والدها، وفي آب عام 1921 اعدم زوجها الأول الشاعر غوميليف وفي آب من عام 1946 صدر قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي الذي ترك أثراً سلبياً كبيراً على حياتها.. وفي آب من عام 1953 توفي آخر عمالقة الأدب الروسي الكلاسيكي إيفان بونين.
هنا نماذج مختارة لقصائد بعض الشعراء الروس المكرّسة لشهر آب.
1
فيدور توتشِف
1803 ـ 1873
أشعاره ذات نزعة فلسفية وهي تعكس الإحساس التراجيدي بتناقضات الحياة الدنيوية.
يمتاز شعره بالعمق النفسي ولديه أشعار غنائية رائعة.
«بمناسبة ذكرى
عزيزة في 4 آب»
ها أنا أتسكع على جانب درب طويل
في ضوء خافت لنهار ينطفئ.
حزينة أنا، قدماي تَيِّبْسَتا...
فهل تراني، يا صديقي العزيز؟
ويشتد الظلام ويصبح أحلك على الأرض ـ
فقد انقضى البريق الأخير لليوم...
هذا هو العالم الذي عشنا فيه وإياك,
فهل تراني، يا ملاكي؟
غداً يوم الصلاة والأسى،
غداً ذكرى اليوم المشؤوم...
ملاكي، أينما حلّقت أرواحنا،
فهل تراني، يا ملاكي؟
2
قطسطنين بالْمُنْت
من الشعراء الروس الرمزيين. 1867 ـ 1942. هاجر عام 1920 بعد الثورة البلشفية.
سوناتة
كم هو آب صاف, رقيق وهادئ.
وقد أدرك لحظْية الجَمال.
إذ وشّح أوراق الشجر بلون الذهب
فقد أسَرَ المشاعر في نظام متناسق.
ويبدو خطأً فيه منتصف النهار القائظ ـ
تتآلف معه أكثر الأحلام حزناً,
برودة الظلِّ وروعة البساطة الوادعة،
والراحة من متاعب الحياة اليومية.
والسنابل الملآنة تتخايل للمرة الأخيرة
أمام رأس المنجل الحاد,
وتُرى بدلاً من الأزهار
في كل مكان الثمار الأرضية.
ومنظر حزم الحنطة الثقيلة يبعث المتعة،
بينما حشد من الغرانيق يطير في السماء
وهي تصرخ مرسلةَ «سامحيني»
إلى الأماكن الغالية.
3
فاليري بريوسوف
1873 ـ 1924
شاعر روسي، مؤسس الحركة الشعرية الرمزية في روسيا.
تتميز أشعاره بالإشكالية التاريخية والثقافية.
آب (مقطع)
سلاماً، شهر آب، أيها المكلل بالنشوة.
يا شاباً هزلياً أسمر!
ونحن نمدّ البساط تحت شجرة بلوط،
نحن نستعد للوليمة في الغابة!..
آب، يا عزيزي! يا فتى فحمي اللون!
أنت أيضاً، مثلنا، سكران.
هبط المساء. والهلال الدائري
أضاء ربوع الحقل.
4
ساشا تشيورني
1880 ـ 1932
الاسم الحقيقي الكساندر غلينبرغ.
تتميز أشعاره بالهزء والسخرية من ضيق الأفق ومن ذهنية الناس السذّج. هاجر في عام 1920 إلى خارج روسيا.
آب
أغطس في أيلول، واستحم في الخريف.
والحوذيُّ سيصبح حزيناً في آب.
عندي شمسان – واحدة في الأعلى وأخرى في البحيرة.
وأحتاج لشمس ثالثة – أن تكون هنا قي الصدر.
وبحيث إن ملاكي -
بهدوء، ولو همساً،
حتى ولو سهواً
كما يحدث في أحلام اليقظة -
يلفظ اسمي
بعيداً،
خلف الثلوج والمستنقعات.
5
مارينا تسفيتاييفا
1892 ـ 1941
شاعرة روسية. تمتاز أشعارها بالنزعة الرومانسية
كانت تميل إلى الشعر الغنائي الكلاسيكي.
آب ـ عنا صيف ٌ[1
آب ـ نجوم،
آب ـ عناقيد
عنب وحبات غبيراء،
صدأ ـ آب.
كما الطفل، تلعب يا آب،
كما الكف، تمسح القلب
باسمك الإمبراطوري :
آب! ـ إنه القلب!
شهر القبلات المتأخرة،
شهر الورود والبروق المتأخرة!
تساقط النجوم بكثافة ـ
آب! ـ شهر
السقوط الغزير للنجوم!
6
آنّا آخماتوفا
1889 ـ 1966
شاعرة روسية. تتميز أشعارها بعمق الإحساس بالتاريخ.. وبأنها تغوص في أعماق النفس البشرية.
آب
إنه بارٌّ وماكر،
وأكثر رعباً من كل الشهور:
ففي كل آب، يا إله الحق،
كمٌّ هائل من الأعياد والمآتم.
تحليل الخمر وأشجار الشوح...
عيد السيدة، عيد التجلّي... وقبة السماء!
تسافر نحو الأسفل، كذلك الممشى،
حيث تتوهج بقايا الفجر،
إلى ما لا ناهية من الضباب
والجليد يقود للأعلى، كما السلّم.
تظاهر بأنه غابة ساحرة،
لكنه خسر مفاتنه،
كان «اكسير» الأمل
في صمت تخشيبة ما وراء القطب...
والآن! إنك مصيبة جديدة،
تخنق صدري كالبواء...
والبحر الأسود يلعلع،
وهو يبحث عن رأسي.
....
....
7
بوريس باسترناك
1890 ـ 1960
كاتب وشاعر سوفياتي. من أشهر أعماله رواية «دكتور جيفاغو» الذي صدرت خارج الاتحاد السوفياتي بداية عام 1957 ونال عليها جائزة نوبل عام 1958 لكن السلطات الرسمية منعـته من السفر لتسلمها.
آب
كما وعدت، بدون أن تخْلِف وعدها،
عبرت الشمس في الصباح الباكر
على شكل شريط زعفراني اللون
من الستارة وحتى الديوان.
لقد غطّت قُهْرة ساخنة
الغابة الجارة وبيوت القرية،
فراشي، وسادتي الرطبة
وحرف الحائط خلف رفوف الكتب.
لقد تذكّرتُ لماذا هي الوسادة
رطبة بعض الشيء.
فقد حلمتُ كما لو أنكم جئتم لوداعي
عبر الغابة الواحد تلو الآخر.
لقد مشيتم حشداً، متفرقين وأزواجاً،
وفجأة أحدكم تذكّر أن اليوم
السادس من آب بحسب التقويم القديم،
عيد الرب.
حيث النور ينبعث عادة في ذلك اليوم
من الرعاية بدون لهب.
....
8
جوزيف برودسكي
1940 ـ 1996
شاعر سوفياتي منشق.. نال جائزة نوبل للآداب.
لا يوجد له اسم في القاموس الموسوعي السوفياتي الصادر عام 1985 في موسكو.
آب
مدن صغيرة، حيث لن يقولوا لكم الحقيقة.
وما حاجتكم أصلاً لها، فالأمر سواء ـ بالأمس.
شجيرات الدردار تخشخش خلف النافذة
كما لو تردد الصدى لمنظر الطبيعة،
الذي يعرفه القطار وحده.
في مكان ما تطنّ نحلة.
وقد صنع لنفسه مقاماً، الفارسُ نفسه
تحوّل إلى إشارة ضوئية؛ وفي الأمام ثمة نهر،
والفرق بين المرآة، حيث تنظرون
وبين أولئك الذين لا يتذكرونكم، ليس كبيراً.
دُرف النوافذ ملفوفة تماماً بالنميمة
أو ببساطة باللبلاب كي لا تنطلي عليها الحيلة.
يخرج راكضاً إلى المدخل فتى ملّوح بالشمس،
فيسرق منك المستقبل وهو واقف في سرواله الداخلي.
لهذا السبب يمتد المغيب طويلاً. فالمساء مسكوب عادة
في شكل ساحة لمحطة القطارات، مع تمثال وهلم جراً،
حيث النظرة التي يقرأ فيها «اللعنة عليك»
تتناسـب طـرداً مع الحشد الغائب.
9
إيليا تورين
1880 ـ 1999
أنا من صميم شهر آب.
وهذا ـ على الأرجح، مصيبة
أكثر مما هو صرخة
إكليل غار في أعلى قمة عصية
حتى على أفكارك الخاصة؛
من تلك القُهرة الفاضلة، التي
تعمي عدسة المرآة
فتجعل العين رطبة...
[1 ـ نوع من النباتات ـ المترجم
إبراهيم استنبولي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد