«في حضرة الغياب»: عدم الاستفادة من الحملات الاعتراضية المبكرة
تشن حملة قاسية على مسلسل «في حضرة الغياب» الذي يتناول سيرة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، فبعد صفحات أنشئت على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» رافقت المسلسل منذ بداياته، تطالب بمنع الممثل السوري فراس ابراهيم من أداء دور درويش، وصلنا مؤخرا إلى بيانات تطالب بوقف العمل، أو تتهمه بالإساءة، من بينها بيان «لمؤسسة محمود درويش»، وآخر لمثقفين فلسطينيين بلغوا حوالى الألفي مثقف.. ويبدو أن الحبل على الجرار.
ليست البيانات دائما عملاً ديموقراطياً، ولا نعتقد أن الأمر أساساًَ يستحق، خصوصاً أن العمل الفني، بطريقة ولادته ووصوله إلى الجمهور، ومن ثم ردود فعل المتفرجين يكون قد حصل فعلا، إما على المكافأة أو التوبيخ اللازم. والمسلسل، كما هو واضح من شكاوى منتجيه، لم يبع بالقدر الكافي، وعلى ما يبدو هذا تجاهل أول من قنوات تعرف جمهورها وتعرف أي مواد يريد. وهناك بالطبع تعليقات الصحافة، والأهم سوق الإعلان التي تعتبر أمراً حاسماً في تقدير العمل التلفزيوني.
الضجة المثارة حول المسلسل أكبر مما يستحق، لأن المسلسل من الضعف بحيث أنه لن يشكل قوة في التأثير تساعد في تمرير حقائق أو تزويرها عن الشاعر الراحل. ونقترح هنا على المشاهدون تبديل زاوية النظر إلى المسلسل، كأن يجري النظر إليه كمعادل كوميدي لسيرة الشاعر الراحل، وهذا الأمر يحتاج قليلا من الاسترخاء، وحضور المسلسل جماعياً قدر الإمكان، حسب نصيحة هنري برغسون، صاحب كتاب «الضحك».
الكوميديا تبدأ من ذاك التنافر الهائل في المواصفات الجسمانية بين الشاعر والممثل، وبالطبع ليس هناك ما يعيب لدى الحديث في هذا الأمر، فالجسد في التمثيل هو أهم أدوات الممثل، ومن غير المقبول أن تأتي بممثل قصير القامة ليلعب دور درويش، الطويل القامة والوسيم، وكذلك من غير المقبول أن تقدم قصائد الشاعر الكبير، وهو أجمل من ألقى شعره، بإلقاء هزيل.
من المبكر أن نتناول أحداث المسلسل وطريقة معالجة سيرة الشاعر في السيناريو الذي كتبه حسن م يوسف، ولكن بالإضافة إلى أن أجواء المسلسل تذكر بمسلسل المخرج نجدت أنزور السابق «ذاكرة الجسد»، حيث نساء جميلات وستائر ولوحات تشكيلية، فإن اللافت ذلك الماكياج غير المحتمل الذي وضع للممثلة التي تلعب دور والدة الشاعر، إلى الحد الذي يجعلنا نشيح بوجوهنا عن المشاهدة.
المشكلة أن فراس ابراهيم، وهو منتج المسلسل قبل أن يكون بطله، لم يفد من تلك الحملات الاعتراضية المبكرة، وكان بإمكانه أن يستثمرها كاستطلاعات رأي مجانية تساعده في تصويب اتجاهه. إلا أنه حتى الساعة يعتبرها حملات حاقدة. في الغرب، حيث أصول صناعة الدراما، يحدث أحياناً أن تجرى اختبارات مع الجمهور، كأن توزع صور للنجوم على شريحة من المتفرجين لمعرفة أي من الصور هي الأحب. وهنا فإن أشهراً مديدة من الاعتراض على لعب فراس ابراهيم للدور لم تعن له شيئاً، وعلى الأرجح سيظل الرجل يكابر .. إلى ما بعد عرض المسلسل.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد