«النووي» الإيراني وتداعياته على «الجهاديين»

16-07-2015

«النووي» الإيراني وتداعياته على «الجهاديين»

أربك الاتفاق النووي بين الغرب وطهران المعارضة السورية عامة، بسبب يقينها أن الاتفاق لا يتعلق بمجرد الملف النووي الإيراني فحسب، بل هو صفقة شاملة تتعلق بمعظم ملفات المنطقة، وعلى رأسها ملف الأزمة السورية.
وبالرغم من أن التنظيمات «الجهادية» تشعر بالإرباك نفسه، ولا تخفي مخاوفها من أن تكون الحرب عليها أحد بنود الاتفاق السرية، إلا أن العديد من المعطيات تشير إلى أن بإمكان بعض هذه التنظيمات، وعلى رأسها «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، أن تتعاطى مع الاتفاق بما يحقق لها بعض المكاسب.
وأدّى الإعلان، أمس الأول، عن توقيع الاتفاق النووي إلى إيقاع العديد من المعارضين السوريين في حالة من اليأس والإحباط، بحيث عجزوا عن التعبير عن الانطباع الذي تملكهم ساعة سماع الإعلان.
وفي لحظة غضب سارع الناشط السوري المعروف حازم داكل إلى الالتجاء إلى صفحته على «فايسبوك»، كاتباً أنه «لم يعد أمام العرب سوى التحالف مع إسرائيل لوقف المشروع الفارسي»، لكنه عاد وحذف البوست بعد أقل من ربع ساعة على نشره.
وتلتقي معظم تعليقات المعارضين السوريين حول الاتفاق على أنه يشكل بداية مرحلة جديدة ستمرّ خلالها «الثورة» بأوقات صعبة. ومرد ذلك يعود إلى إدراك غالبية المعارضين بأن الاتفاق يعني في ما يعنيه تقلص النفوذ السعودي مقابل تمدد النفوذ الإيراني. وبما أن السعودية هي من أهم الدول الداعمة للمعارضة السورية، فهذا يعني أن الأخيرة لن تكون بمنأى عن تداعيات الاتفاق السلبية. وتعبيراً عن ذلك كتب الكاتب السوري إياد شربجي أن «الاتفاق يعني أن إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما تخلت عن الخليج، وعلى رأسه السعودية، وسيتم الاعتراف بإيران دولة نووية وإن بشروط». وشدد على أن «هذا مصير من يهدر ثرواته بلا ثمن وينفق ريعها على الكماليات والاستهلاك بدل أن يستغلها في بناء اقتصاد حديث ومتنوع»، مشيراً إلى أن «البقاء في عالم اليوم للأذكى والأقوى وليس هناك مكان للمغفلين، وللأسف أن نكون نحن من الصنف الأخير بينما إيران من الصنف الأول».
وقد انسحبت حالة الإرباك على غالبية النشطاء الإعلاميين المرتبطين بفصائل مدعومة خليجياً. ويوجز الناشط محمد الفاتح، التابع لفصيل «شام الرسول»، التعبير عن ذلك من خلال دعوته إلى «ضرورة قيام مشروع خليجي مقابل للمشروع الإيراني وإلا لن تقوم لدول الخليج قائمة»، مشدداً على أن «زيادة الدعم الخليجي بقوة، وليس بالقطارة للمجاهدين في سوريا والعراق (ليس في العراق سوى «داعش» الذي يحاربه فصيله في دمشق) واليمن هو رد سريع وجزئي على الاتفاق النووي .. وإلا ضاع الجميع».
وسط هذه الردود الصاخبة والخائفة من مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، رغم أن ملامح هذه المرحلة لم تتبين عملياً بعد، ولا يمكن التنبؤ بها بسبب التعقيدات التي يمكن أن تؤثر في مسارها. يمكن تسجيل أن تنظيم «داعش» سيكون أحد أبرز التنظيمات القادرة على استغلال الاتفاق وتوظيفه في دعم رؤيته لمجريات المنطقة والصراع الدائر فيها.
وتتراوح النظرة إلى الاتفاق بين كونه «نعمة» أو «نقمة»، أو مزيج من كليهما. ويبدو أن الأخير سيكون هو الصوت الأعلى في خضم ردود الأفعال «الدولاوية» على الاتفاق. وبالتالي فإن مخاطر الاتفاق ومساوئه لن تمنع «الدولة الإسلامية» من محاولة استثماره لتحقيق بعض المكاسب.
وقد بدأ بعض منظري التنظيم وإعلامييه بالتحذير من خطورة الاتفاق وتأثيراته على ساحات «الجهاد»، خصوصاً في سوريا والعراق واليمن، واضعين الاتفاق في إطار المؤامرة الإيرانية ـ الغربية على «الجهاد» وديار المسلمين. حيث يرى «أبو المعتصم خباب»، وهو من المنظرين المعروفين على مواقع التواصل الاجتماعي وحسابه متابع بكثرة رغم حذفه المتكرر من قبل إدارة «تويتر»، أن الاتفاق ما هو «إلا تقاسم نفوذ أميركي صفوي وبنوده الخفية أكثر وأهم من المعلنة، ولعل من أبرزها تسليم المنطقة لإيران كشرطي مزكى من النظام العالمي».
ورغم وجود قلق فعلي في أوساط التنظيم من الاتفاق وتداعياته، إلا أنه يمكن ملاحظة أن بعض المتحدثين يتعمدون المبالغة في توصيف مخاطره وسلبياته. وهذه المبالغة، على الأرجح، مقصودة، لأنها تخدم الشق الثاني من رؤية التنظيم للاتفاق، والتي تتعلق بمحاولة استثماره بما يخدم مصالحه.
ويتوخى التنظيم هدفين أساسيين، هما: إعادة التأكيد أنه هو الممثل الحقيقي «للسنة» وليس نظام «آل سلول» (النظام السعودي بحسب أدبياتهم) الذي فشل في منع الاتفاق أو عرقلته. وهو ما يحيل إلى التنافس الضمني الناشئ بين السعودية و «داعش» حول التمثيل السني، والذي عبّر عنه تعبيرا لافتا الكاتب السعودي جمال خاشقجي عندما اعتبر في إحدى مقالاته أن أهم إنجازات «عاصفة الحزم» هي إفقاد «داعش» جزءاً من قدرته على التجنيد. ويقول «هناك انحسار ملحوظ في الإشارات الإيجابية نحو الجماعة بين جمهورها الذي يتعاطف معها عادة، لقد تحولت حماستهم نحو عاصفة الحزم التي رأوها حرباً على أتباع إيران في المنطقة». فإذا كانت «عاصفة الحزم» وسيلة سعودية لتحجيم «داعش» فإن الأخير سيسعى بكل تأكيد إلى استخدام «الاتفاق النووي» لتحجيم السعودية.
والثاني إخافة السنة المحليين في سوريا والعراق بأن خطراً داهماً سيلحق بهم نتيجة الاتفاق، الذي يتضمن في ما يتضمنه بنوداً سرية من شأنها إطلاق يد إيران في دول المنطقة. متوسلاً من وراء ذلك تصعيد حالة الشحن المذهبي التي تعم المنطقة، لاستقطاب المزيد من المناصرين والجنود في صفوفه.
وبين هذا وذاك، يحاول البعض، وعلى رأسهم الحساب الشهير «يمني وأفتخر بإسلامي» العزف على وتر المعنويات، والتأكيد أن «واشنطن استخدمت الجماعات والمنظمات لقتال الدولة الإسلامية ففشلت وخسرت، والآن تستعين بدول كإيران، وتضعها في المواجهة علنا لتغرق في المستنقع»، متناسياً أن إيران كانت من أوائل الدول التي سارعت إلى قتال التنظيم في عقر داره في العراق من دون أن تنتظر إبرام الاتفاق.

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...