«لورنس العرب»: عودة إلى التاريخ بروح نقدية؟
منذ الآن، دخل مسلسل »لورنس العرب« حيّز المنافسة الرمضانية كعمل يحسب له حساب، ليس لأنه عمل رُصد له إنتاج تلفزيوني ضخم، حيث تسهم جهات سورية وكويتية وأردنية في تمويله، بل بسبب موضوعه الإشكالي، الذي يعيد النظر بشخصية لم تستطع الوثائق المفرج عنها ولا كتب التاريخ ولا الفيلم الهوليودي الذي حمل اسمه، أن يزيل عنه الغموض والالتباس. ولعل طموح المخرج ثائر موسى والكاتب هوزان عكو أن يعيد المسلسل قراءة مرحلة تاريخية حاسمة في حياة العرب بصورة مغايرة.
وفي حين يهتم المخرج بالجوانب السياسية في حياة لورنس، فإن الكاتب عكو، وهذا هو عمله الأول ككاتب سيناريو، يقول إنه انطلق من إعجاب بشخص لورنس، كمثقف غربي وصاحب حلم. وبرغم أنه اعتمد على كمّ من الوثائق، كأرشيف الخارجية البريطانية، وأرشيف الموسوعة العربية، وكتاب لورنس »أعمدة الحكمة السبعة« فقد استعان بالمخيلة، على ما يقول، لغياب الوثائق الشخصية والاجتماعية عن حياته. وهو اعتبر أنه أخرج العمل، على مستوى الكتابة، من »بنية العمل التاريخي الذي غالباً ما يكون أسير الإكسسوارات والأماكن التاريخية المكرّرة، فكان البديل أمكنة موجودة الآن، كمحطة الحجاز، ودمشق القديمة، ومتحف حماه، ومرافئ الساحل السوري«. كذلك الأمر على مستوى الحوار، حيث يعتبر عكو أنه يكاد يكون معاصراً، ويشير إلى وجود عدد كبير من اللهجات بالنسبة لمسلسل، فهناك الفصحى، واللهجة البدوية، والشامية والعراقية والمصرية، والتركية والفرنسية والإنكليزية.
المخرج الذي درس في المعهد العالي للسينما في بولونيا، أجاب عن سؤال عن ضرورة »لورنس العرب« راهناً بالقول: »لا أرى المرحلة مختلفة عن فترة اتفاق »سايكس بيكو«، وأرى أن التاريخ يعيد نفسه، حيث التحالفات الدولية تعيد توزيع مناطق النفوذ، وحيث الصراع الأزلي بين شعوب تطمح إلى التحرر والإمبراطوريات التي تريد أن تسيطر وتستعبد«. ويرسم المخرج صورة درامية معقدة للورنس (يؤدي دوره جهاد سعد)، فهو يعتبره من رعاة الخديعة التي استهدفت العرب، وكان على علم مسبق باتفاق »سايكس بيكو«، ولكنه ليس بالضرورة جاسوساً صهيونياً، كما صوّره بعض المفكرين العرب، أو أنه شرير كل همّه خديعة العرب، فهو رجل ينتمي إلى الإمبراطورية البريطانية وخادم لمصالحها، وهو أحب الشرق وشخصيات من هذا الشرق، وقد يكون غير مرتاح لتلك الخديعة، ولكن التزامه ببلده هو ما أملى عليه الانصياع«.
وعما إذا كان هناك ما يضيفه الى الفيلم الهوليوودي الذي أخرجه ديفيد لين قال موسى: »لست متفقاً مع الفيلم الذي قدم لورنس كأسطورة قاد الثورة العربية، وكان العصب الأساسي فيها. كما أسندت إليه مواصفات البطل في الفيلم الأميركي. هنا، نسلط الضوء على تلك الفترة التي بدأت تتشكل فيها بوادر رؤية نهضوية تطمح للتخلص من السيطرة العثمانية. لذلك تجدنا نسلط الضوء على شخصيات أخرى لا تقل أهمية، كالأمير فيصل (يؤدي دوره مازن الناطور)، والأمير عبد الله، ونسيب البكري، وعودة ابو تايه، بالإضافة إلى شخصيات متخيلة هي مزيج من عدة شخصيات واقعية. وهناك مقاربة مختلفة أيضاً لشخصية جمال باشا (يؤديه زهير رمضان)، الذي تم التطرق إليه في مسلسلاتنا بسطحية، وظهر سوقياً وأرعن ومجرد سفاح. فيما تراه هنا ذا رؤية فكرية في دولته، علمانياً، متزناً يعرف ما يريد، عميق في أفكاره وليس سهل الانقياد«.
موسى، الذي أخرج مسلسلاً تلفزيوني وحيداً هو »الموءودة«، إلى جانب أفلام وثائقية تلفزيونية أو سينمائية، لم يخف ولعه بالعمل التاريخي، في مواجهة ما أسماه »المودرن«، قال: »أجد معظم الأعمال هذه مكرّرة وزائفة ومحدودة الموضوعات. والأهم أنها تضطر إلى المناورة لتفلت من الرقابة. وعلى مستوى الصورة لا تستهويني فضاءات »المودرن«، حيث البيوت المعاصرة، والمكاتب، وشوارع اليوم. لذلك فإن التاريخي يشكل لي تعويضاً على مستوى الصورة«.
يذكر أن الشخصيات النسائية في المسلسل محدودة، ومن أبرز الممثلات المشاركات ليلى جبر وعزة البحرة ورنا أبيض (في دور الجاسوسة اليهودية سارة).
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد