«قوات سوريا الديموقراطية»: عدوّ تركيا.. صديق مَن؟
تشكل القوات الكردية المقاتلة إحدى مفارقات الحرب السورية التي يستعصي فهم شبكة تحالفاتها وطبيعة أدوارها.
وبعد مضيّ خمسة أعوام من عمر الأزمة السورية ما زال السؤال يتكرر في كل مناسبة: «وحدات حماية الشعب» الكردية حليفة من؟. وأصبح السؤال أكثر إلحاحاً في ظل التطورات التي يشهدها ريف حلب الشمالي، وتلعب فيها القوات الكردية دوراً مركزياً، وما نتج عن ذلك من تداعيات إقليمية ودولية وضعت المنطقة على فوهة بركان.
وبرزت مؤخراً العديد من التصريحات المتناقضة حول الدور الذي تقوم به «وحدات حماية الشعب». فالمندوب الدائم لسوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري أشار إلى وجود تعاون بين الجيش السوري وهذه «الوحدات»، كما اعتبرتها مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان جزءاً من الشعب السوري الذي يقاوم «الإرهاب»، متهمة «إمبراطوريات إعلامية» بتسليط الضوء على المكون الكردي بشكل خاص.
غير أن ستيف وارن، المتحدث باسم عمليات التحالف الدولي، قال في مؤتمر صحافي، الأربعاء الماضي، إن «أكراد عفرين كانوا يتحركون من الغرب إلى الشرق في محاولة لمنع قوات نظام (الرئيس بشار) الأسد من تحقيق المزيد من التقدم، ضد المعارضة السورية، باتجاه الشمال». كما أن المتحدثين باسم «الوحدات» ينفون باستمرار وجود أي تنسيق بينها وبين الجيش السوري.
وكان أول ظهور لـ«وحدات حماية الشعب» منتصف العام 2012 عندما انكفأت قوات الأمن والشرطة السورية من المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال شرق البلاد، في خطوة لاقت، وما تزال، العديد من التفسيرات المتباينة. ومذاك لعبت «الوحدات» أدواراً عديدة في الحرب السورية.
والمرجعية السياسية التي تتبع لها هي «حركة المجتمع الديموقراطي»، التي تضم عدة أحزاب وهيئات واتحادات سياسية وعسكرية واجتماعية كردية، على رأسها «حزب الاتحاد الديموقراطي»، وشقّت لنفسها مساراً سياسياً وعسكرياً مختلفاً عن توجهات «المجلس الوطني الكردي». إذ بينما ينخرط الأخير في تحالفات «معارضة الخارج»، من «المجلس الوطني السوري» إلى «الائتلاف السوري» وصولاً إلى «هيئة التفاوض العليا» المنبثقة عن «مؤتمر الرياض»، فإن «حركة المجتمع الديموقراطي»، ممثلة بـ«حزب الاتحاد الديموقراطي»، شاركت في تأسيس «هيئة التنسيق الوطنية»، كما شاركت في اجتماعات موسكو والقاهرة.
تركيا القريبة من «المجلس الوطني الكردي»، بحكم اتساق سياساته مع سياسات حكومة كردستان العراق، تنظر إلى «وحدات حماية الشعب» على أنها العدو رقم واحد. هذه العداوة التاريخية، بالإضافة إلى نوعية التحالفات السابقة، كان يفترض أن تساعد في توضيح الصورة، إلا أن خلط الأوراق، الذي تعرضت له الحرب السورية في منعطفات كثيرة، حال دون ذلك، وتعزز الالتباس أكثر في أيلول 2014 مع بدء التحالف الدولي عملياته ضد «إرهاب داعش»، إذ اتخذت واشنطن، التي تقود هذا التحالف، من الأكراد حليفاً استراتيجياً على الأرض، رغم أن واشنطن وأنقرة شريكان ضمن حلف شمال الأطلسي «الناتو».
وقبيل انطلاق معركة عين العرب (كوباني) دخلت «الوحدات» في تحالف مع بعض الفصائل التابعة إلى «الجيش الحر»، بمسمى «غرفة عمليات بركان الفرات»، مهمتها قتال تنظيم «داعش» شرق نهر الفرات، غير أن النقطة الجوهرية هي أن هذه الغرفة التي كانت «الوحدات» تهيمن عليها بشكل مطلق، تدرجت في التنسيق مع الطائرات الأميركية حتى سمح تنامي الثقة بين الطرفين إلى ترسيخ تحالف قوي بينهما، لدرجة أن الولايات المتحدة بدت كأنها مستعدة لتوتير العلاقة مع حليفتها أنقرة مقابل ذلك.
صحيح أن واشنطن عبرت أكثر من مرة عن حرصها على إقامة توازن بين تحالفها العسكري مع «الأكراد» وبين تحالفها مع تركيا في إطار «الناتو»، وهي اتخذت عدداً من الإجراءات في سبيل ذلك، كان أولها الموافقة على دخول دفعة من قوات البشمركة من كردستان العراق إلى عين العرب كنوع من طمأنة أنقرة آنذاك. لكن الصحيح أيضاً أن كافة الإجراءات الأميركية لم تنجح في تهدئة المخاوف التركية، بالعكس أخذت هذه المخاوف تتصاعد حتى وصلت إلى درجة الانفجار.
ثم دخلت «وحدات حماية الشعب» في تحالف جديد تحت مسمى «قوات سوريا الديموقراطية»، وهو مجرد توسيع لتحالف «بركان الفرات»، ومن دون أي تغيير في جوهر الهيمنة الكردية عليه، وذلك بعد أسابيع فقط من الدخول الروسي على خط الحرب السورية، وإطلاق ما بات يعرف باسم «عاصفة السوخوي».
في البداية قيل إن «قوات سوريا الديموقراطية» مدعومة من الولايات المتحدة، حيث سارعت الأخيرة بعد أيام فقط من تشكيل التحالف الجديد إلى دعمه بخمسين طناً من الأسلحة، بواسطة المظلات. لكن سرعان ما ظهر مسار من التنسيق العسكري بين «سوريا الديموقراطية» وبين الطائرات الروسية، خصوصاً بعد اندلاع معارك ريف حلب الشمالي الأخيرة. كما تزامن ذلك مع افتتاح مكتب تمثيل لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» في موسكو، وسبق ذلك بفترة وجيزة زيارة لرئيس «حزب الشعوب الديموقراطي» التركي إلى موسكو.
ورغم أن واشنطن طالبت «قوات سوريا الديموقراطية» بعدم التقدم نحو مدينة إعزاز، لعدم دفع أنقرة إلى الحائط المسدود، إلا أنها استمرت في تأمين الغطاء الجوي لها في ريف الحسكة، الذي شهد، أمس الأول، إطلاق معركة «غضب الخابور» لانتزاع مدينة الشدادي من يدي تنظيم «داعش». وكانت واشنطن قبل ذلك منعت «قوات سوريا الديموقراطية» من تخطي الخط الأحمر التركي غرب نهر الفرات باتجاه جرابلس ومنبج، ما يؤكد استمرارها في سياسة التوازن.
وبالتالي يمكن القول إن «قوات سوريا الديموقراطية» تتحالف مع واشنطن في القسم الواقع شرق نهر الفرات، بينما تتحالف مع موسكو في القسم الواقع غرباً، ليبلغ الالتباس هنا أقصى درجاته. وإذا كانت الأريحية الروسية، بشقيها العسكري والسياسي، تشجع الأكراد على التقرب أكثر من موسكو، بعكس التمنع الأميركي عن إضفاء أي صبغة سياسية على تحالفها معهم، حتى أنها لا تزال تضع «حزب العمال الكردستاني» على قائمة الإرهاب، فإن الوقائع الميدانية تجعل استمرار التحالف العسكري مع واشنطن ضرورة لا بد منها لكلا الطرفين، إذ من دون الغطاء الجوي الأميركي سيعود «داعش» إلى اجتياح مناطق الأكراد بسهولة. ويدرك هؤلاء أن واشنطن محكومة بسقف عدم بلوغ نقطة اللاعودة مع تركيا، لذلك فالدعم الأميركي له حدود صارمة. كما أن واشنطن مضطرة إلى التحالف مع هذا الجناح من الأكراد، لعدم وجود قوة عسكرية لدى الجناح الآخر الأقرب إليها سياسياً، والمتمثل بـ «المجلس الوطني الكردي». وهو ما يرجح أن لا شيء محسوم، وأن ازدواجية التحالفات الكردية ستستمر في ظل ازدواجية السياسة والميدان.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد