«بلاكووتر» معدّلة في العراق مجدداً: إدارة جديدة.. وإحياء لـ«الصحوات»
دأبت الولايات المتحدة منذ اجتياحها للعراق في العام 2003، وتحت ذريعة «أسلحة الدمار الشامل»، وشعارات «الحرية والديموقراطية»، على خلق آليات عمل أمنية تكفل لها فرض سيطرتها، واستمرارية قدرتها على اللعب بسلسلة الأزمات التي ابتدعتها من أجل ضمان مصالحها في بلاد الرافدين.
ولم يقتصر الأمر على استخدام القوة العسكرية الأميركية، والشركات الأمنية الخاصة، وإعادة إدخال 30 ألف جندي في العام 2007، وابتداع «مجالس الصحوات»، وحتى إدخال «المستشارين» الأميركيين مؤخراً تحت ذريعة «مكافحة الإرهاب» نفسها، وتكرار الاستعانة بالعشائر العراقية الطامعة بمكاسب سياسية واضحة، بل وصل حد المطالبة بتقسيم العراق إلى أقاليم طائفية وعرقية، وإعادة إرسال «مرتزقة» الشركات الأمنية الخاصة إلى البلاد مجدداً.
وأعلن المسؤولون الأميركيون صراحة عن أن «إستراتيجيتهم» الجديدة التي تزعم مواجهة «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش»، وتعتمد على دعم «السنّة» في العراق، ما دفع في اتجاه إعادة إحياء شكل جديد من «الصحوات» من العشائر في غرب العراق، ولكن بشكل آخر قد يكفل لها تحقيق نفوذ سياسي على مستوى «الأقاليم»، في ما يراه البعض مدخلاً لطرح مشروع تقسيمي على مستوى البلاد، بعدما نجح تنظيم «داعش» في إرساء قواعده من خلال عملية الفصل الطائفي والمناطقي التي دفع إليها.
«المستشارون» هو المصطلح الذي استخدمه الأميركيون لتبرير إرسال دفعة جديدة من قواتهم إلى العراق، وقد وصل عديدها إلى نحو سبعة آلاف «مستشار» حتى الآن، بحسب ما أكد مصدر ديبلوماسي رفيع لـ»السفير».
ولكن الأمر لا يقف عند هوية هؤلاء، بل يتعداه إلى طبيعة عملهم وأدوارهم والشكل الذي سيتم عبره إدخالهم إلى العراق تمهيداً لتعزيز النفوذ الأمني والسياسي الأميركي مجدداً في البلاد.
وفي هذا السياق، يعيد آلاف المتعاقدين من العاملين ضمن إطار شركات أمنية خاصة، والذين لعبوا دوراً أساسياً، تحت الطاولة في حروب العراق وأفغانستان سابقاً، النظر في عقود جديدة أعلنت عنها وزارة الدفاع الأميركية في شهر آب الماضي، من أجل المشاركة في المعركة الأخيرة ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا تحت صفة «مستشارين».
ويؤكد الأستاذ في «جامعة الدفاع الوطني» في الولايات المتحدة شون ماكفيت أن «شركات التعاقد الخاص ترى في داعش سوقاً محتملة»، مؤكداً أن «العديد من شركات الأمن التي تعمل بموجب العقود الخاصة ستجدد نشاطها في أروقة البنتاغون».
وخلال ذروة الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2007، كان أكثر من 180 ألفاً من المرتزقة العاملين في هذه الشركات (أبرزها في ذلك الحين شركة «بلاكووتر»)، متمركزين في البلاد، بحسب ما يؤكد الخبير العسكري الإستراتيجي في مؤسسة «نيو أميركا» بيتر سينغر.
ويشير سينغر إلى أن هؤلاء «لعبوا دوراً أكبر من مجرد كونهم يقاربون نسبة عدد الجنود الأميركيين، بل كانوا بمثابة قوات موازية»، لافتاً إلى أن عددهم «انخفض مع تقليص عديد القوات الأميركية، ولكنهم لم يغادروا، بل انتقلوا إلى لعب أدوار أخرى، من محللين ومترجمين وحراس أمنيين إلى تدريب القوات الجوية العراقية».
ويرى سينغر أن هناك «إطاراً» كان يتم العمل على تركيبه بدأ يظهر «مكانه»، حيث وضعت «إدارة التعاقد في الجيش الأميركي في آب الماضي، إعلاناً يتوجه إلى المتعاقدين الراغبين بالعمل بشكل أساسي لمدة 12 شهراً في عقد يتركز على عمليات تطوير القوات»، لافتاً إلى أن «الملاحظة نفسها كانت وضعت قبل اجتياح العراق حيث أعربت شركة هاليبورتون عن اهتمامها في ذلك الحين».
وفي هذا المسار، يرى بعض المحللين أن هناك حاجة كبيرة إلى «دفعة» أميركية جديدة كتلك التي حصلت في العام 2007، من أجل إعادة إحياء «مجالس الصحوات السنية»، مؤكدين أن مرتزقة الشركات، الذين تأتي غالبيتهم من الجنود والضباط المتقاعدين من الفرق العسكرية الخاصة و«الجواسيس»، الذين ارتبطوا عضوياً بمعسكرات «الصحوات» آنذاك وبالعمل على إنشائها، يمكن أن يؤمنوا الخبرات المطلوبة في هذا المجال اليوم، ما دفع مجلة «التايم» الأميركية إلى التساؤل في عددها مطلع أيلول الماضي، حول اقتراب «حرب أميركا الثانية بواسطة المتعاقدين».
وارتفع الطلب في الولايات المتحدة مؤخراً على «خبرات» هؤلاء المتعددة، وهو أمر لاقى ترحيباً من قبل الشركات الخاصة وصانعي القرار، بحسب ما يؤكد خبراء ومستشارون عاملون في هذه الشركات.
وعبرت أستاذة القانون في جامعة «جورج واشنطن» لورا ديكينسون، عن اعتقادها بأن «الوعد الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما بعدم إرسال قوات أميركية برية إلى العراق وسوريا، بسبب المخاطر الموجودة، دفع بالإدارة الأميركية إلى الذهاب باتجاه خيار المتعاقدين، لأنه يخفف من المخاطر السياسية اللاحقة بقرار إرسال الجيش». وأضافت أن مهام هؤلاء قد تكون «الإشراف على التدريب والشؤون اللوجستية»، كما أن بإمكانهم المشاركة في «إمساك الأمن في بعض المناطق».
وفي إعلانه عن حاجته لـ«معاونين أمنيين في مجالي التوجيه والإستشارة» في العراق، يقول الجيش الأميركي إنه يبحث عن متعاقدين من أجل «مساعدة الحكومة العراقية على تخفيف التوترات بين العرب والأكراد، والسنة والشيعة»، من خلال التركيز على هذه العملية «الجوهرية»، والآليات التي تنطوي عليها. وتشمل «الإدارة، وتطوير القوات، الشراء والاستحواذ، والتعاقد، وإدارة التدريب، والشؤون العامة، والخدمات اللوجيستية، وإدارة شؤون الموظفين، والتطوير المهني، والاتصالات، والتخطيط والعمليات، وإدارة البنية التحتية، والاستخبارات والتنمية التنفيذية».
ومؤخراً، في تموز الماضي، جددت وزارة الخارجية الأميركية عقداً من دون مناقصة مع شركة «تيربل كانوبي» الدفاعية الخاصة، من أجل مضاعفة عدد الحراس الذين يؤمنون القنصلية الأميركية في أربيل. وبرغم المحاذير السياسية التي يمكن تجنبها بالاستعاضة عن إعادة الزج بالقوات الأميركية في المنطقة، بالمرتزقة، إلا أن الاعتماد على هذا الجيش كان له سوابق دموية، لا تقل خطورة ودلالات.
وخرجت ممارسات هذه الشركات إلى الضوء، بعد المجزرة التي ارتكبها أربعة من مرتزقة «بلاكووتر»، وراح ضحيتها 14 مواطناً عراقياً في ساحة النسور في بغداد في العام 2007.
وبعد عامين على المجزرة، غيرت شركة «بلاكووتر»، التي أسسها إريك برينس، إسمها لتصبح شركة «كسي».
وفي العام 2010، ترك برينس الشركة وباع حصته فيها وانتقل إلى أبو ظبي، حيث ارتبط إسمه بالعمل على إنشاء قوة من المرتزقة لدولة الإمارات، وخلال السنوات اللاحقة تغير إسم شركة «كسي» لتصبح «أكاديمي»، لتندمج في الصيف الماضي مع شركة «تريبل كانوبي» وتشكلان سوية شركة «كونستيليس هولدينغز».
عملية الدمج هذه أوجدت للشركتين فريقاً إدارياً جديداً، يتألف من مجموعة من الرجال المقربين من مركز القرار في العاصمة الأميركية، وهم جون أشكروفت الذي شغل منصب المدعي العام في فريق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لخمس سنوات، وجاك كوين وهو المستشار القانوني للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ونائب الرئيس آل غور، والأدميرال المتقاعد في الجيش الأميركي بوبي اينمان المدير الأسبق لوكالة الأمن القومي ونائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية. وما لا شك فيه، أن «عقود الشركات الخاصة» ستعيد هؤلاء جميعاً إلى العراق مجدداً.
السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد