«أحرار الشام»: حلف إقليمي.. ومعركة مركزية.. وتحييد لـ«القاعدة»!

19-11-2015

«أحرار الشام»: حلف إقليمي.. ومعركة مركزية.. وتحييد لـ«القاعدة»!

وصلت إلى «حركة أحرار الشام الإسلامية» من بعض الدول الداعمة لها رسائل تطمينية عدة، بأن اسم الحركة لن يوضع على قائمة الإرهاب التي يقوم الأردن بإعدادها بناء على تكليف من اجتماع فيينا الأخير.
ولكن الحركة تدرك أن عدم وصمها بالإرهاب لن يحل جميع مشاكلها، فهي في وضع لا تُحسد عليه، وعليها اجتراح ما يشبه المعجزة ليمكنها التخلص منه. فصحيح أن عدم وضع الحركة على قائمة الإرهاب ـ حسب رسائل التطمين ـ أنجاها من إمكانية استهدافها تحت شعار «محاربة الإرهاب» الذي تجتمع حوله الكثير من دول العالم في هذه المرحلة، لكن الصحيح أيضاً أن الحركة سرعان ما ستجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ خيارات تتوافق مع المزاج الدولي، والتي قد يكون من بينها الدخول في صراعات مسلحة مع حلفاء الأمس، وعلى رأسهم «جبهة النصرة».صورة وزّعتها "جبهة النصرة" أمس لما قالت إنه حطام طائرة روسية من دون طيار أسقطت فوق مطار أبو الضهور في ريف ادلب (ا ف ب)
وتراهن قيادة الحركة على إمكانية تفريغ اجتماعات فيينا من مضمونها، وأن بعض الدول مثل تركيا وقطر والسعودية قادرة على تأمين غطاء يقي الفصائل الكبرى ارتدادات ما قد يصدر عن هذه الاجتماعات من مقررات وتوصيات، من دون أن تلغي الحركة من حساباتها أن الأسوأ قد يحدث، لذلك تحاول فتح مسارات عدة يبدو بعضها متضارباً، بهدف شق طريق يصل بها إلى بر الأمان.
فمن جهة، تستمر الحركة في تفعيل نشاطها في «جيش الفتح»، الذي تعتبر «جبهة النصرة» الموضوعة على قائمة إرهاب فيينا، ركناً أساسياً فيه. وهذا مؤشر على أن «أحرار الشام» لا تبالي بالتصنيفات التي تصدر عن اجتماع فيينا. وكان «جيش الفتح» قد دعا أمس الأول إلى الاستنفار العام لمواجهة الجيش السوري في ريف حلب، كما طالب فصائل الشمال التي اتهمها بالتخاذل بالانضمام إليه والانضواء تحت رايته.
ومن جهة أخرى، اتخذت الحركة إجراءات تنظيمية عدة توحي بأنها تعمل على تطويق «التيار القاعدي» داخلها، ومنعه من الهيمنة على قرارات فيها. حيث أصدرت، أمس الأول، قراراً إدارياً يقضي بعزل أبي محمد الصادق (اسمه نضال حسن) الذي يُعتبر من قادة «التيار القاعدي» في الحركة، من منصب «المفتي العام»، وكذلك بإعادة هيكلة «المكتب الشرعي» وتسليم رئاسته إلى «الأمير» السابق للحركة أبي جابر الشيخ (وهو أحد المقاتلين السابقين في العراق تحت زعامة أبو مصعب الزرقاوي) المحسوب على التيار الثالث الذي لم يُحسم موقفه بعد من صراع التيارات، وذلك بعد تغيير اسم المكتب إلى «هيئة الدعوة والإرشاد» بما يُذكّر باسم أول مكتب أنشأه حسن البنا مؤسس حركة «الإخوان المسلمين» في مصر في ثلاثينيات القرن الماضي.
كما استحدثت الحركة «الهيئة القضائية»، وعيّنت الشيخ أبو النور الشامي واسمه أحمد محمد نجيب (المعروف بميوله «الاخوانية»، وكان يرأس «الهيئة الشرعية» في حلب من قبل)، رئيساً لها على أن تكون تابعة لقيادة الحركة مباشرة.
وتوّجت الحركة هذه التغييرات التي تدلّ على مدى قلقها من تطوّرات مسار فيينا، بمقالة لمسؤول العلاقات الخارجية لبيب النحاس نُشرت، أمس، هي أشبه بالبيان السياسي الأخير قبل اتخاذ خطوات عملية على الأرض قد تصدم بعض حلفائها الإسلاميين. وشدّد النحاس في مقالته على أنه «آن الأوان لتكون الثورة السورية شريكاً أساسياً فاعلاً ومؤثراً في حلف إقليمي مع تركيا وقطر والسعودية في وجه ما يُحاك للمنطقة» في إشارة إلى التدخل العسكري الروسي وتداعياته الميدانية والسياسية. وإذ أشار إلى أن «الحاجة أصبحت ماسة لإدارة المعركة بطريقة مركزية وعدم الاكتفاء بجبهات مناطقية منفصلة»، فقد دعا إلى «إنشاء تمثيل سياسي جامع»، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب أولاً التوحّد بين «الفصائل الإسلامية» وبين «فصائل الجيش الحر» بهدف «تحرير سوريا من الاحتلالين الإيراني والروسي». وانتقد النحاس «من سارعوا إلى حجز مقعد لهم في المرحلة المقبلة» اعتقاداً منهم أن اجتماعات فيينا قد أنهت الثورة السورية. وقال لهؤلاء في ختام مقالته: «كذبوا، الآن الآن وقت القتال».
وقد تبدو دعوة النحاس للتوحّد متسقةً مع البيان الصادر عن «جيش الفتح»، والذي طالب الفصائل بالانضواء تحت رايته، لكن حقيقة الأمر أن ثمة اختلافاً جوهرياً بينهما، لدرجة أن كلاً منهما يشكل مساراً مختلفاً. وقد تكون «جبهة النصرة» أكثر من غيرها هي المعنية بدعوة النحاس، لأنها الوحيدة التي لديها مشكلة إيديولوجية في الاتحاد مع فصائل غير إسلامية.
والمشكلة الأساسية التي تعاني منها الحركة هي عدم تجانسها ووجود تيارات عدة داخلها، وبالتالي قد يكون لكل تيار رأي مختلف حول بعض القضايا. وهذه التيارات هي «التيار الإصلاحي» الذي يقوده «أميرها» الحالي أبو يحيى المصري بتأييد من غالبية أعضاء «مجلس الشورى» وشبه إجماع من الجناح السياسي برئاسة محمد عبدالله الشامي، و «التيار القاعدي» الذي يقوده قائدها العسكري أبو صالح طحان بتأييد من بعض أعضاء «مجلس الشورى» وغالبية أعضاء «المكتب الشرعي» وعلى رأسهم «المفتي العام» أبو محمد الصادق. و «التيار الثالث» الذي لم يحسم موقفه حول توجّهات الحركة، ويأتي على رأس هذا التيار أحد أبرز مؤسسي الحركة خالد أبو أنس و «أميرها» السابق أبو جابر هاشم وبعض القيادات الأخرى مثل أبو راتب الحمصي «أمير» الحركة في حمص وقائد «لواء الحق».
وقد صدرت عن الحركة مؤخراً مجموعة من المواقف المتناقضة التي تعكس حقيقة تركيبتها الداخلية والصراعات الحاصلة بين تياراتها. فمن جهة وقّعت الحركة، في خطوة غير مسبوقة، على بيان مشترك مع «الائتلاف الوطني» المعارض وحوالي أربعين فصيلاً مسلحاً حول «آخر التطورات وتداعيات العملية السياسية في سوريا». بينما كانت الحركة طوال السنوات الماضية، تخوض صراعاً علنياً ضد «الائتلاف» وتعتبره خصماً يسعى إلى سرقة إنجازات «المجاهدين».
ومن جهة ثانية، عبرت الحركة عن رفضها لما جاء في مقررات اجتماع فيينا الأول حول «علمانية» الدولة السورية، وأدرجت ذلك في خانة «المبادئ المعلبة والحلول المستوردة» البعيدة عن ثقافة وهوية «شعبنا المسلم». وجاء في البيان الصادر عن «المكتب الشرعي» للحركة برئاسة أبو محمد الصادق «زعموا أن سوريا يجب أن تكون علمانية بل هي مسلمة وستبقى مسلمة»، وهو موقف واضح بأن «المكتب الشرعي» للحركة لا يقبل أن ينخرط في مسار فيينا بأي شكل من الأشكال. ومن غير الواضح ما إذا كان عزل الصادق يتضمن إشارة إلى أن الحركة يمكن أن تقبل بعلمانية الدولة السورية، خصوصاً أن لديها قدوة بذلك، وهي «الزعيم الإسلامي» كما تسميه رجب طيب أردوغان الذي لم تمنعه علمانية الدولة التركية من الاستئثار بحكمها رغم الهوية الإسلامية لحزبه.
وفي موقف يدلّ على أن شوائب «القاعدة» لا تزال عالقة بأفكار «مجلس شورى» الحركة برغم كل محاولات تطهيره وتلميعه، كان أبو عزام الأنصاري أحد أعضاء المجلس قد نشر تغريدات على حسابه على «تويتر» تفيد بأن الحركة ستعمل على «تجنيس المقاتلين الأجانب ممن يريدون البقاء في سوريا بعد انتهاء الحرب»، مؤكداً منح هؤلاء المقاتلين الحصانة من الملاحقة القضائية في أي دولة من دول العالم.
وهنا ينبغي التذكير بأن الحركة تضم المئات من «المقاتلين الأجانب» من مختلف الجنسيات العربية والغربية، من سعوديين وتونسيين وأردنيين وشيشان، بل وحتى فرنسيين، حيث كان «شرعي» الحركة في مدينة مسكنة بريف حلب هو أبو محمد الفرنسي. حتى أن لبيب النحاس نفسه كتب مغازلاً «المقاتلين الأجانب» على حسابه على «تويتر» قائلاً «هؤلاء الذين نزلوا بيننا، وتزوّجوا منا، وقاتلوا معنا، واستشهدوا دفاعاً عنا، هؤلاء ليسوا مهاجرين، هؤلاء منا».

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...