«شبه لي»:حضور قصيدة الفكرة على حساب الانفعال
هي المجموعة الشعرية الخامسة لسامي أحمد في تجربة بدأت عام 1999 بكتاب «صلاة المطر»، وبعده «دخان» و«عميل التعب»، ثم «خذلتني النجوم» الصادر سنة 2005.. في مجموعته الجديدة «شبّه لي» التي طبعتها دار التكوين بدمشق، يبدو الشاعر أكثر اختزالاً وتكثيفاً من حيث شكل القصيدة وحجمها.
وذلك تبعاً لانشغاله الكبير بالمعنى وماهية الاسترسالات الفكرية الكامنة خلف اللغة فيما يشبه تأملات فلسفية شديدة الصعود والهبوط بين المواقف الحادة وإحساس المرارة أو اقتفاء أثر التساؤلات المضنية التي طالما أرقت الإنسان، فرغم أن معظم قصائد الديوان هي من المقاطع الصغيرة القريبة إلى الهايكو، إلا أنها تتجه صوب قصيدة الفكر المكثفة والمضغوطة على شكل تساؤلات موجعة وحادة في آن واحد..
في هذه المجموعة، تحضر القصيدة المتأملة بقوة على حساب قصيدة الانفعال والدفق العاطفي، تلك المسألة التي ربما تشير إلى انشغالات الشاعر بقضايا كونية يفضلها على الهم الفردي، لا تفتأ هي الأخرى أن تغيب قليلاً في بعض المقاطع لاسيما حين يعود الشاعر إلى مرحلة الطفولة، فيضطر أن يظهر أكثر فطرية وعفوية وتحرراً من برودة العقل وجمود الفكرة تبعاً لحضور الانفعال على حساب التركيب المنطقي الذي جعله في سائر المجموعة أقرب إلى القصيدة المختزلة المتمسكة بالفكرة على الطريقة الأدونيسية..
هذا الحضور القوي للتفكير الشعري الفلسفي، دفع سامي إلى حتمية التمسك بالعامل اللغوي كحامل أساس لهذا المحور، فالاشتغال على اللغة عن طريق جمع الأضداد يظهر واضحاً في معظم المجموعة وربما ساهم هذا أيضاً في غياب الصورة الشعرية صاحبة الانفعال الشديد بعامل تفكيره الواعي أثناء الكتابة وأثر كل ذلك على اختيار الألفاظ والتراكيب:
«كان عليّ أن أقتل الماء.. في جسد النهر لأحيا التدفق» وكذلك: «امرأة، كلما قبلتها صرت طفلاً.. كلما قبلتني، صارت عجوزاً».. هكذا يشتغل سامي على هذا النوع من المفارقات الفكرية واللغوية في معظم ديوانه، لكنه لا يلبث أن يعود فجأة إلى جذوة الشعر بمعنى تصاعد الانفعالات لنكتشف صورة مغايرة تماماً لما يجري في بقية المجموعة خاصة عندما يعود إلى نبش الذاكرة الطفلية أو الشكوى والاستسلام للحزن.. يقول: «في قلبي الشيخ.. أبحث عن تدفق دم طفل» هذه الجملة الشعرية التي يمكن أن نعدها خروجاً على سطوة الفكرة في بقية الأماكن، يفعلها سامي مراراً في الكتاب وكأنه عن عمد يزرعها بين مقاطع الأفكار والتأملات كي لا تبدو القصائد مغرقة فقط بالتفكير، لذلك فهو يزودها بالانفعالات كلما سنحت الفرصة.. يقول: «وحده الحَمَامُ يصفقُ عندما تنتهي اللذة».
قصيدة الفكرة في مجموعة «شبه لي»، انعطفت أحياناً بالنص إلى حيث لا يشاء، فظهرت بعض الجمل نافرة لدرجة أن القارئ يتمنى لو استبعدها من الديوان على اعتبار أنها لم تضف شيئاً للسياق المرتفع الذي اشتغل عليه منذ البداية: «لم عليّ أن أفرغ من الشعر، عندما أذهب إلى النوم».. وما يؤكد قصدية سامي وتفكيره الكبير أثناء الكتابة، بروز الشعرية بشكل أكبر في قصائد الطفولة التي يكتبها دون تدخل تقني إذا صح التعبير.. ففي قصيدة «شباك الطفولة» يشتغل سامي بشكل مختلف عن قصائده القصيرة جداً والمكثفة، فيظهر هنا أكثر استرسالاً واستسلاماً لتلك المرحلة وبالتالي انفعالاً: «أريد طريقاً أصعد إليها بالهبوب.. على مقاس رأسي وأحلامي.. أريد طريقاً على مقاس طفولتي.. لأقيس بها جهة أصابعي وسعالي.. وسعال أبي..».
يكتب سامي معظم ديوانه كمفكر ومسكون بهموم من العيار الثقيل، ورغم المسافات الطويلة التي يمضيها في هذا الجو، إلا أن شعريته الانفعالية والشفافة تظل مصرة على الظهور لتقطع برودة العقل ومجمل المفارقات التي يجريها بين طرفين لغويين وبالتالي بين معنيين يسوقان فكرة أو موقفاً أو فحوى يريد إيصاله عن عمد، فالشاعر بعد تجربة عمرها خمسة دواوين شعرية يبدو ميالاً أكثر للحكمة والمآلات التي يقدمها بحرفية اللغة المتينة وربما لهذا السبب نعثر على برودة العقل والفكرة أكثر من الانفعالات الجياشة!.
الكتاب: «شبه لي»
المؤلف: سامي أحمد، دار التكوين دمشق.
زيد قطريب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد